منذ توقيع اتفاق واشنطن في تموز يوليو الماضي سعى الأردن الى تقسيط التقدم وتصعيده وهو بلغ ذروته في 17 تشرين الاول اكتوبر بالتوقيع بالأحرف الاولى على معاهدة السلام الاولى منذ انعقاد مؤتمر مدريد والثانية بين دولة عربية واسرائيل بعد المعاهدة التي وقّعتها مصر في 1979. وكانت زيارة اسحق رابين رئيس الوزراء الاسرائيلي في 16 تشرين الاول اكتوبر مفاجئة لأنها كانت الثانية للعاصمة الأردنية خلال اسبوع، اما المفاجأة الثانية فهي الليلة الاولى التي ينام فيها في عمان والتي أفضت ظهر اليوم التالي الى توقيع المعاهدة بالاحرف الاولى. والسؤال الذي طرحته المعاهدة عقب التوقيع عليها هو: لماذا التعجيل في اعلان الاتفاقية والتوقيع عليها بين الأردن واسرائيل. يقول ديبلوماسي غربي في عمان انه لم يفاجأ بموقف اسرائيل تجاه الأردن. وأشار الى قول العاهل الأردني: "حصلنا على حقنا بالكامل… الارض كانت تابعة للأردن منذ تأسيسه وهي حدودنا مع فلسطين سابقاً مع بعض التعديلات الطفيفة المتقابلة". وكان الديبلوماسي الغربي يشير الى اسباب اسرائيلية أسهمت في التعجيل بتوقيع الاتفاق. وفي استطلاع مع المواطنين أجراه التلفزيون الأردني عقب توقيع المعاهدة اعتبر "رجل الشارع" الأردني ان السلام يعادل تحسين الاوضاع الاقتصادية اذ ان المواطن الأردني يعاني اوضاعاً اقتصادية صعبة. وقد علّق المواطنون الأردنيون آمالاً كبيرة على نتائج عملية السلام في تغيير الاوضاع الراهنة. لكنهم كانوا يرددون ايضاً عبارة واحدة بصيغ مختلفة "ما دام سيدنا الملك حسين موافق فنحن موافقون". أربعة أسباب ويرى سياسي أردني ان اربعة اسباب اسرائيلية ومثلها أردنية اضافة الى اسباب اميركية أدت الى التعجيل. فبالنسبة لاسرائيل نجت الحكومة من مأزق حادثة الجندي الاسرائيلي الذي خطفته حركة "حماس" لكنها تشعر انها قد تجد نفسها بين يوم وآخر في مأزق اكبر بعد اتساع المواجهة مع "حماس" ورغبة تكتل ليكود والقوى المعارضة في تصفية الحسابات معها. وفي الوقت نفسه فانه برغم الحزم الذي أبداه الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ازاء الاسلاميين لا تبدو السلطة الفلسطينية قادرة على ضبط الاوضاع امنياً في قطاع غزة. اما السبب الثاني فهو الاوضاع الاقليمية والدولية السائدة منذ الازمة العراقية - الكويتية الاخيرة والتي بدت فيها معالم تباين بين الولاياتالمتحدة وروسيا الأمر الذي ينذر في حال حدوث مواجهة سياسية او عسكرية مع العراق بانعكاسات مهمة على مستوى المنطقة قد تضرّ بعملية السلام لأن المتغيرات الناشئة في الاوضاع الاقليمية والدولية قد تعرقل امن المنطقة. السبب الثالث يتعلق بالمسارات الاخرى وتحديداً بالمسارين السوري واللبناني حيث تأكد حصول تقدم لا تزال تعتوره بعض العقبات التي يمكن "لنموذج" كمعاهدة سلام اردنية - اسرائيلية ان تُسهّل حلّها. اما السبب الرابع فهو حاجة اسرائيل لوضع "حقائق على الارض" امام قمة الدار البيضاء نهاية الشهر الحالي خصوصاً وانها تطمح الى استدراج المساعدات الدولية للمشروعات الاقتصادية في المنطقة. اما بالنسبة الى الأردن الذي يعاني اوضاعاً اقتصادية صعبة ساهم في ترسيخها الى حدّ بعيد موقفه من حرب الخليج الثانية، فإنه يأمل بانفراج اقتصادي قريب لمعالجة الاختلالات التي تسببت في ارتفاع معدلات البطالة والفقر وارتفاع الاسعار. وهذا الانفراج لا يمكن ان يأتي الا بتنفيذ "شروط السلام" بدليل شطب الديون الاميركية عليه وتدخّل الولاياتالمتحدة لتسهيل شروط الديون الاخرى لنادي باريس والوعود التي حصل عليها بمزيد من الدعم. كذلك فان الأردن يأمل بالحصول على افضلية دولية في قمة الدار البيضاء كأول دولة توقّع معاهدة مع اسرائيل منذ مؤتمر مدريد. اما بالنسبة للاوضاع في الخليج فان العاهل الأردني قد اتخذ موقفاً واضحاً ازاء العراق وحمّل قيادته مسؤولية ما يجري دون ان يلتفت الى "الاسباب الاقتصادية" التي قد يدفعها من جديد من جراء هذا الموقف خاصة وان الأردن ما يزال يستورد اغلب احتياجاته النفطية من العراق اضافة الى انه المتنفس الوحيد للعراق منذ عام 1990 ويستفيد من ذلك اقتصادياً. وبحسب سياسي اردني فإن الأردن حصل من الولاياتالمتحدة واسرائيل على تأكيدات بأن تطوراً جوهرياً قد تحقق على المسار السوري - الاسرائيلي ولذلك فإن من غير المفيد ان يبقى الأردن بانتظار الاعلان عن هذا التقدم. واخيراً فإن الأردن يرغب بأن يحسم لعبة شدّ الحبل التي تمارسها القيادة الفلسطينية ضده في ما يتعلق بدوره في المقدسات الاسلامية في القدس. محاور المعاهدة وتضمنت معاهدة السلام الأردنية - الاسرائيلية تسعة عناوين رئيسية: المقدمة وتتضمن الاطار القانوني والرسمي لإنهاء حالة الحرب بين البلدين وبضمنها قوانين المقاطعة والسعي لاقامة العلاقات الثنائية في مختلف الميادين. الإقرار المتبادل بالحقوق السيادية للدولتين. مضمون الاتفاق على اقتسام المياه المتوفرة حالياً ومشروعات السدود والتحلية المُتفق عليها والبحث عن تمويل دولي لها. الإقرار بإعادة الأراضي الأردنيةالمحتلة 380 كلم مربع والتعديلات على الحدود الدولية. فقد وافق الأردن على اجراء تعديلات على الحدود وبحيث تحتفظ اسرائيل بالقرى الزراعية التعاونية موشاق التي أقامتها مقابل اراض منحتها للأردن في مناطق اخرى وهو اجراء متبع في ترسيم الحدود الدولية. الاتفاق على ترتيبات امنية متقابلة وتعاون مشترك يحول دون الاخلال بالأمن في الاتجاهين. الاتفاق على التعاون الاقليمي في مجالات التنمية والتجارة وحرية التنقل. الاتفاق على تسوية قضية اللاجئين والنازحين ومبدأ حق العودة. الإشارة الى الملاحق كجزء لا يتجزأ من المعاهدة. الإلتزام باستكمال الإجراءات الدستورية لوضع المعاهدة موضع التنفيذ. وقد وافقت الحكومتان الأردنية والاسرائيلية على معاهدة السلام ويُنتظر ان تمنحها كل منهما صفة الاستعجال في البرلمان الأردني والكنيست الاسرائيلي لإدراجها على جدولي اعمالهما في اقرب وقت ممكن عقب التوقيع عليها رسمياً. وحاورت "الوسط" عدداً من النواب الأردنيين حول معاهدة السلام ودور مجلس النواب الأردني عند مناقشتها. وتوقعت مصادر نيابية ان تنال المعاهدة 55 صوتاً من اصل 80 نائباً في البرلمان الأردني وان يعارضها 25 نائباً هم "الاخوان المسلمون" بالاضافة الى 8 نواب من اليساريين والاسلاميين المستقلين. ومن المتوقع ان يلقي الرئيس الاميركي بيل كلينتون خطاباً امام اجتماع مشترك لمجلس الامة الأردني النواب والاعيان عقب توقيع الاتفاق كما يلقي خطاباً مماثلاً امام الكنيست الاسرائيلي. وهاجم نواب حزب جبهة العمل الاسلامي 17 نائباً معاهدة السلام الأردنية - الاسرائيلية وتعهدوا مقاومة اتفاق السلام "بكل ما أوتين من قوة" ودعوة الى إسقاطه. كما انتقدت الاتفاق الاحزاب الأردنية الثمانية الاسلامية والقومية واليسارية. وأكدت مصادر سياسية في عمان ما أعلنته مصادر اسرائيلية من ان تبادلاً للسفراء بين الأردن واسرائيل سيتم مع نهاية تشرين الثاني نوفمبر وانه بإمكان المواطنين الأردنيين والاسرائيليين العبور في الاتجاهين بعد ذلك التاريخ.