ما من لاعب كرة قدم أثار ضجيجاً اعلامياً خارج الملاعب وداخلها بمقدار ما أثار مارادونا فهو محط أنظار الاعلام المقروء والمسموع والمرئي بانجازاته الخارقة وفضائحه المدوية ومشاكساته الغريبة وهو مدمن على غير صعيد: أدمن تحقيق الانتصارات فأحرز للأرجنتين كأس العالم للناشئين 1979 وكأس العالم 1986 وأحرز لفريق بوكا جونيور بطولة الدوري الارجنتيني 1981 كما أحرز لفريق برشلونة كأس اسبانيا 1983 ولفريق نابولي بطولة الدوري الايطالي مرتين 1987 و1990 وكأس الاتحاد الأوروبي 1989، وأدمن تعاطي الكوكايين فدفع الثمن غالياً اذ أوقفه الاتحاد الايطالي لكرة القدم 1991 عن اللعب 15 شهراً ووافق الاتحاد الدولي الفيفا على القرار ودخل السجن في بوينس ايرس في السادس والعشرين من نيسان ابريل من العام ذاته عندما ضبط بالجرم المشهود يتعاطى الكوكايين في احدى شقق العاصمة الارجنتينية وأعاد الكرة في كأس العالم الأخيرة عندما أثبتت التحاليل المختبرية انه تعاطى مادة الابفيدرين فطرده الفيفا من البطولة وأوقفه عن اللعب 15 شهراً أيضاً. واضافة الى ذلك كله أدمن مارادونا سرقة الأضواء من خلال طبعه المشاكس وتصرفاته الفوضوية وقد قام مؤخراً بزيارة الى كوبا منحه خلالها الرئيس فيديل كاسترو وسام الصداقة، معرِّضاً نفسه لخطر السجن لأنه غادر بلاده دون ان يعلم سلطات البوليس بالأمر بعدما صدر بحقه حكم بالسجن لأربع سنوات مع وقف التنفيذ كونه أطلق النار على بعض الصحافيين الذين ضايقوه من بندقية ضغط هوائية. وبعد تسلمه جائزة الكرة الذهبية الاستثنائية التي منحته اياها مجلة فرانس فوتبول شن حملة شعواء على الفيفا وعلى رئيسه جواو هافيلانج وأمينه العام جوزف بلاتر وهكذا يستمر النجم الأسطوري في توفير مادة دسمة للاعلام وفي احتلال الصفحات الأولى من الصحف الرياضية لاعباً من معدن نادر ومشاكساً من طراز فريد. يجمع الرأي العام على ان مارادونا يتمتع بموهبة كروية عزَّ نظيرها كما يجمع على مهاراته الخارقة انجازاته العظيمة، الا انه ينقسم حول موقفه من سلوك هذا اللاعب داخل الملاعب وخارجها ويتوزع بين متعصبين لمارادونا يعجبون بكل ما يصدر عنه حتى بفضائحه التي يصعب هضمها، ومعجبين بمارادونت ينكرون عليه ما قام به من فضائح لكنهم يتفهمون وضعه ويحاولون ان يجدوا له الأعذار والمبررات، ومشاهدين يعجبون بمارادونا لاعباً لكنهم يتحفظون عن سلوكه الرياضي ويستنكرون سلوكه الاجتماعي ويتشددون في محاسبته وادانته على اعتبار ان نجماً اسطورياً كمارادونا يفترض فيه ان يكون قدوة في تصرفاته ولا يجوز ان يكون مكيافلياً يستبيح كل شيء من أجل الشهرة والنصر. ويتمتع مارادونا بشعبية كاسحة في الأرجنتين لا تقتصر على الجماهير الرياضية بل تتخطاها الى أوساط المثقفين والفنانين باستثناء بعض الأوساط الرسمية والمحافظة، وما يؤكد ذلك ان الأرجنتينيين صدقوه عندما نفى عن نفسه تهمة الغش إثر طرده من كأس العالم وبكوا مع صديقهم مارادونا كما بكوا من قبل ايفيتا براون. يقول أوسفالدو سوريانو الكاتب الأرجنتيني الشهير: "أبدى مارادونا تفهماً حقيقياً لمشاكل الهامشيين، فهو قد أرسل قميصه الرياضي الى احد المعتقلين السياسيين خلال الحكم الديكتاتوري وأعلن عن تضامنه مع ضحايا البؤس الاجتماعي، وطالب بمحاسبة الفيفا، وانتقد فقدان الحس الاجتماعي لدى حكومة الرئيس كارلوس منعم، ووقف الى جانب كوبا". ويقول الممثل ميغال انجيل سولا: "لا يمكننا ان نفهم ظاهرة مارادونا اذا نظرنا اليها من غير زاوية الشعر". ويقول مدرب الارجنتين الأسبق سيزار لويس مينوتي: "مارادونا هو خلاصة الطبائع الوراثية لتاريخ كرة القدم في الأرجنتين على امتداده". ولعلَّ هذا ما يفسر تعاطف الجمهور الارجنتيني معه مخطئاً أو مصيباً، وهذا الجمهور لم يغفر له لمسة اليد التي سجل بها هدفاً في مرمى انكلترا في نهائيات كأس العالم في المكسيك فقط بل اعتبر ذلك مأثرة عظيمة وانتقاماً عادلاً من الانكليز الذين هزموا الارجنتين في حرب الفوكلاند. ولم يخجل مارادونا لاحقاً من الاعتراف بأنه سجل الهدف الحاسم الذي نقل بلاده الى المباراة نصف النهائية في كأس العالم من لمسة يد معتبراً انها "يد العناية الالهية". ويقول الرسام الارجنتيني نيكولاس في معرض دفاعه عن مارادونا: "لا يهمني عدد النساء اللواتي أحبهن بيكاسو ولا عدد العاهرات اللواتي ضاجعهن، ما يهمني هو لوحات بيكاسو والأمر ذاته ينسحب على مارادونا". لكن الأمر في الواقع لا يعدو كونه عملية غشٍ بكل معنى الكلمة فالخداع يبقى خداعاً حتى لو مارسه مارادونا ولئن كان من حق اللاعب ان يسعى الى النصر وان يستميت في تحقيقه، فليس من حقه ان يغش كي يصل الى غايته ولو ان مارادونا تقدم من الحكم الذي اعتبر هدفه صحيحاً في مرمى انكلترا واعترف له بأن الهدف جاء من لمسة يد، لكان مارادونا اكتسب اعجاب العالم واحترامه ونال شهرة تفوق الشهرة التي حققها من احراز هدف سيذكر التاريخ دائماً انه هدف "مغشوش". حملة عنيفة على الفيفا وتجدر الاشارة الى انه لا يمكننا ان نجرد الحملة العنيفة التي شنّها مارادونا على الفيفا وعلى رئيسه البرازيلي جواو هافيلانج عن الأهواء الشخصية، فمارادونا اعتبر نفسه ضحية مؤامرة جهنمية دبرها هافيلانج وشارك فيها الفيفا وباركها صمت غرو ندونا رئيس الاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم وذلك بغية افساح المجال أمام البرازيل لاحراز كأس العالم الأخيرة في الولاياتالمتحدة. وقد جاء على لسان مارادونا خلال مقابلة اجرتها معه مجلة "فرانس فوتبول": "لم يحاول هافيلانج ان يساعدني على الاطلاق لأنه يجهل ما تعنيه هذه الكلمة التي لا وجود لها في قاموسه. وكن على ثقة انه كان لا بد للبرازيل من ان تفوز بكأس العالم لأن فريقها فريق جيد ولأن ولاية هافيلانج في الفيفا هي الأخيرة، ولم يكن في وسعه ان يرحل من دون ان يضمن الكأس لبلاده". ورداً على سؤال عما اذا كان يتمنى ان يصبح رئيساً للفيفا قال مارادونا: "هل تتخيلني رئيساً للفيفا؟ كل ما أريده هو ان يتولى المسؤولية أناس يفهمون لعبة كرة القدم ويتشاورون مع الآخرين قبل اتخاذ القرارات، أناس لا يؤمنون بأنهم وحدهم يحتكرون الحقيقة. لنكن جديين… ماذا يعرف هافيلانج عن كرة القدم. ان الحل الوحيد يكمن في ان يتسلم مسؤولية كرة القدم من يستحقون وليس من يتولون القيادة حالياً لأنهم يثيرون في نفسي التقزز، ولم يعد من الجائز ان نخدع الذين يدفعون لحضور المباريات، ونتائج المباريات مقررة سلفاً". وفي حوار آخر اجرته معه صحيفة "الايكيب" يقول مارادونا: "الكرة الذهبية الاستثنائية لمجلة "فرانس فوتبول" حملت الي بعض العزاء وعوَّضت الى حد ما كأس العالم التي سرقوها مني مع أنني وعدت ابنتيّ بها. ان الفيفا هي المافيا وهافيلانج هو لاعب كرة ماء يتولى الاشراف على لعبة كرة القدم". التوقيت الخاطئ هذه الاتهامات المدوية كان من الممكن ان يكون لها وقع آخر لو لم تصدر عن مارادونا بعد العقوبات التي اتخذها الفيفا بحقه. والسؤال الذي يتبادر الى الذهن لماذا لم يفجر مارادونا غضبه على الفيفا قبل هذا التاريخ يوم كان في ذروة مجده؟ صحيح ان في الفيفا تجاوزات وانها قد تتصرف كالمافيا أحياناً لكن توقيت الحملة عليها لم يكن مناسباً لا سيما ان قائد الحملة - رغم شهرته الاسطورية - ليس ملاكاً، بل له سجل حافل بالتجاوزات والفضائح التي لا يمكن ان نحمّل الفيفا مسؤوليتها، كما لا يمكن ان ننكر على الفيفا نجاحها في تنظيم لعبة كرة القدم وفي جعلها اللعبة الشعبية الأولى في العالم. ثمة حقائق تفرض نفسها منها انه ليس من المؤكد ان يكون اللاعب العظيم ادارياً ناجحاً أو مدرباً قديراً الا ان من الضروري ان يتصرف المسؤولون في الفيفا وان يتصرف اللاعبون المحترفون بطريقة تعتبر ان الكرة هي مصدر متعة لامتناهية سواء بالنسبة الى اللاعبين أو بالنسبة الى الجماهير، ولا يجوز ان تتحكم الاعتبارات المادية - على أهميتها - بمسارها وان تطغى على الاعتبارات الرياضية فتؤول أوضاع الكرة الى ما آلت اليه أوضاع الملاكمة. اقتراحات للمناقشة وقد طرح مارادونا جملة أمور يمكن ان تناقش بروية ولا ضير في ان يتبنى الفيفا بعض اقتراحاته وخصوصاً مراعاة أوضاع اللاعبين لأن توقيت المباريات لضمان نقلها تلفزيونياً عن طريق البث المباشر دون الاهتمام براحة اللاعبين انعكس سلباً على ادائهم وعلى مستوى اللعب. وماذا تنتظر من اللاعبين الذين ينهبون ارض الملعب طوال 90 دقيقة عدداً اذا كان الناس في مدرجات الملاعب يكادون يختنقون من شدة الحر؟ والواقع انه خلال مباراة هولندا - بلجيكا في الدور الأول من كأس العالم أغمي على بعض الناس من وطأة الحرارة. ولا يستبعد مارادونا اذا استمرت الأمور على هذا المنوال في غياب تنظيم نقابي للاعبين يرعى شؤونهم ويدافع عن مصالحهم ان يطلب منهم الفيفا ذات يوم اللعب في الساعة السادسة صباحاً. شخصية مثيرة للجدل مما لا شك فيه ان كرة القدم أعطت مارادونا بسخاء وهو بدورها بادلها العطاء فوفر المتعة والاثارة للجماهير في كل بقاع الأرض، لكنه ظلم نفسه وظلم الجماهير بممارساته التي يصعب الدفاع عنها والتي جاءت أشبه بلطخة حبر فوق ثوب ناصع البياض. وتبقى شخصية مارادونا بما لها وبما عليها مثاراً للجدل خلافاً لشخصية بيليه أو شخصية بلاتيني التي يجمع الخبراء وتجمع الجماهير على انهما جمعا الى الموهبة الكروية الفذة سلوكاً حسناً جعل منهما قدوة للاعبين وللناشئة ويجب الا يغرب عن بالنا ان الرياضة أخلاق عالية الى كونها علماً وفناً وتجارة رابحة. تعددت الأهداف والاسم واحد لعب مارادونا مع نادي ارجنتينوس جونيورز 166 مباراة وسجل 115 هدفاً. ولعب مع بوكا جونيورز 40 مباراة وسجل 28 هدفاً. ولعب مع برشلونة 58 مباراة وسجل 38 هدفاً. ولعب مع نابولي 259 مباراة وسجل 115 هدفاً. ولعب مع اشبيلية 25 مباراة وسجل 4 أهداف. ولعب مع نيو ولز اولد بويز 3 مباريات ولم يسجل أي هدف. ولعب مارادونا مع منتخب بلاده 88 مباراة رسمية وسجل 33 هدفاً. الأحفاد والكافيار لدى سؤال مارادونا عن ثروته أجاب السائل قائلاً: "لا تكن قلقاً على وضعي… فأنا في مأمن من الحاجة حتى آخر العمر. ويمكنني ان أؤكد لك انه سيكون في وسع أحفادي ان يأكلوا الكافيار طوال حياتهم اذا رغبوا في ذلك". ومارادونا لا يعرف بالضبط مقدار ثروته… فالنفقات الشخصية يتولاها هو وزوجته أما ادارة أمواله فيتولاها ماركوس فرانكي.