تكريم 6 جهات متقدمة في مؤشر نُضيء    الرياض مقرا لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    اختتام أعمال منتدى المدينة للاستثمار    النفط يتراجع بسبب مخاوف زيادة المعروض وارتفاع الدولار    نقاط الخلاف تعرقل الحل النهائي لوقف الحرب في غزة    السعودية تنظّم منتدى الرياض الدولي الإنساني فبرايل المقبل    لاجئو السودان يفرون للأسوأ    استبعاد صالح الشهري من المنتخب السعودي    القبض على شخص بمنطقة حائل لترويجه أقراصاً خاضعة لتنظيم التداول الطبي    أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    إصدار النسخة الأولى من السجل الوطني للتميز المدرسي    مشروعات علمية ل480 طالبا وطالبة    "كايسيد" يعزز من شراكاته الدولية في أوروبا    «مستشفى دلّه النخيل» يفوز بجائزة أفضل مركز للرعاية الصحية لأمراض القلب في السعودية 2024    كافي مخمل الشريك الأدبي يستضيف الإعلامي المهاب في الأمسية الأدبية بعنوان 'دور الإعلام بين المهنية والهواية    "الشركة السعودية للكهرباء توضح خطوات توثيق عداد الكهرباء عبر تطبيقها الإلكتروني"    د.المنجد: متوسط حالات "الإيدز" في المملكة 11 ألف حالة حتى نهاية عام 2023م    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ووزير الداخلية بالكويت يزور مركز العمليات الأمنية في الرياض    جامعة الدول العربية تعلن عن تجهيز 10 أطنان من الأدوية إلى فلسطين    فعاليات يوم اللغة العربية في إثراء تجذب 20 ألف زائر    «الحياة الفطرية» تطلق 66 كائناً فطرياً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    أمين عام رابطة العالم الإسلامي يلتقي بابا الفاتيكان    لا تكتسب بالزواج.. تعديلات جديدة في قانون الجنسية الكويتية    الدفعة الثانية من ضيوف برنامج خادم الحرمين يغادرون لمكة لأداء مناسك العمرة    رضا المستفيدين بالشرقية استمرار قياس أثر تجويد خدمات "المنافذ الحدودية"    تجمع القصيم الصحي يعلن تمديد عمل عيادات الأسنان في الفترة المسائية    بلسمي تُطلق حقبة جديدة من الرعاية الصحية الذكية في الرياض    وزارة الداخلية تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    وزارة الصحة توقّع مذكرات تفاهم مع "جلاكسو سميث كلاين" لتعزيز التعاون في الإمدادات الطبية والصحة العامة    أمانة جدة تضبط معمل مخبوزات وتصادر 1.9 طن من المواد الغذائية الفاسدة    نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    إن لم تكن معي    الطفلة اعتزاز حفظها الله    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    لمن القرن ال21.. أمريكا أم الصين؟    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    لمحات من حروب الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطب يستنجد به لحالات عدة . التنويم المغنطيسي هل هو حقيقة أم خيال ؟
نشر في الحياة يوم 11 - 04 - 1994

أقصي التنويم المغنطيسي عن مسارح المنوعات لكونه تسلية مريبة ومقلقة، ومسؤولية ذلك تقع على عاتق فرويد ولاكان، فالأول وقد بهره التنويم المغنطيسي خلال اقامته عند شاركو سنة 1889، راح يمارسه اثر عودته الى فيينا ليعود ويتخلّى عنه لاحقاً، أما الثاني فقد أصدر بحق التنويم المغنطيسي "حرماً" حقيقياً، وقد احترم المحللون النفسيون ما عدا بعض المنشقين وفي طليعتهم ليون شيرتوك الذي توفي منذ فترة وجيزة هذا الحرم، علماً انهم سيطروا طويلاً سيطرة مطلقة على طب الأمراض العقلية في فرنسا.
بعد انكفاء التنويم المغنطيسي ها هو حالياً يعود الى المسرح الطبي كأداة علاجية يستخدمها المحللون النفسيون وأطباء الصحة العامة والاطباء الاخصائيون وأطباء الأسنان، ويطالب الكثيرون من هؤلاء باعادة النظر في سر التنويم المغنطيسي على أساس انه ما زال لغزاً محيراً وظاهرة تعصى على كل تفسير، وهذا "الوضع المعد ّل للضمير" ليس رقاداً، فالرسوم التخطيطية للدماغ لا تكشف شيئاً يختلف عن تموجاته في حالة اليقظة… يصف الدكتور جان غودان وهو طبيب للأمراض العقلية وسيّد التنويم المغنطيسي الجديد في فرنسا هذه الظاهرة على الوجه التالي: "انها نوع من النشاط النفسي يتوصل فيه أحد الأشخاص بفضل تدخل شخص آخر الى الغاء الواقع المحيط به مع استمراره على صلة بالشخص الذي يصحبه، وهذا الفصل الذي يفترض تراخياً ما يظهر امكانات تأثير الروح على الجسد أو العمل النفسي على مستوى لاواعٍ". وفاعلية التنويم المغنطيسي الغريبة في معالجة الأوجاع المستعصية والرهاب ونوبات القلق الحادة، وقدرته على ان يكون هو بحد ذاته مخدراً موضعياً، يطرح أسئلة هي بمثابة تحديات لفهم النفسية البشرية، وللعلاقات بين الروح والجسد ولطبيعة تأثير كائن على كائن آخر.
دراسات أميركية
لماذا؟ انه سر. كيف؟ انه سر آخر… ويبدو اللغز أكثر غموضاً بحيث ان مؤسسات البحث الغربية الكبرى لم تقم حتى الآن بدراسة هذه الظواهر "الغامضة التي لا مفر منها" والتعبير هو لليون شيرتوك طبيب الأمراض العقلية الذي توفي في الصيف الماضي والذي كان يقوم بعزف منفرد منذ سنة 1950 ويجهد نفسه للاعتراف بالتنويم المغنطيسي في الأوساط الطبية ولانتشاله من لجة النسيان.
ان ما نقع عليه في المنشورات الوفيرة المخصصة للتنويم المغنطيسي لا يتعدى في معظمه تقديم النتائج المذهلة والمعزولة وتقارير لأشخاص خضعوا للتنويم ونظريات مشوشة وتكهنات مجانية.
والدراسات الأميركية عن هذا الموضوع هي بدورها غير مرضية، ومع ان حكومة الولايات المتحدة قد أنفقت كثيراً من المال لتشجيع حوالي 20 مختبراً في ابحاثها عن التنويم المغنطيسي الذي يدرَّس في جامعات عدة والذي يستخدم بصورة لا تخلو من الانحراف أحياناً في المسائل الجنائية… وقد قام بمعظم الدراسات الأميركية أطباء الأمراض العقلية وعلماء النفس وعلماء الاجتماع، ولم يقم بها رجال لهم مناهج علمية دقيقة وصارمة.
في فرنسا تتهيأ حالياً ثورة صغيرة، فالمركز الوطني للأبحاث العلمية بتحريض من مديره البروفسور فرنسوا كوريلسكي يحضر لمؤتمر دولي في كانون الأول ديسمبر المقبل حول التنويم المغنطيسي وكل ما له علاقة به، وسيدعى الى هذا المؤتمر حوالي 60 باحثاً وطبيباً بينهم اخصائيون في العلوم العصبية وفي علم الأحياء وممارسون للتنويم المغنطيسي. والهدف من المؤتمر تمهيد الطريق بطريقة ما، وتوجيه برامج الأبحاث على أمل التوصل يوماً الى فهم آلية هذه الحالة الغامضة التي يحدثها كائن على كائن آخر والتي تستطيع ان تحمل شفاء لحالات مرضية وتعديلاً للظواهر الفيزيولوجية التي لا تخضع عادة للمراقبات الطوعية. وهكذا فإن الايحاء التنويمي يمكنه خلال عملية التنويم ان يخفف من تواتر نبضات القلب، وان يخفض الضغط الدموي نقطتين ويستطيع التنويم ان يتحول تخديراً موضعياً وان يوقف النزف خلال اقتلاع احدى الأضراس أو خلال جراحة بسيطة، كما يستطيع ان يعجل في التئام الجرح…
يقول جان بول تاسان اخصائي علم الأحياء العصبي، مدير الأبحاث في مختبر البروفسور غلووينسكي، ونابغة علم الأدوية العصبية في الكوليج دي فرانس: "سيكون ذلك صعباً جداً، ولكن مع تطور العلوم العصبية، ليس من المستبعد ان نتصور التوصل الى فهم ذلك، شرط ان يقبل رجال العلم القفز فوق عناصر تلطخ حتى الآن هذه الظواهر في رأيهم بغيمة كبريتية". ثم يضيف قائلاً: "وانا من رجال العلم هؤلاء".
الكتب تتضاعف ولكن…
وفي انتظار الأدلة الحاسمة الذي قد يطول، تتضاعف معاهد التدريب على التنويم المغنطيسي وتصدر الكتب الجديدة بوفرة. وبعد ان ضاق قسم العلاج الطبي بالتنويم في مؤسسة لاروشفوكو بالمرضى، راح يوجههم نحو عيادات استشفائية كالسالبيتريير مثلاً في قسم البروفسور ويلد لوشر. وفي المركز الاستشفائي الجامعي في كاين يقدم البروفسور ادوار زريغيان قاعة المحاضرات في قسم الأمراض العقلية التابع لمعهد ميلتون اريكسون في النورماندي لتعليم طريقة جديدة في التنويم المغنطيسي تعرف بالطريقة الاريكسونية وهي في طريقها الى التفوق على الطريقة التقليدية… والتنويم المغنطيسي يغزو المستشفيات العسكرية في ليون وشيربور ولوريان قبل ان يصبح مقبولاً في مستشفيات اخرى بدعم من البروفسور كلود باروا من فال دي غراس المستشار الوطني للأمراض العقلية…
منذ أشهر نظمت مختبرات دي لاغرانج مناظرة في مدرج باريسي يتسع لسبعمئة شخص، وقد تعذر على 200 شخص الدخول بسبب الازدحام، ويتزاحم الناس على الندوات الشهرية التي تعقد في مركز علوم الانسان تحت عنوان "مقاربات حول التنويم المغنطيسي". وفي جامعة ناننتير باريس 10 عقد مؤتمر دولي بتشجيع من جان ميشال بينو بروفيسور علم النفس السريري. وهي المرة الأولى تنفتح فيها جامعة فرنسية على التنويم المغنطيسي الطبي في فرنسا مع شاركو في السالبتريير وبيرنهايم في نانسي…
ولئن كان العلماء لا يزالون عاجزين عن شرح ظاهرة التنويم المغنطيسي فعلى الأقل يمكن استخلاص بعض النتائج الواقعية وهي نتائج مقلقة تتعلق بمجالين: التنويم ضد الألم، والتنويم في خدمة علم النفس.
ان أعمال البروفسور جان كلود ويللر رئيس المختبر في مستشفى السالبتريير لم تنتشر بعد، ومع انها لا تقدم تفسيراً لسر التنويم المغنطيسي فهي للمرة الأولى تقدم دليلاً، فظاهرة التنويم - أو أحد مظاهره على الأقل - ليست نفسية فقط، بل هي قابلة لأن تكون موضوعية وقابلة للقياس في المختبر وهي ذات طابع بيولوجي عصبي.
الأمر يتعلق بالألم، أو بصورة أدق، بالتخدير الناتج من التنويم المغنطيسي والدراسة التي شملت حوالي ثلاثين شخصاً على امتداد سنوات عدة، قد تم وضعها بمساعدة باحث آخر هو ديدييه ميشو عالم الاجتماع، ومؤسس المعهد الفرنسي للتنويم المغنطيسي… كان ميشو ينتخب من بين التلامذة المتطوعين أشخاصاً قابلين للتأثر بالتنويم المغنطيسي وكان يدربهم تحت وطأة التنويم على تخدير احدى الرجلين، وبعد جلسات تدريب عدة كان يقودهم الى المختبر الجامعي حيث كان ويللر يركز على تلك الرجل قطبين كهربائيين وآلات للتسجيل.
انها تجربة كلاسيكية فقوة التيار الكهربائي على شخص في حالة اليقظة تولد ارتكاساً مؤلماً ورداً فيزيولوجياً كهربائياً والرسائل العصبية التي تترجم الألم يمكن رؤيتها على الرسم التخطيطي. وقد أظهرت الرسوم التخطيطية للتلامذة الذين أخضعوا للتخدير بواسطة التنويم المغنطيسي ان الارتكاسات ملطَّفة لا بل هي غائبة تماماً.
والنتيجة التي استخلصها ويللر هي التالية: "ان الايحاء بالتخدير المغنطيسي يؤثر على العلبة السوداء التي هي الدماغ وعلى بنى توقف اشارات الألم العصبية. ولكن ما هي هذه البنى بالضبط وما هي أنظمتها المعقدة؟ لا أعرف شيئاً عن ذلك، وأترك لغيري ان يكتشفوا الأمر".
لمعرفة الحد الذي يستطيع التخدير الناتج عن التنويم المغنطيسي ان يبلغه، لا بد من رؤية أشرطة الفيديو التي تعرض خلال جلسات التعليم ولا بد من سماع شهادة امرأة شابة في السادسة والعشرين من العمر تدعى كاترين بورهيس لتصديق ذلك. وكاترين هي في عداد المتطوعين الذين يخضعون لتجارب التنويم المغنطيسي في معهد ايريس الذي لا يقبل الا الأطباء وأطباء الأسنان. منذ فترة وجيزة طلبت ان يتم تحضيرها لاقتلاع احدى أضراسها. فما هي الكلمات وما هي الحركات البسيطة التي استخدمها ايمانويل بيار سيرفييه وهو عالم اجتماع وشريك طبيب الأسنان جان كلود مارجو في تأسيس معهد ايريس؟ ان كتابة ذلك تستغرق وقتاً أطول من الوقت الذي اقتضاه لانجاز تلك "العملية". وبعد يومين جلست كاترين فوق كرسي في عيادة طبيب الأسنان ريشار لوسفيلد المدرَّب على التنويم المغنطيسي فراح يكرر الكلمات والحركات من دون ان يستخدم إبرة التخدير. وها هي كاترين تروي وقائع ما حصل: "انني أسمع كل الأصوات وأحس بالثاقب يحفر حول الجذر وبالكلاَّبة تقتلع الضرس من دون ان أشعر بأي ألم لا خلال عملية الاقتلاع ولا في الساعات أو الأيام التي تلت ذلك".
ان تخديراً مطلقاً شبيهاً بما حصل لكاترين لا يمكن بلوغه الا بعد جلسات تحضير عدة لشخص لا عهد له بالتنويم المغنطيسي من قبل. ويمكن القول ان الأمر ممكن بالنسبة الى جميع الناس… ثمة حالة قصوى اقتضت 15 جلسة تحضير لامرأة تدعى سيمون ب. كانت في البداية مقاومة للتنويم المغنطيسي، وفي النهاية خضعت لثلاث جلسات استغرقت كل منها ساعتين من دون ان تشعر بأي ألم بعد اجراء جراحة تناولت الفك بأسره. وتجدر الاشارة الى ان السيدة ب. كانت تعاني من حساسية ازاء مواد التخدير جميعاً.
حتى الآن يقتصر الأمر على الآلام الحادة، اما الآلام المزمنة فهي موضوع آخر لأن النتائج كانت محبطة للأطباء. احد المرضى خضع للفحص بواسطة مجموعة كاملة من المعدات الطبية الأكثر تطوراً دون جدوى اذ لم تكشف تلك المعدات عن أي سبب للألم ولم يكن للمسكنات أي تأثير عليه فاستخلص الطبيب ان الأمر يتعلق بالنفس والجسد أو بتعبير آخر انه في عقل المريض.
حكاية فريدة
الدكتور م. د لم يشأ الافصاح عن اسمه كاملاً هو طبيب الأمراض العقلية في مستشفى لاريبواز بير حيث يحولون اليه مرضى من الفئة المشار اليها سابقاً. وهذا الطبيب تدرب على التنويم المغنطيسي الذي يعتبره مقاربة ممكنة لبعض المرضى وهو لا يتلفظ بكلمة تنويم مغنطيسي لكنه يكتفي بالسؤال: "هل ترغبون في القيام ببعض التمارين التي قد تساعدكم؟".
يبدأ الطبيب بمحادثة طويلة أو اكثر وعلى سبيل المثال كان رجل يعاني من قطان لومباغو مزمن استعصى على كل علاج وقد أجاب عن سؤال حول طبيعة الأوجاع التي يشعر بها قائلاً: انها شديدة ودائمة. وعندما قال له الطبيب: انت تجلس قبالتي منذ ربع ساعة، فهل تشعر بألم شديد؟ فأجاب الرجل مدهوشاً: ليس حالياً… ويكمل الطبيب: اذن هنالك لحظات يكون فيها الألم أقل حدة وعنفاً… ثم يسأله بعد ذلك: ماذا يحب أن يعمل؟ ما هي اهتماماته وهواياته؟ فيجيب المريض: صيد السمك، الاجتماعات العائلية مع الأحفاد الصغار، واخيراً يعترف بأنه يكاد لا يشعر بالألم الآن.
وبعد ذلك يصل الى عملية التنويم المغنطيسي من دون ان يسميها وبواسطة الصوت فقط… صوت لطيف مهدئ… فتلفّظ بعبارات بطيئة تقطعها فترات من الصمت: "عندما يكون كل شيء هادئاً لطيفاً مريحاً هل يستطيع ذهنك ان يستعيد أو ان يعيش من جديد لحظة سعيدة من لحظات حياتك… لا أعرف ما هي بالضبط؟" فيجيب الرجل: "أنا في حفلة زفاف ابنتي" ويتابع الصوت: "احياناً قد تطرأ على جسدنا تغييرات لا نعتقد انه قادر على احداثها… لا أعرف أين يقع ذلك. في اليد أو في الكتف… وقد يكون ذلك إحساساً بالطراوة"، فيقول الرجل: "أشعر بتنمُّل في رقبتي".
بعد مضي سنوات عدة لا يزال الدكتور م. د مدهوشاً من النجاحات التي حققها أغلب الأحيان وليس دائماً.
في بريستول انكلترا أخضع فريق الدكتور ب. ج ورويل اخصائي المعدة والامعاء ثلاثة وثلاثين مصاباً بالتهاب القولون التشنجي المزمن للعلاج بواسطة التنويم المغنطيسي وكانت النتيجة على الوجه التالي: عشرون مصاباً تحسنت حالتهم مع اختفاء تام للأعراض لدى 11 مصاباً منهم وذلك دون اللجوء الى أي علاج بالأدوية أو العقاقير.
ثمة فريق انكليزي آخر قسم 30 مصاباً بالقرحة العفجية التي تعاود المريض، عشوائياً الى مجموعتين: المجموعة الأولى عولجت بالتنويم المغنطيسي لمدة عشرة أسابيع، أما المجموعة الثانية فقد تابعت علاجها الطبي المعتاد والنتيجة بعد انقضاء سنة أن 100 في المئة من المجموعة الثانية اصيبوا بانتكاسة، بينما بلغت نسبة الانتكاسة لدى الذين عولجوا بالتنويم المغنطيسي 53 في المئة فقط.
معالجة السرطان
كان الدكتور دافيد سبييغل من ستاتفورد في الولايات المتحدة في البداية مرتاحاً للغاية وكان يشعر بالصدمة بازاء دورات العلاج بالتنويم المغنطيسي التي كانت تقام في كاليفورنيا للمصابين بالسرطان في أطواره الأخيرة بكلفة ثلاثة آلاف دولار لخمسة أيام. وقد قام مع فريقه بتجربة كان يعتقد انها محكومة بالفشل. فقد قسم 86 مريضة بسرطان الثدي المتنقل الى مجموعتين. واضافة الى العلاج التقليدي خضعت خمسون مريضة لجلسات العلاج بالتنويم المغنطيسي الجماعي. والنتيجة في آخر السنة ان نسبة الألم واضطرابات المزاج وردود فعل الخوف في المجموعة التي أخضعت لهذه الجلسات كانت أقل مرتين مما هي عليه لدى النساء في المجموعة الثانية.
وقد أظهر تحليل استعادي جرى بعد ذلك بعشر سنوات ان بين المتوفيات 83 من أصل 86 عاشت المريضات في مجموعة العلاج بالتنويم المغنطيسي 18 شهراً كمعدَّل وسطي أكثر من الأخريات. وقد أثارت هذه الدراسة تعليقات شتى فالدكتور سبييغل الذي أذهلته هذه النتائج يشدد على ان العلاج بالتنويم المغنطيسي قد يكون له تأثير ابتدائي على الانهيار العصبي مفسحاً في المجال أمام المريضات لاتباع العلاجات الطبية وفقاً لما هو مرسوم، بيد انه لا يستبعد تأثيراً مباشراً محتملاً على نظام المناعة المكتسبة.
وهذا هو بالضبط موقف الدكتور جاك كيليه طبيب الشرف في معهد البوليتكنيك في فرنسا الذي تعهَّد بهذه الطريقة بعض المصابين بالسرطان. "ان العلاج بالتنويم المغنطيسي لا يشفي من السرطان الا انه يحمل صفاء ذهنياً يولد احتمالاً للألم أفضل، وقابلية فضلى لرد الفعل إزاء بعض العلاجات، ونوعية فضلى للمرحلة المتبقية للعيش" وهنا نتبين ان العلاج بالتنويم المغنطيسي لا يؤثر فقط على الجسد بل على الذهن.
في عيادة الدكتور دومينيك ميغليه في المستشفى البحري في مدينة شيربور الفرنسية يتمدّد أريك وهو مظلي شاب فوق مقعد مريح تحت وطأة التنويم المغنطيسي… فمنذ شهر وهذا المظلي فريسة كابوس يدفعه الى الصراخ عندما يستعيد القفزة التي خيل اليه انه سيواجه الموت بعدها وقد التفّ حزام المظلة حول عنقه لقد كان مجرّد رؤية احدى الطائرات يسمّره من الخوف… ويصل اليه صوت الدكتور ميغليه: "ربما استطاعت بنصرك ان تؤمئ اليّ عندما تشعر بضغط المدرب على كتفيك أو عندما تشعر بأن الفراغ يبتلعك حركة من البنصر هل تستطيع ان توقف هبوطك كما لو كنت تريد ان تُلتقط لك صورة؟" نعم تمتم المظلي… ويتابع الدكتور: "انت جامد… كل شيء هادئ وصامت… ماذا ترى تحتك؟" اجاب المظلي بصوت مخنوق: "ارى حقولاً… غابة" وبعد قليل يقول طبيب الامراض العقلية: "والآن قد تكون قادراً على رؤية هبوطك من بعيد كما لو كان يجري على شاشة قبالتك".
لقد تمت عملية الانفصال ويعترف اريك بكلمات مبهمة: "انه يرى نفسه على الحائط الذي لم يعد قائماً، يهبط مرة تلو مرة، يتوقف ثم يصعد في الاجواء" تلك كانت جلسته الثالثة… ولم يكن بحاجة الى جلسات اخرى… وبعد ثمانية ايام كان المظلي اريك يعاود تمارينه السابقة…
وهكذا فان الشفاء بواسطة التنويم المغنطيسي يمكن ان يتم بصورة اسرع… احد الزملاء وهو مصوّر صحافي يدعى جيل هيمار يطوف العالم من اقصاه الى اقصاه في خدمة شركة التلفزيون الفرنسية القناة الاولى لم يطلع احداً على انه منذ بضع سنوات بدأ يتملكه هلع شديد من الطائرة ومن المصاعد ومن الاماكن المغلقة، ولذا كان يفرط في تناول الحبوب المنوّمة كلما همّ بركوب الطائرة. ذات يوم قدّم نفسه كموضوع دراسة الى فريق عمل يعنى بالتنويم المغنطيسي وفي ذلك يقول: "لا اتذكر انني تحدثت عن مشكلتي كما انني لا اتذكر ما جرى لي فعلاً خلال الجلسة". وقد اقتضاه بضعة اشهر ليستوعب انه عاد طبيعياً وان شفاءه من الهلع يتفق مع التاريخ الذي اخضع فيه للتنويم المغنطيسي.
ان الرعدة الناتجة من التنويم تجعل الانسان يعيش سلفاً مواجهة موقف يثير الخوف، هذه طريقة تقليدية تستخدم في العلاج بواسطة التنويم المغنطيسي، وهذا ما قام به الدكتور ادوار كوللو المسؤول عن عيادة العلاج بالتنويم في معهد لاروشفوكو الفرنسي مع مرشحين عدة لدخول الكونسرفاتوار بغية تخليصهم من التوتر والضغط النفسي، وهذا ما قام به ايضاً شارل جوسلين الامين العام لمعهد اريكسون عندما حضّر طالبة مذعورة من اقتراب الامتحانات الشفوية لشهادة الاستاذية فنجحت بتفوق اذ تسنى لها بواسطة التنويم ان تزيل قلقها وان تبدد مخاوفها.
ذات سبت اجتمع في قاعة دوموس ميديكا في باريس حوالي عشرين شخصاً بينهم اطباء صحة عامة واخصائيون واطباء امراض عقلية في دورة تدريبية على التنويم المغنطيسي. وقد قال الدكتور بيار اخصائي المعدة والامعاء: "ان اصابات القولون المزمنة التي لا يمكن شفاء الاوجاع الناتجة منها، والاصابات بالقرحة التي تعاود المرضى باستمرار تثير الاحباط، وهي ليست في الواقع سوى تعبير بواسطة الجسد عن الضغط النفسي والانزعاج". وقال هنري وهو طبيب صحة عامة: "على الاقل هنالك نسبة 50 في المئة من مرضانا مصابون بأمراض جسدية - نفسية، فاذا نصحتهم باستشارة طبيب للامراض العقلية رفضت غالبيتهم العمل بالنصيحة، اما التنويم المغنطيسي فانه يثير الاهتمام ويغري ولا ينظر اليه كما لو كان معالجة لمرض عقلي".
يعتقد البعض ان التنويم المغنطيسي يستطيع ان يخفف معظم الاضطرابات الناتجة من امراض القلب وارتفاع الضغط والربو والامراض الجلدية وامراض الجهاز الهضمي وانقطاع الطمث العادة الشهرية وسلس البول التبوّل في السرير بعد تجاوز مرحلة الطفولة والشلل والعمى واختفاء الصوت وفقدان الذاكرة الهستيري. طبعاً لا ينجح التنويم المغنطيسي في معالجة كل هذه الحالات ولا يمكن الجزم بنجاحاته الدائمة فنحن نصطدم بالمشكلة المشتركة لكل انواع العلاج بالطريقة النفسية اذ يتم تسليط الاضواء على النجاحات المعزولة والتعتيم على المحاولات الفاشلة.
"عندما تخرج من حالة التنويم المغنطيسي لا يعود في وسعك ان تطيق السيجارة" انه عرض من العروض المثيرة لمرحلة ما بعد التنويم بالايحاء فوق احد مسارح المنوعات يدلّ على مدى ما يصل اليه العامل العقلي… يُطلب من احد الاشخاص بعد صحوته من التنويم ان يشعل سيجارة فيرى المشاهدون هذا الشخص وقد اخذته نوبة من السعال او مبدياً علامة القرف… الا ان المنوّم فرانك سيكس يعترف "بأن ذلك لا يستمر اكثر من ساعات او اكثر من ايام كحد اقصى".
ان الاطباء وعلماء النفس الذين يمارسون التنويم المغنطيسي لا يجازفون الا نادراً بمعالجة المدمنين على الكحول لأن النجاح نادر في هذه الحالات. منذ فترة وجيزة ظن الدكتور كوللو انه نجح في معالجة امرأة شابة مدمنة على الكحول، فقد اتصلت به بعد انقضاء خمسة عشر يوماً على جلسة التنويم الوحيدة التي خضعت لها وقالت: "لم أعد اشرب" وطلبت منه ان يحدد لها موعداً… وقد تبين له بعد لقائها انها كانت تشكو من اضطراب في النطق واعترفت بأنها اصبحت باردة جنسياً.
هذه الحالة يمكن اعتبارها حالة نموذجية… يقول طبيب الامراض العقلية م. د: "انت تشفي شخصاً من ألم مزمن، ليعود هذا الألم ويستقر في موضع آخر من الجسم" ان الالم المزمن كأي ظاهرة جسدية - نفسية هو تعبير عن معاناة نفسية او عن اكتئاب، او قلق لا يريد ان يفصح عن نفسه… وهو في الوقت ذاته دعوة ونداء". ويضيف م. د قائلاً: "ان شفاء ظاهرة لا يكفي فالعلاج بالتنويم المغنطيسي ليس سوى بداية عمل في العمق مع المريض" ترى هل التنويم المغنطيسي هو الطريق الملكي أم هو طريق بين طرق عدة للتعبير عن سلطة الروح الخفية على الجسد؟ ان الايحاء الذي يُنقل الى المريض: "هذا سيشفيك" وانتظار المريض واذعانه للوعد بالشفاء، كل ذلك له قدرة خارقة تتجاوز الاضطرابات الجسدية - النفسية.
قبل الحرب العالمية الثانية كان البروفسور بيار مولاريه يخصّص يوماً في الاسبوع لمعالجة الثآليل في مستشفى السالبيتريير الفرنسي. كان يضع يده على الثؤلول ويحدّق اليه ملياً على امتداد 15 ثانية ثم يقول للمريض: "حدّق اليه خمس دقائق كل صباح على غرار ما فعلت وبعد اسبوعين لن يبقى منه اثر". وفي اليوم المحدد كان الثؤلول يختفي بصورة عامة، علماً ان الثآليل مردها الى فيروسات… وفي نهاية العلاج كانت الممرضة تعلّق لافتة على الباب كتب فوقها: "لم يعد لدى البروفسور تأثير سحري هذا الصباح".
حديث قديم
من المستحيل نسيان حديث قديم جداً روى خلاله الدكتور جاك مونييه الذي كان يومذاك رئيساً لاتحاد النقابات الطبية الفرنسية ما يلي: "عندما كنت طبيباً شاباً كان بين زملائي اخصائي في امراض الجلد طارت له شهرة واسعة بسبب النجاحات التي حققها في معالجة الحكاك المزمن وفي معالجة امراض جلدية اخرى. كان يعالج المرضى بواسطة مقادير ضئيلة من الاشعة السينية، وكنت احوّل اليه المرضى فيشفيهم بسرعة مذهلة بنسبة 90 في المئة. ذات يوم كنت اتحدث عن هذا الامر مع مجموعة من اطباء الجلد الباريسيين فقالوا لي: "اننا على علم بالأمر، وقد حاولنا ذلك مراراً ولكن دون جدوى… انه علاج بالايحاء". ويضيف جاك مونييه قائلاً: "وتابعت تحويل مرضاي الى هذا الزميل، الا انه بعد هذا التاريخ لم يعد يشفي سوى واحد من اصل اربعة، والسبب في ذلك يعود الى انني لاشعورياً لم يعد لديّ الاعتقاد الراسخ ذاته في نقل هذه الرسالة اليهم "انه سيشفيكم".
ان قدرة التأثير النفسي تتخطى كل ما يمكن ان نتخيله… ان الدواء - كما نعلم - لا يتم تسويقه الا اذا اثبتت التجارب انه اكثر فاعلية من دواء قيد الاختبار الا ان ست دراسات اجريت اخيراً في الولايات المتحدة قارنت بين تأثير مقدار متعارف عليه من المورفين على الآلام التي تلي الجراحة وتأثر الحقن بدواء قيد الاختبار، وقد تبين ان الدواء قيد الاختبار يسكن الآلام قياساً الى المورفين بنسبة 65 في المئة.
وهذا ما دفع فريدريك ايفانز الذي كتب مقالاً تحليلياً عن هذه الدراسات الى التعليق قائلاً: "عندما تصف دواء قيد الاختبار لا يعني ابداً انك تصف لا شيء، فالدواء قيد الاختبار يجب ان يعتبر عاملاً علاجياً حقيقياً بحدّ ذاته، كما ان تأثيراته تستحق وحدها ان تكون موضوعاً للدراسة".
وعلى افتراض ان آلية التنويم المغنطيسي شبيهة بآلية دواء قيد الاختبار، فان تأثيره بالتالي لا يمكن اعتباره بمثابة لا شيء… وكلا الامرين ما زال حتى الآن يفتقر الى الشرح… كيف يتم ذلك؟ لا اعرف، وهذا ما يردده كل من يمارس التنويم المغنطيسي..
سؤالان من دون جواب
في مواجهة التنويم المغنطيسي ثمة سؤالان ما زالا من دون جواب: ما هي طبيعة تغيير حالة الضمير التي هي ليست رقاداً؟ ما هو الطريق الذي يسلكه تأثير العقل على عقل آخر او عقل الشخص على جهازه العضوي؟
هل يمكننا ان نتوصل ذات يوم الى ان نترجم بعبارات بيولوجية عصبية قوة الايحاء؟ يقول المحلل النفسي الفرنسي اوكتاف ماثوني: "ان قصة التنويم المغنطيسي تشبه قصة المغنطيس، فلفترة طويلة كنا نعرف خصائص المغنطيس دون ان نعرف شيئاً عن كنهه، وكان في وسعنا ان نبين تلك الخصائص في المعارض - على غرار ما يجري للتنويم المغنطيسي - ولكن السر بقي سراً… حالياً تحقق الكهربائية المغنطيسية انتصارات باهرة بعدما اكتسحت الفيزياء… فهل ينتظر التنويم المغنطيسي مصير مشابه؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.