ينتظر علماء الفلك حدوث انفجارات ضخمة في تموز يوليو المقبل ناتجة من اصطدام أجزاء نيزك بكوكب المشتري، لدرس انعكاساتها وآثارها من اجل تعزيز أنظمة التحذير المعتمدة لحماية الأرض من أخطار مماثلة مستقبلاً، ذلك أن احتمال تعرضها لقصف من النيازك أمر وارد، ومثل هذا الأمر - اذا حصل - سيؤدي الى كارثة بشرية تفوق ما تحدثه الانفجارات النووية مئات المرات. تتابع "الوسط" هذا الحدث عبر تحقيق كتبه الدكتور بيل نابيير، احد علماء الفضاء البريطانيين، وعبر حوارات مع العلماء في قسم العلوم الفلكية في جامعة الملك عبد العزيز في جدة. في الخامس والعشرين من شهر آذار مارس من العام الماضي اكتشفت عالمة الفضاء كارولاين شوميكر نيزكاً قريباً من كوكب المشتري في صورتين كان التقطهما تيليسكوب عريض الزاوية من قمة جبل يالومار في ولاية كاليفورنيا. وليس في اكتشاف اي نيزك أو نجم مذنب بواسطة تيليسكوب أي شيء جديد أو غير عادي لان العلماء يكتشفون نيازك عدة من هذا القبيل كل عام. كما ان معظم هذه النيازك يكون باهتاً الى درجة تستعصي معها رؤيته بالعين المجردة مع ان واحداً منها يمكن مشاهدته كل سنة أو سنتين حين يصبح كتلة من السديم في السماء أو ربما أصبح أحدهما في حالات نادرة مرتين أو ثلاث مرات كل قرن مذنباً رهيب المنظر في القضاء لمدة أسابيع أو أشهر. لكن نيزك "شوميكر - ليفي 9"، كما أطلق عليه حين اكتشافه آنذاك، كان استثنائياً لأنه بدا كأنه "مهروس" أو "مسحوق" وعندما أبلغ علماء الفلك في كيت بيك في ولاية اريزونا وفي موناكي في جزر هاواي الاكتشاف الجديد استطاعوا ان يتحققوا بفضل ما لديهم من أجهزة متطورة، من أن هذا النيزك يتألف في الواقع من عشرين قطعة منفصلة تنتشر مثلما تنتشر حبات العقد. وهكذا لم يكون الاكتشاف أمرا عادياً. وحين بدأ الرياضيون بعملياتهم الحسابية لمعرفة المدار السابق لهذا النيزك وتقرير المدار المستقبلي الذي سيأخذه توصلوا الى حقائق أخرى مذهلة: كشفت حساباتهم لماضي النيزك انه كان مر من دون ان يكتشفه أحد فوق نصف قطر المشتري في تموز يوليو 1992. ومن الواضح ان أمواج ذلك الكوكب الهائل التي تزيد قوتها عند تلك المسافة حوالي مليون مرة على قوة الأمواج القمرية على الأرض هي التي مزقت ذلك النيزك. وحين درسوا الحركة المستقبلية اتضح لهم ان تلك السلسلة من اجزاء النيزك وهي الآن توابع موقتة للمشتري ستتحطم على الكوكب خلال فترة ستة أيام تتركز في العشرين من تموز من هذا العام، وستصطدم بالمجال الجوي للمشتري بسرعة ستين كيلومتراً في الثانية. وكشف مراقبة تلك الأجزاء عن طريق تيليسكوب "هابل" الفضائي ان قطر الواحد منها يصل الى أربعة كيلومترات. وبمعرفة حجم كل منها وسرعته يمكن العلماء ان يقدروا الأثر الذي سينجم عن اصطدام تلك الطاقات. ووحدة القياس المألوفة لهذه الطاقات هي الميغاطن، أي الطاقة الناجمة عن تفجير مليون طن من المتفجرات الشديدة. واتضح من دراسة العلماء ان كل عملية اصطدام ستطلق طاقة تبلغ قوتها بضع عشرات الملايين ميغاطن. ويمكننا ان نحصل على فكرة عما يعنيه ذلك اذا عرفنا ان القنبلة النووية التي ألقيت على مدينة هيروشيما اطلقت من الطاقة ما يعادل حوالي واحد على خمسين من الميغاطن، وان الرأس النووي العادي يحمل من الطاقة المتفجرة عادة حوالي نصف ميغاطن. كما ان مجموع قوة لترسانات النووي في الشرق والغرب لا يزيد على خمسة آلاف ميغاطن. وهكذا سيكون أثر الاصطدامات على المشتري في تموز المقبل معادلاً لقوة عشرين ألف حرب نووية شاملة، أو ما يعادل تفجير قنبلة هيدروجينية واحدة على سطح كل كليومتر مربع من مساحة الأرض وحتى لو نظرنا الى المشتري من خلال جهاز تيليسكوب صغير لرأينا انه عبارة عن كرة ذهبية مجسمة ناقصة نسبياً تخترقها خيوط فضائية مظلمة. وبالنظر من خلال تيليسكوب سيكون مشهد الكرات النارية الملتهبة الناجمة عن الاصطدامات التي ربما ارتفعت ألسنة لهبها الى مسافة ألف كيلومتر فوق الكوكب حدثاً مثيراً جداً حتى في وضح النهار على الأرض، مع ان المشتري يبعد عنا أكثر من خمسمئة مليون ميل. ولكن من سوء حظنا اننا لن نشاهد ذلك المنظر الخيالي لأن أجزاء ذلك النيزك ستسقط على نصف كوكب المشتري المحجوب عن الأرض. لكن الآثار التي ستنجم عن ذلك على الفضاء ستصبح واضحة خلال ساعات قليلة من وقوع كل اصطدام. "الرسول الفلكي" ويبدو ان النيزك الأصلي الذي انبثقت منه أجزاء النيزك الحالية كان بقطر لا يزيد على سبعة كيلومترات ما يعني انه لم يكن نيزكاً استثنائياً. لكن الاصطدامات المقبلة بسطح المشتري تذكرنا بأن كواكب النظام الشمسي بما فيها الأرض التي نعيش عليها تتعرض ل"القصف" المستمر منذ ان تشكلت. ففي عام 1610 وصف العالم غاليليو في كتاب صغير عنوانه: "الرسول الفلكي" النتائج الأولى التي توصل اليها من تيلسكوب اخترعه. اذ يصف القمر بأنه مغطى بكمية كبيرة من البقع الصغير السوداء المنتشرة على الجزء الذي تضيئه الشمس ... والجانب المظلم من هذه البقع الصغيرة يتجه دائماً نحو موقع الشمس بينما توجد علي الجانب الأبعد عن الشمس حدود ساطعة كأنها متوجة بقمم مشعة". وأدرك غاليليو أن البقع الصغيرة المظلمة كانت ظلالاً لسلاسل جبلية. أما ادراك تعرض الكواكب لصواريخ من كواكب أخرى، مثل الشهب والنيازك والكويكبات السيارة الصغيرة، فهو اكتشاف حديث. فقد ظل الاعتقاد السائد لمدة ثلاثمئة وخمسين سنة بعد غاليليو هو ان الأرض والقمر فيهما وحدهما حفر ضخمة. وكان الاعتقاد السائد أيضا ان الحفر القمرية، مثل الكثير من الحفر الأرضية، كانت نتيجة للاضطرابات البركانية. وفي عام 1965 اكتشفت أولى الحفر خارج النظام الأرضي - القمري عندما أرسلت السفينة الفضائية "مارينر 4" أولى الصور التي التقطتها لكوكب المريخ من مسافة قريبة. وفي عام 1.19 اكتشف العلماء ان قمري المريخ الصغيرين فوبوس وديموس مليئان بالحفر. وفي العام التالي استطاع الرادار اختراق الضباب والغيوم الكثيفة المحيطة بكوكب الزهرة ليكشف وجود سطح مليء بالحفر. وأصبح من المعروف الآن ان كل سطح صلب في نظام الكواكب السيارة لم يتعرض للتآكل أو الترسبات، مغطى في الواقع بحفر هائلة نجمت عن اصطدامات وأن بعض تلك الحفر يغطي مئات الكيلومترات. أسباب الاصطدامات ان ما يجعل اصطدامات النيازك والشهب خطيرة أحيانا هو أنها تسير في مدارات ومسارات غير منتظمة لا يمكن التنبؤ بها أو توقعها لأكثر من بضعة قرون، بينما نعرف ان الكواكب تدور حول الشمس في مدارات شبه دائرية ومنتظمة منذ حوالي أربعة آلاف مليون سنة. أما محركات هذه الفوضى فهي كواكب النظام الشمسي الخارجية العملاقة التي تؤدي مجالات جاذبيتها الشديدة الى التأثير في مدارات النيازك التي تدخل نظام الكواكب من مناطق خارج هذا النظام. فالنيازك في واقع الأمر كويكبات تسير في السماء كما يحلو لها ما يعني انها يمكن ان تصطدم بغيرها من الكواكب وتلحق بها دماراً كبيراً. والمشتري الذي يبلغ حجم كتلته 318 مرة حجم كتلة الارض هو الكوكب المهيمن على النظام الشمسي يليه زحل الذي يبلغ حجمه 95 ضعفاً حجم الارض ويبعد 14 ألف مليون كيلومتر عن الشمس. وجاذبية المشتري هي العامل الرئيسي في اضطراب الحركة المدارية للنيازك في نظام الكواكب. فاذا مر نيزك ضمن مسافة مئة وخمسين مليون كيلومتر أو قرابة ذلك من الكوكب، انتقلت السيطرة على مداره بصفة أساسية من الشمس الى المشتري ما يؤدي عموماً الى تغيير جذري في المسار. وربما بدت هذه الأحداث التي تجري حول كوكب سيار بعيد جداً عنا أمرا لا أهمية له بالنسبة الى الشؤون البشرية. لكن زمن مرور نيزك من المشتري الى الأرض لا يتعدى السنوات القليلة. فهل يعتبر الاصطدام بكوكب المشتري اذن، على رغم ندرته عديم الأهمية بالنسبة الى الانسان؟ أم هل نحن في مواجهة خصر أشبه بسيف ديموقليس المصلت في وجوهنا؟ اذ لا شك اطلاقاً في انه اذا ما اتجهت قطعة واحدة بسيطة من القطع الناجمة عن انشطار جو المشتري نحونا فان النتيجة ستكون انقراضاً على نطاق هائل للحياة. ومن المدهش اننا اذ نحاول الاجابة عن هذا السؤال نسير على طريق لا تأخذنا الى صدارة ابحاث الفضاء الحديثة، فحسب، بل تقودنا ايضاً الى دراسة السجلات القديمة التي تعود الى ما قبل الميلاد. الاصابة الوحيدة المعروفة نتيجة سقوط أحد النيازك هي كلب قتل في نخلة في مصر عام 1911. اذ ان ذلك الكلب هو الكائن الحي الوحيد الذي يعرف انه قتل نتيجة نيزك يسود الاعتقاد بأنه ذلك النيزك من الفضاء. وفي حالات نادرة جداً يمكن قطع النيزك ان تصيب سقف احد البيوت أو تضرب إحدى السيارات. كما ان امرأة في البانيا أصيبت بجروح عام 1954. ولكن في الثلاثين من حزيران يونيو عام 1908 كان هناك تذكير بأن الأرض يمكن ان تواجه احياناً أجساما اكبر من تلك القطع الناجمة عن تفتت احد الشهب أو النيازك. "حين جلست لأتناول طعام الإفطار الى جوار محراثي سمعت ضربات قوية مفاجئة أشبه بصوت الرصاص. وسقط حصاني على ركبتيه. وحين نظرت الى الطرف الشمالي من الغابة رأيت لهباً ينطلق. وبعدئذ رأيت أشجار الغابة وقد مالت بسبب الريح فاعتقدت بأن اعصاراً قد بدأ يهب. عندما امسكت بمحراثي بكلتا يدي لئلا تحمله الرياح. اذ بلغ من قوة تلك الرياح انها حملت معها بعض التراب من سطح الارض. وبعدئذ دفع الاعصار جداراً من الماء عبر البركة". هذا شاهده ذلك المزارع في سهول أواسط سيبيريا في الثلاثين من حزيران 1908 هو في الواقع الأثر الناجم عن اصطدام قطعة صغير من أحد النيازك. وكان المزارع آنذاك على بعد مئتي كيلومتر من نقطة الاصطدام. وعلى بعد حوالي خمسة وستية كيلومتراً تحدث مزارع اخر عما حدث، قال: "رأيت كرة نارية ملتهبة ضخمة تغطي جزءاً هائلاً من الفضاء. وبدا لي كأن النصف الشمالي من الفضاء بأكمله مغطى بالنار. وشعرت بحرارة شديدة كأن قميصي يحترق. وبعد وهلة اظلم الفضاء وشعرت في الوقت نفسه بانفجار قذفني مسافة أمتار عن مدخل البيت. وبعد ذلك فقدت الوعي". وعلى بعد أربعين كيلومتراً الى الجنوب الشرقي من نقطة الاصطدام ارتفعت خيمة بجميع افراد العائلة الذين كانوا داخلها في الهواء. وحين صحوا من الصدمة شاهدوا الغابة وهي تحترق من حولهم. أما اذا كان هناك شهود عيان آخرون فانهم لم يتركوا لنا اي وصف لما اختبروه. أما شهاب تانغوسكا فقد شوهد مضيئاً الى درجة جعلت الشمس تبدو مظلمة بالمقارنة معه، في منطقة بلغ عرضها حوالي ألف وخمسمئة كيلومتر. كذلك أدى في منطقة مماثلة الى اهتزاز المباني وأدوات المطابخ والي تهشيم زجاج النوافذ. وسمع الناس أصوات انفجارات تصم الآذان على بعد اكثر من ألف كيلومتر وتفيد سجلات الزلازل لتلك الفترة ان الأرض تعرضت للدك من الأعلى ومن هذه السجلات، ومن سجلات الموجات الهوائية، ومن مدى الدمار الذي لحق بالغابات يمكننا ان نقول ان قوة اصطدام تانغوسكا كانت تراوح بين عشرة وثلاثين ميغاطنا ولو كان مساره انحرف قليلاً لكان مسح مدينة كبرى مثل لندن أو حتى دولة صغيرة مثل بلجيكا. ومنذ مدة طويلة وبعض العلماء في بريطانيا يقول ان الاصطدامات المشابهة لتانغوسكا تشكل خطراً كبيراً على الانسان وانه كان ينبغي ان تحدث اصطدامات بقوة طاقة تصل الى ألف ميغاطن عبر التاريخ. وكان هذا الرأي حتى فترة قريبة رأياً تؤمن به أقلية محدودة. وحتى في الولاياتالمتحدة كان العلماء يعتبرون حادث عام 1908 استثنائياً جدا يمكننا ان نتوقع حدوثه مرة ربما كل ألفي عام، كما ان الدمار الذي يمكن ان ينجم عنه محدود جداً ومحلي جداً. الا ان الأدلة اخذت تتراكم من متابعة الفيض الكبير من الكرات النارية الناشئة من النيازك والشهب في الليل، وفي احصاء الحفر الهائلة على سطح القمر، ومن اكتشاف الكويكبات الباهتة التي تعبر الأرض وتهوي ببطء وسط خلفية من النجوم وتشير هذه الأدلة الى ان حدثاً مثل تانغوسكا أمر وارد كل حوالي مئة سنة ما يعني ترجيح حدوثه في هذا القرن. ومن المحتمل أن يكون الكثير من هذه الاصطدامات وقع وترك أثره في البحار أو المناطق غير المأهولة ما يعني أننا لم نلاحظها، وان الناس في الماضي كانو يسجلونها كجزء من الخرافات والأساطير الاحتمالات وفي أي قرن من القرون هناك أيضا احتمال واحد في الألف أن يضرب الأرض كويكب بقطر كيلومتر أو كيلومترين. والدمار الناجم عن مثل هذا الاصطدام سيكون هائلاً. فاصطدامه بسطح محيط مثلاً يمكن ان يؤدي الى حدوث أمواج على ارتفاع مئات الامتار لتضرب شواطئ المحيط. أما الاصطدام بسطح الأرض البري فيمكن ان يؤدي الى الحاق دمار شامل بقارة كاملة بفعل الانفجارات والحرارة والزلازل، وان يؤدي أيضا الى ظهور غبار دقيق في الطبقة العليا من الغلاف الجوي يحجب الشمس لعام أو قرابة ذلك، وما يعقب هذا من قحط عالمي شامل وربما مجاعة تودي بحياة آلاف الملايين من الناس. وفي أي سنة من السنوات هناك احتمال واحد من المليونين أن يموت المرء نتيجة لحدث من هذا القبيل. أما احتمال موت المرء خلال حياته الكاملة نتيجة لمثل هذا الحدث فهو واحد في ثلاثين الفاً، أي تماماً مثل احتمال موته في حادث تحطم طائرة. لكن الطبيعة الجماعية للموت الذي يمكن ان ينجم عن اصطدام نيزك او كويكب احتمال ما قد يؤدي اليه مثل هذا الاصطدام من انهيار كامل للحضارات هما ما يجعلان هذا الامكان رهيباً جداً. ومن المشكلات ايضاً ان الكويكبات التي تعبر الأرض صغيرة وسريعة ومظلمة. ولا يزيد عدد التي يعرف عنها انها بقطر يفوق الكيلومتر على مائتين من بين حوالي ألف. اما العدد المعروف عن حجم تانغوسكا فهو حوالي عشرة من بين حوالي نصف مليون تقريباً. وفي الوقت الحاضر لا يستخدم العلماء سوى ثلاثة تيلسكوبات فقط في كاليفورنيا وأريزونا واستراليا لتعقب تلك الكويكبات التي تعبر مجال الارض. وقد أدى القلق من هذه المسألة الى عقد عدد من الندوات العالمية من اجل اتخاد اجراءات اكثر فعالية. وهكذا اصدر الكونغرس الاميركي في الفترة الاخيرة تعليمات الى وكالة الفضاء الاميركية ناسا لكي تجد الطرق الكفيلة بتحري تلك الكويكبات والنيازك والشهب التي تمثل خطراً، ثم تضع الخطط والاستراتيجية اللازمة لتحويل اي واحد منها يمكن ان يضرب الارض او تدميره. وكانت النتيجة اقتراح "مشروع حراسة الفضاء" الذي يقضي بنشر ستة تيلسكوبات متوسطة الحجم في اماكن مختلفة من الارض لتعقب حركة تلك النيازك والكويكبات. وستبلغ كلفة هذا المشروع حوالي عشرة ملايين دولار في العام. ومن البرامج المكملة لهذا المشروع برنامج "لوس ألاموس" الذي يركز على وسائل تغيير مسار اي جرم فضائي يشكل خطراً علي الارض او تفتيته. وكان برنامج "لوس ألاموس" مهرجاناً تكنولوجياً رائعاً لدائرة حرب النجوم السابقة. واتضح ان افضل دفاع عملي هو الأسلحة النووية، اذ ان اكتشاف الكويكب أو النيزك في فترة مبكرة - اي قبل عام مثلاً من موعد الاصطدام - يعني ان في الوسع تحويل مساره بعيداً عن مسار الاصطدام بنسف او بتفجير جزء من سطحه ما يؤدي الى حدوث رد فعل نفثي. لكن المشكلة هي ان النسف او التفجير يمكن ان يؤدي الى اصطدامات عدة اذا نجم عنه حدوث انشطارات في الجرم نفسه. وكلما كانت مدة الانذار اقصر كانت صعوبة تحويل المسار اكبر. وفي هذا ما يعني ان مستقبل المدنية سيكون حالكاً اذا مل يكن لدينا سوى اسابيع لتغيير مسار احد تلك الاجرام الفضائية. وأياً تكن محاسن هذه الدفاعات او مساوئها فان افوائد العلمية التي ستترتب على اي مشروع يركز على الاجرام الفضائية كالنيازك والشهب والكويكبات والمذنبات ستكون عظيمة في رأيي. لكن هذا المشروع لن يكون فيه اي ضمان لعدم حدوث اي كوارث في المستقبل. ولكي نفهم السبب لا بد من النظر الى اصغر الاجرام الفضائية حجماً حتى وان كانت بحجم الحصى أو حبات الرمل - فهي التي تعطينا تلك النجوم التي تحترق لدى دخولها المجال الجوي للارض وتكون أشبه بالصواريخ. ثور الفضاء في ليلة صافية لا قمر فيها، وبعيداً عن اضواء المدينة وحين تعتاد العين على الظلام يمكننا ان نشاهد الصواريخ وهي تنطلق من كوكب الى آخر لتدخل المجال الجوي. هذه الصواريخ هي النجوم المنطلقة التي قد تعبر الفضاء خلال ثانية او اثنتين وتترك وراءها احياناً درباً مضيئاً. ويمكننا ان نشاهد عدداً منها كل ساعة. الا ان معدلها يمكن ان يرتفع كثيراً في بعض الاحيان ليصل الى اكثر من عشرة شهب كل دقيقة. وهذه الشهب لا تزيد في حجمها على حبات الرمل عادة هي تحترق على ارتفاع حوالي مائة كيلومتر. وحتى في حالات اكثر ندرة مرات قليلة في كل قرن من الزمن تملأ عاصفة من تلك الظواهر الطبيعية الفضاء كالثلج بينما يقذف الكثير منها كرات نارية وظلالاً متحركة حين تعبر الفضاء. ففي عام 1833 سقط اكثر من مائتي الف من هذه الاجرام فوق اميركا الشمالية في موجات سريعة متعاقبة خلال فترة تسع ساعات. وكان بعض الكرات النارية المضيئة ساطعاً مثل البدر كما ان الكثيرين من الناس استيقظوا بفضل الوميض الذي دخل غرف نومهم. وكان في الوسع في اي لحظة مشاهدة ما بين عشرة دروب وخمسة عشر درباً من الدخان في الوقت نفسه. وفي بعض الأحيان ايضاً تصل اجرام عدة الى مستوى سطح الارض وعندها توصف بأنها شهب. ومن المرجح ان حوالي خمسمائة منها تدخل المجال الارضي كل عام لكن الغالبية الساحقة منها تسقط في البحار. وفي متاحف العالم هذه الايام حوالي ألفي قطعة من هذه الشهب والنيازك معظمها من تركيب حجري او حديدي. وفي الكتابات القديمة التي تركها لنا سكان الشرق الادنى ما يشير بجلاء الى انهم كانوا على ادراك كامل بالطبيعة الفلكية لهذه الظواهر. كما ان المصريين القدماء سجلوا لنا على ورق البردى معلومات عن سقوط تلك الاجرام الفضائية. وقد عثر على عقد حديد هو عبارة عن خرز من قطع الشهب في احد الاهرامات المصرية الذي يعود تاريخه الى ثلاثة الاف عام قبل الميلاد. والواقع ان تلك الاجرام كانت بالنسبة الى كثير من الحضارات القديمة المصدر الوحيد للحديد. كما ان قدماء اليونان كانوا يقولون ان الآلهة زرعت جوف الارض بهذا المعدن المفيد. وحتى كلمة "سيديرا" اللاتينية ومعناها النجوم وكلمة "سيديروس" الاغريقية ومعناها الحديد مشتقتان من الاصل نفسه. وربما كانت الاجرام الحديد نتاجاً للاصطدام في حزام الكويكبات والنيازك الرئيسي الذي يقع بين المريخ والمشتري. اما الاجرام المبعثرة فهي في معظمها عبارة عن الانقاض التي تتفتت من النيازك التي "ماتت" منذ زمن طويل، بينما يحدث تساقط زخات تلك الاجرام حين تمر الارض عبر درب مسار النيازك النشطة. والنيازك نفسها كرات هشة من الجليد والغبار لكنها سرعان ما تتحلل وتتفكك حين تدخل نظام الكواكب الداخلي بسبب ضوء الشمس. ومن المرجح ان تكون غالبية الكويكبات والاجرام التي تعبر مجال الارض من بقايا النيازك والاجرام الخالية من الغازات، وقد لا تكون اكثر من كرات غبارية لا تكاد تقدر على حفظ تماسكها. كذلك كشفت الدراسات الاوروبية ان حوالي نصف الاجرام المبعثرة ليس مبعثراً في حقيقة الامر وانما ينتشر في رقعة عريضة من المادة المترابطة التي تشمل ايضاً النيزك المعروف باسم "إنكي"، وعشرين من الاجرام الفضائية التي يعرف عنها انها تعبر المجال الارضي ومجرات عدة اخرى مرتبطة بها تعرف باسم مجموعة "توريدس" اي الثورية نسبة الى الثور لأنها تنبثق من برج الثور. ومن المعروف ان الارض تمر في هذا المسار المعقد من الاجرام في شهر تشرين الثاني نوفمبر وفي اواخر شهر حزيران كل عام. وخلال المرور الاخير تقترب الاجرام من اتجاه الشمس فوق نصف الارض الذي تضيئه الشمس، اي خلال النهار. وهذه هي الطريق التي سلكها تانغوسكا وضرب الارض في الثلاثين من حزيران الماضي. ويكاد يكون في حكم المؤكد انه كان جزءاً من المجموعة الثورية. واذا اخذنا قطع الانقاض معاً واخذنا في حسابنا ايضاً المادة الضائعة ثم تعقبنا الى الوراء مسارات تلك الاجرام سيتضح لنا ان المجموعة بكاملها عبارة عن حطام وانقاض تحللت من نيزك عملاق دخل النظام الداخلي للكواكب ربما قبل حوالي عشرين الف نسة وظل يتحلل ويتفكك منذ ذلك الوقت وحتى اليوم. من المرجح ان قطره كان ما بين مائة واربعمائة كيلومتر. ومع بدء تآكل النيزك العملاق وانشطاره وتفتته الى قطع واجزاء اصغر، ونظراً الى ان فترات دورانه لا تزيد على 3.3 سنة فان قطعه واجزاءه كانت بلا شك ماثلة للعيان في عهد ما قبل التاريخ على شكل مجموعة من النيازك القصيرة العمر التي تأتي وتختفي في دورات وتظهر كزخات نيزكية سنوية بكثافة شديدة تملأ الفضاء بكرات نارية عند كل تشرين الثاني وعند الفجر والغسق في أواخر حزيران. وتكشف سجلات الصينيين والكوريين الخاصة بالكرات النارية، وهي سجلات متواصلة لأكثر من ألفي عام حدوث ذلك فعلاً. لكن الباعث على قدر اكبر من الاهتمام هو ان هذه السجلات تشير الى ان معدل تلك الكرات النارية كان يرتفع الى ذروة هائلة في فترتين: الاولى في القرن الاول قبل الميلاد والثاني في القرن الحادي عشر الميلادي. ويبدو ان المادة في المجموعة الثورية مترابطة كثيراً وان التطور البطيء للمدارات سيجعل الارض وتلك المادة تتقاطعان في مسارات مداريهما كل بضعة قرون. ولهذا فان الخطر الحقيقي للصدام بالنسبة الى البشرية في اقصر المسافات الزمنية قد لا يمكن في المصادمات التي تقاس بالكيلومتر في قياس زمني في مليون عام وانما في مجموعات الاجرام التي تقاس ازمانها بآلاف الاعوام. نيازك عملاقة وعصور جليدية لا شك في ان سلف المجموعة الثورية كان بمعايير النيازك العادية جرماً هائلاً جداً. لكنه ليس فريداً بين النيازك، اذ يمكن العثور على حواف نظام الكواكب على اجرام مماثلة مع ان العلماء لا يكادون يتحرون وجودها. وهي تعرف بصورة جماعية باسم "الظلمان" وخير نموذج لها هو "شيرون"، وهو جرم قطره 340 كيلومتراً يسير في مدار عشوائي لا يمكن التنبؤ به بين زحل وأورانوس سابع الكواكب السيارة. وليس مستبعداً ان يكون "شيرون" هو سلف المجموعة الثورية التي انطلقت منه قبل ان تدمر. وعلى رغم صعوبة الاكتشافات فان هناك الآن اكثر من ستة اجرام بقطر مائتي كيلومتر او اكثر تدور في مسارات على حواف النظام الشمسي. وهي على بعد عن الشمس يجعل من الصعب التعرف الى وجود اي حركة نيزكية عليها. الا ان مداراتها تجعلها بكل تأكيد نيازك عملاقة كما ان عددها لا بد ان يكون كبيراً. ومثل هذه الاجرام يمكن ان يصبح نيازك تعبر المجال الارضي في مدد زمنية قصيرة مثل مائة عام. وتدفق الغبار الدقيق اثناء عملية تفتت نيزك عملاق امر استثنائي، لكنه امر مذهل بكل معنى الكلمة. اذ ان هذا الغبار، اذا غطى الجزء العلوي من الغلاف الجوي الارضي لآلاف السنين، سيؤدي الى عصر جليدي وما يرافق ذلك من انقراض شبه شامل لمختلف انواع اصناف المجموعة الحيوانية والنباتية. ونحن نعرف أن سلف المجموعة الثورية كان في انشط حالاته خلال العصر الجليدي الاخير الذي انتهي قبل 11 ألف عام فقط. وقصارى القول ان التهديد الفضائي الذي نواجهه اعقد كثيراً واعمق كثيراً من الخطر الناجم عن اصطدام عابر بالارض لأحد النيازك الذي يبلغ قطره كيلومتراً. اذ ان مثل هذا الخصر ربما اتى من مجموعة كبيرة غير مرئية من الانقاض والحطام. او ربما كان على شكل نيزك عملاك يتربص على حواف نظام الكواكب انتظاراً لحدوث المزيج المناسب من الاضطرابات الجاذبية التي تؤثر في حركة مداره وتقذف به الى مدار قريب من الشمس لكي يبدأ عندها بالانشطار والتفكك والتحلل ولكي يلقي كوكبنا في خضم غياهب عصر جليدي جديد. وهكذا يبدو ان نيزك "شوميكر - ليفي 9" ظهر ليقول لنا ان نظام التحذير الذي نحتاج اليه يجب ان يكون فعالاً، مما يعني انه يجب الاهتمام بما هو ابعد كثيراً من مجرد بيئتنا المباشرة. * عالم فضائي بريطاني واستاذ محاضر في جامعة اكسفورد.