عقب موافقة مجلس النواب الاردني على معاهدة السلام الاردنية - الاسرائيلية بغالبية 55 صوتاً في مقابل معارضة 23 نائباً وامتناع نائب عن التصويت رئيس المجلس وغياب آخر طاهر المصري، علق نائب إسلامي ساخراً بأن الأمل الوحيد المتبقي هو ان يرفض مجلس الاعيان المعاهدة. وكان من الطبيعي ان تروج هذه النكتة لأن موافقة مجلس الاعيان على المعاهدة من قبيل "تحصيل الحاصل" ذلك انه يتكون من 40 عضواً منتخباً، وبالتالي يمكن القول ان معاهدة السلام اقرت بالفعل يوم التوقيع عليها في وادي عربة اذ كانت موافقة الغالبية النيابية مضمونة منذ تلك اللحظة. وما زاد في فرص حصول المعاهدة على غالبية تزيد عن ثلثي اعضاء مجلس النواب 68.75 في المئة الموقف المتشدد الذي ابداه الملك حسين امام مجلس النواب نفسه قبل اسبوع فقط من مناقشته المعاهدة ما حال دون أي زيادة في عدد معارضيها داخل المجلس. وبدا ذلك واضحاً بنتيجة التصويت اذ لم يعارض المعاهدة سوى نواب حزب "جبهة العمل الاسلامي" 17 نائباً اضافة الى بسام حدادين جبهة ديموقراطية وخليل حدادين البعث العراقي ومصطفى شنيكات شيوعي وتوجان فيصل مستقلة وصالح شعواطة فتح وطلال عبيدات. الا ان عبيدات شكل المفاجأة الوحيدة تحت قبة البرلمان، فهو عميد متقاعد في الجيش الاردني واحد اقرباء رئيس الوزراء السابق احمد عبيدات، ولم يكن متوقعاً انضمامه الى معارضة المعاهدة قبل يوم واحد من مناقشتها اذ طلب اثناء الجلسة من النائب الاسلامي عبد الرحيم عكور ان يتحدث باسمه ايضاً ويعلن معارضته المعاهدة. ولعل المفاجأة الاكثر وقعاً هي ان معارضة النائب عبيدات بدت كمؤشر الى موقف السيد احمد عبيدات رئيس الوزراء السابق وعضو مجلس الاعيان حالياً الذي لم يحضر جلسة المجلس التي احال فيها المعاهدة الى احدى لجانه لدرسها. ويبدو موقف احمد عبيدات محيراً، فهو رئيس اللجنة الملكية التي وضعت الميثاق الوطني عام 1991 الذي اعلن التوجه نحو المشاركة في مؤتمر مدريد، وهو مدير المخابرات ووزير الداخلية قبل ان يصبح رئيساً للوزراء عام 1984 لمدة عام وشهر تقريباً. وعلى رغم شعبيته الكبيرة قياساً الى جميع رؤساء الحكومات الاردنية المعاصرين، الا ان احمد عبيدات لا يمثل توجهاً سياسياً محدداً كما انه لم يسع الى تأسيس حزب سياسي. من جانبها سلكت الحكومة توجهاً غير مألوف عندما نشرت مئات الجنود ورجال الامن في دائرة قطرها كيلومتران وضربت طوقاً امنياً حول مجلس الامة صبيحة يوم مناقشة البرلمان المعاهدة واغلقت الطرق المؤدية الى المجلس امام حركة السير، الامر الذي استدعى احتجاج المعارضة، وردت الحكومة على لسان رئيسها عبد السلام المجالي بأن "معلومات" وردت الى الاجهزة الامنية التي "اجتهدت" باتخاذ هذا الاجراء. ورفعت الاجراءات الامنية بعد ساعتين من فرضها. وفي معرض رده على 53 نائباً ناقشوا معاهدة السلام معارضين ومؤيدين، لم يأت المجالي بجديد سوى اعترافه بأنه لا بد ان يعطي الناس فرصة للتفكير في ما حدث: "ان قرار صنع السلام ليس امراً هيناً فهو يمثل تحولاً كبيراً والناس لا بد ان يحتاجوا لبعض الوقت ليستوعبوا ما جرى...". ويبدو ان هذه النقطة بالذات كانت وما زالت محور ردود الفعل ازاء المعاهدة، حتى بين اكثرية مؤيديها من نواب ومواطنين. ففي الوقت الذي كانت تحشد فيه الحكومة كل طاقاتها لضمان تأييد شعبي واسع للمعاهدة، كان السؤال المطروح يتركز على معنى المعاهدة: هل هي مصالحة ام علاقات محبة؟ لقد أثبت الرأي العام الاردني عبر ممثليه في البرلمان بشكل خاص انه في غالبيته مع السلام ومؤيد للمعاهدة، لكن حاجزاً نفسياً ما زال يفصله عن اسرائيل. وعلى العموم فإن معاهدة السلام الاردنية - الاسرائيلية دخلت حيز التنفيذ، وظهر مع بداية تنفيذها سؤال جديد عن كيفية ادارة العلاقات الثنائية بين البلدين، خصوصاً على المستوى الشعبي التطبيع والذي اجاب عليه مصدر حكومي اردني بأن القياس غير وارد مع التجربة المصرية، فالاردن ليس مصر والمعاهدة ليست كامب دايفيد.