إثر أزمة الخليج، وبالتحديد في شباط فبراير 1991، قدم المفوض الاوروبي ماتيوس الى المجلس الاوروبي مشروعاً بعنوان "الامن والتعاون في الشرق الاوسط والمتوسط" يتحدث عن انشاء نظام شرق اوسطي - متوسطي كإطار جديد لتنظيم التفاعلات الاقتصادية والسياسية لما سمي ب "الفضاء الاقتصادي المتوسطي". ومع تطور هذه الافكار، بدأت اسرائيل الاستعداد للدخول بقوة في النسيج الشرق اوسطي الجديد احياء لحلم هرتزل بإنشاء "كومنولث شرق اوسطي" تلعب فيه دوراً فاعلاً، وهذا ما أكده اخيراً وزير الخارجية شمعون بيريز عن مصلحة اسرائيل في قيام النظام الاقتصادي الشرق أوسطي الجديد بقوله: "تواجه اسرائيل خياراً حاداً ان تكون اسرائيل الكبرى إعتماداً على عدد الفلسطينيين الذين تحكمهم، او ان تكون اسرائيل الكبرى اعتماداً على حجم اتساع السوق المالية التي تسيطر عليها"، الامر الذي يبرز أهمية التحديات التي تواجه العرب في مرحلة السلام المقبل. والسوق الشرق أوسطية نسخة طبق الاصل، تقريباً عن مشروع يعقوب ميريدور الذي وضعه في أواخر العام 1977 أي بعد زيارة الرئيس أنور السادات القدس. وميريدور هو أحد مؤسسي حركة "حيروت"، ووزير الاقتصاد في حكومة مناحيم بيغن ويملك واحداً من أكبر أساطيل النقل في العالم. ويتضمن مشروع ميريدور الذي أطلقت عليه صحيفة "معاريف" الاسرائيلية اسم "مشروع مارشال موسع للشرق الاوسط" النقاط الآتية: 1 - ان هذا المشروع هو وحده الكفيل بضمان السلام الدائم، فمثلما ان الحدود الطويلة غير قادرة على منع نشوب الحرب، كذلك الحدود القصيرة إلاّ إذا ساندها مشروع اقتصادي تفيد منه دول المنطقة كلها. 2 - يشتمل المشروع على صندوق مالي قوامه 30 مليار دولار سنوياً لعشر سنوات. أي ما يساوي 300 مليار دولار. ويكون لكل دولة توقع اتفاق السلام في الشرق الاوسط الحق في الاستفادة منه. 3 - سينصرف الصندوق الى تمويل مشاريع اقتصادية وعلمية وثقافية. وسيكون لدى دول الشرق الاوسط ما تخسره اذا لم تنضم الى مشروع السلام السياسي والاقتصادي هذا. 4 - تقدم الولاياتالمتحدة الاميركية ثلث المبلغ المطلوب وتقدم السوق الاوروبية المشتركة الثلث الثاني. وتمول كندا واستراليا والدول الاسكندينافية الثلث الأخير. 5 - ان اوروبا تعاني مشكلة خمسة عشر مليون عاطل عن العمل. لكن هؤلاء الذين يجب اعالتهم بخطة عون اجتماعية هم بالذات مصدر التمويل. فبدلا من ان تدفع الدول الاوروبية معونات للبطالة تدفعها اجور عمل، لان مشروع مارشال لا يزود اوروبا بالاموال، بل بطريقة لزيادة انتاجها وتشغيل العمالة المعطلة، وسيتيح لها تصدير وسائل الانتاج والبنى الاساسية الصناعية كالمعامل والآلات الزراعية والمعدات العلمية والسلع الرأسمالية. 6 - ان الثلاثين مليار دولار سنوياً، لمدة عشر سنوات، كفيلة بدفع الاقتصاد العالمي الى تحقيق نمو 4 في المئة سنوياً. 7 - يكون الاشتراك في الصندوق طبقاً لعدد السكان والحاجة. والواضح ان مصر ستجني نحو خمسة مليارات دولار تذهب الى دعم اقتصادها. 8 - ان اسرائيل وسورية والاردن متساوية في الحاجات وستحصل كل منها على مليارين ونصف المليار دولار سنوياً شرط تخصيص نصف مليار دولار لتوطين اللاجئين الفلسطينيين الموجودين في داخل حدودها. والواضح ان هذا المشروع يستبعد تماماً اليابان والدول العربية النفطية من الاسهام في تمويل هذا الصندوق، وفي الوقت نفسه يفصح عن خطة لتوطين الفلسطينيين في الدول المضيفة. وقد استجاب بعض الاوساط الاميركية لمشروع ميريدور فتقدم عضو مجلس الشيوخ الاميركي فرانك تشيرش، في 12/10/1987، باقتراح الى لجنة الخارجية والامن لتبني مشروع اقتصادي - انمائي يشمل اسرائيل وجاراتها العربيات. وجاء في ديباجة الاقتراح: "على رئيس الولاياتالمتحدة ان يبادر الى دعوة مصر واسرائيل الى مباحثات مع حكومتنا ومع حكومات دول صناعية غربية أخرى، تتعلق بإمكانات بلورة مشروع مارشال جديد للشرق الاوسط يؤدي الى تعاون اقتصادي كامل بين الشعبين الاسرائيلي والمصري وجميع المقيمين في الشرق الاوسط المستعدين للعيش بسلم". وبموجب هذا الاقتراح: "تقوم الولاياتالمتحدة ودول صناعية اخرى بمهمة اساسية في بلورة هذا المشروع الذي سيكون شبيهاً بالمشروع الذي بلوره جورج مارشال وأدى الى إعادة بناء اوروبا اقتصادياً بعد ان دمرتها الحرب العالمية الثانية. وهكذا راحت فكرة "التعاون الاقليمي" تنمو مثل كرة الثلج: من حلم تيودور هيرتزل بكومنولث عربي الى مشروع يعقوب ميريدور لاختراق الاسواق العربية، الى مشروع فرانك تشيرش للتنمية الاقتصادية الشاملة، حتى مشروع مارشال الجديد للتعاون الاقتصادي في الشرق الاوسط الذي صاغه شمعون بيريز وصولاً الى فكرة الاندماج الاقتصادي الاقليمي بتسميتها الباطنية: السوق الشرق اوسطية. الاستثمارات الخارجية وتنطلق كل الدراسات المالية والاقتصادية لمستقبل منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا من ان تحقيق السلام العادل والشامل سيجعل منها منطقة جذب لرؤوس الاموال الاجنبية التي احتجبت عنها في الفترة الماضية بسبب حالة الحرب. لقد زادت قيمة الاستثمارات الاجنبية المباشرة اي الاستثمارات الرأسمالية الطويلة المدى خارج حدود الاموال الوطنية في الموجودات المالية مثل المصانع والمعدات الجديدة ومختبرات الابحاث على 1.9 تريليون دولار في العام 1992. وتشير الاتجاهات السائدة في المدى الطويل الى أن هذه الاستثمارات ستواصل نموها، فبين عامي 1975 و1980 ازداد تدفق الاستثمارات الاجنبية المباشرة ضعفين وبلغت قيمة هذه الاستثمارات اكثر من 200 بليون دولار في العام 1990، أي عشرة أضعاف ما كانت عليه في العام 1975. وستشهد الاعوام الثلاثين المقبلة زيادة الاستثمارات الاجنبية المباشرة اربعة اضعاف بالقيمة الحقيقية، اذ ستبلغ على مستوى العالم كله حوالي 800 بليون دولار في حلول العام 2020. وعلى رغم ان معظم الاستثمارات المباشرة يذهب الى الدول الصناعية الاّ أن حصة الاقتصادات النامية منها تزداد باستمرار. ويقول مؤتمر الاممالمتحدة للتجارة والتنمية الذي أنشىء في العام 1964 بغية تحسين العلاقات الاقتصادية بين الدول الصناعية والدول النامية، ان الدول النامية حصلت على 17 في المئة من الاستثمارات الاجنبية المباشرة بين 1986 و1990، وبحلول العام 1992 زادت هذه الحصة ووصلت الى 32 في المئة. وتتمثل الاستثمارات الاجنبية المباشرة في حوالي 37 الف شركة متعددة الجنسيات تسيطر معاً على ثلث الموجودات الانتاجية او المنتجة في القطاعات الخاصة في العالم كله، وبلغت قيمة مبيعات الشركات الاجنبية التابعة لها في العام 1992 حوالي 5.5 تريليون دولار. وفيما ازدادت اهمية هذه الشركات تبدلت المواقف والآراء ازاءها. وبينما كانت الدول تشك في نيات الشركات المتعددة الجنسيات، صارت هذه الشركات الآن موضع تنافس الدول التي تحاول حفزها واجتذابها ببذل الوعود المعسولة لها عن طريق منحها معونات مالية واعفائها من دفع الضرائب فترة من الزمن او على نحو دائم وتوفير قروض ميسرة لها. وشهدت الثمانينات تهافت المؤسسات الى الاستثمار خارج حدودها الوطنية، وكان من نتيجة ذلك ان بلغ حجم هذا الاستثمار ثلاثة أضعاف حجم التبادل التجاري الدولي. وفي نهاية الثمانينات زادت مبيعات الشركات المتعددة الجنسيات في الاسواق المضيفة على ما صدرته هذه الشركات من السلع المصنعة من بلدانها الاصلية 75 في المئة. وبات الانتاج العالمي الآن اكثر اهمية من التجارة العالمية في ربط الاسواق العالمية. والمجال واسع جداً امام توسع الاستثمارات الدولية المباشرة في الدول النامية في المستقبل. وربما شهد العام 1994 بدء توسيع دولي كبير آخر في الاستثمارات الاجنبية المباشرة. وبحلول عام 1995 سيكون هذا التوسع في أوجه، وللمرة الاولى منذ العقود الاولى من القرن الحالي، ستكون الدول المتحررة اقتصادياً في العالم الثالث جزءاً من هذا التوسع او مشاركة فيه. ولا يسع دول الشرق الاوسط، بما فيها فلسطين، ان تتخلف عن هذا التوسع أو أن تتخلى عن المشاركة في اخذ نصيبها منه. وبات يتحتم على المؤسسات المالية في الشرق الاوسط ان تعزز اسواق الاوراق المالية المحلية وتقويها لكي تتمكن من اجتذاب المدخرات والاستثمارات المحلية والاجنبية على نحو فعال وسريع وتنافسي. الاندماج الاقتصادي وكشف البنك الدولي مجموعة جديدة من المشاريع الرامية الى تأمين الاندماج والتداخل الاقتصادي في الشرق الاوسط. وأشارت مصادر البنك الى أن "تقرير المشاريع الاقليمية" الذي أعده البنك للمجموعة المتعددة الاطراف في شأن التنمية الاقتصادية والتعاون الاقليمي تضمن 18 مشروعاً يمكن ان تساهم في زيادة الاندماج الاقتصادي عبر الحدود اذا تم التوصل الى السلام وانتظمت الامور في الصورة المتوقعة. ويتضمن التقرير دراسة لستة مشاريع تتصل في صورة مباشرة بمسيرة السلام في الشرق الاوسط يمكن ان تصل نفقات انجازها الى أربعة مليارات دولار، وأعطيت أولوية كبيرة وتعتبر من اكثر المشاريع وعداً في التقرير، منها ثلاثة ستعجل في عملية اندماج اسرائيل والاراضي الفلسطينيةالمحتلةوالاردن، بينما ستؤدي المشاريع الثلاثة الباقية الى تسهيل اندماج اقتصادات المغرب العربي. وبالنسبة الى منطقة الشرق الاوسط تتلخص المشاريع الثلاثة في الآتي: اولاً: مشروع تبلغ نفقاته 600 مليون دولار، يستغرق تنفيذه ست سنوات لبناء طريق رئيسي على شكل معبر على طول الساحل الشرقي للبحر الابيض المتوسط يشمل بناء طرق جديدة او تحسين الطرق القائمة، ويبدأ من مدينة كسب على الحدود السورية مع تركيا مروراً باللاذقية وبيروت وحيفا وتل ابيب وصولاً الى رفح على حدود قطاع غزة مع مصر. وسيربط هذا الطريق الساحل الشرقي للبحر الابيض المتوسط مع اوروبا وشمال افريقيا، وسيوفر عائداً اقتصادياً مرتفعاً لكل من الدول المستفيدة منه، حسب تقرير البنك الدولي. ثانياً: مشروع يرمي الى انشاء خمسة ممرات تمتد من الشرق الى الغرب وتربط اسرائيل والاراضي المحتلةوالاردن وتسرّع اندماجها الاقتصادي. وبين هذه الممرات واحد سيترك تأثيراً اقليمياً رئيسياً يربط بين رفح وغزة والخليل والقدس وجسر الملك عبدالله على الحدود بين الاردن والضفة الغربية وعمان. وارتأى مخططو المشروع صيانة الجسور واعادة تأهيلها، لكنهم لم يوصوا بتوسيع جسر بنات يعقوب على الطريق بين دمشق وطبرية وكذلك جسري المجاميع والشيخ حسين اللذين يربطان مدينة اربد الاردنية بالعفولة. وتقدر نفقات هذا المشروع بحوالي 60 مليون دولار. ومن فوائده زيادة قدرة المحصول الزراعي في مناطق الداخل على الوصول الى الاسواق في اسرائيل واوروبا، وكذلك زيادة الفرص السياحية وتوفير خطوة اولى في طريق ربط غزة بالضفة الغربية والاردن. ثالثاً: مشروع رئيسي ثالث سيعمل على الربط التقاطعي بالشبكة الكهربائية الاقليمية في مرحلتين. اذ يلاحظ التقرير ان مستوى الاندماج الحالي، حتى بين الدول العربية المجاورة، محدود جداً او ان الاستفادة من الاندماج القائم، كما هي الحال بالنسبة الى سورية ولبنان والاردن، لا تستغل في صورة فاعلة. وتلحظ المرحلة الاولى ربط مصر واسرائيل والاردن ولبنان والاراضي المحتلة وسورية، ويسمح تخطيط مرحلة الاندماج الاولي هذه بخطوة تالية تشمل اضافة دول اخرى مثل تركيا وايران ودول خليجية، اذا رغبت هذه الدول في ذلك واذا تم التوصل الى حل لبعض المشاكل السياسية. ويقدر خبراء البنك الدولي ان تزيد نفقات تنفيذ المرحلة الاولى على 200 مليون دولار. وعلى رغم اعطاء المشروع اولوية كبيرة يلاحظ التقرير ان تنفيذه يمكن ان يكون اكثر المشاريع صعوبة نظراً الى المسائل السياسية والمؤسساتية والتقنية المالية العالقة. اما المشاريع الثلاثة المتصلة بدول المغرب العربي فهي كالآتي: 1 - بناء خط أنابيب لنقل الغاز بين بلدان المغرب العربي واوروبا عن طريق المملكة المغربية واسبانيا يعمل على توريد الغاز الجزائري الى المغرب للمساعدة على تقليص اعتماد الرباط على النفط المستورد، وينقل الغاز بعد ذلك الى دول اوروبية مثل فرنسا والمانيا. ويتوقع التقرير ان تبدأ إسبانيا تسلم كميات من الغاز اعتباراً من العام 1996، على أن تصل الكميات الى ستة بلايين متر مكعب بحلول نهاية القرن. ثم تضاف الى هذه الكميات تلك التي ستستوردها فرنسا والمانيا بحجم يبلغ خمسة بلايين متر مكعب بحلول العام 2001 لتعود هذه الكميات الى الارتفاع الى 14 بليون متر مكعب بحلول العام 2010. ويوضح التقرير ان المشروع الذي تقدر تكاليفه بحدود ملياري دولار يعتبر اكثر المشاريع كلفة بين المشاريع المقترحة الاخرى. 2 - استكمال شبكة طرق دول المغرب العربي الممتدة على مسافة 7333 كيلومتراً بنفقات تقدر بنحو 350 مليون دولار على مدى خمس سنوات، وهذه ستربط عواصم دول المنطقة ومعظم المناطق الحضرية تقريباً في كل من المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا. 3 - تأمين الربط التقاطعي لشبكات الطاقة الكهربائية بين تونس والجزائر والمغرب بنفقات تقدر بنحو 200 مليون دولار. منطقة تجارة حرة في ظل هذه التطورات المرتقبة دولياً واقليمياً، ومع تقدم مفاوضات السلام في سبيل تحقيق التعاون الاقتصادي الاقليمي وتعزيز دور الاستثمارات الخارجية، يبقى السؤال المطروح: ما هو موقف العرب لمواجهة التحديات المقبلة؟ لقد وصف الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور عصمت عبدالمجيد هذه المرحلة بأنها تحمل تحديات للدول النامية بصفة عامة، وللدول العربية بصفة خاصة، الامر الذي يفرض على الدول العربية التعامل مع هذه التحديات بوعي وادراك، وان تستفيد من الجوانب الايجابية منها بما يفيد تضامنها وتكاملها الاقتصادي العربي. ويرى عبدالمجيد "ان العرب قوة ضخمة تمتلك تنوع الموارد والمصادر، وتتسع رقعتهم ومن ثم اسواقهم، بما يكفل امكان قيام تجمع اقتصادي ضخم في ما بينهم قادر على ضمان وحدة المنطقة العربية والحفاظ على هويتها، فضلاً عن قدرتها على التأثير وليس التأثر، لذلك من الضروري ان يمتلك العرب تصوراً استراتيجيا شاملاً يحدد المصلحة العربية العليا والموقف العربي المشترك من تحديات السلام، والتعاون الاقليمي وحدوده". وفي هذا المجال، لا تزال "السوق الشرق اوسطية" في طور الفكرة وان كانت ملامحها الاولية مدرجة على جداول اعمال المفاوضات المتعددة الاطراف وفي اعلان المبادىء الاسرائيلي - الفلسطيني. لكن اتجاه تطورها واحتمالاته قائمة، والدراسات التي تنشر بين الحين والآخر دولياً وعربياً واسرائيلياً تشير الى إحتمالات تكوين نواة هذه السوق خلال الفترة المتبقية من هذا العقد. وتندرج الصيغ المطروحة للسوق من مجرد تعاون اقليمي، وفق القانون والعرف الدولي في العلاقات الاقتصادية، الى صيغ تكاملية كمنطقة تجارة حرة، واتحاد جمركي، وسوق مشتركة واتحاد اقتصادي. ولوحظ ان معظم حكومات الدول العربية استبعدت صيغة الاتحاد الاقتصادي وصيغة السوق المشتركة، بسبب فقدان المقومات الضرورية لقيامهما، مثل وجود نظم اقتصادية وسياسية واجتماعية متماثلة وتقارب في مستويات التطور الاقتصادي وفي مستويات الدخل الفردي بين الدول الاعضاء في التكامل. ونظراً الى أن مفهوم منطقة التجارة الحرة يقوم على حرية انتقال السلع من دون حرية انتقال عناصر الانتاج مع استبعاد الاقامة والتملك للافراد من جهة، وكون هذا المفهوم يتوافق مع التوجه العالمي لتحرير التجارة الدولية والاتجاه نحو عالمية التجارة الحرة، يرى بعض الخبراء في جامعة الدول العربية انه يمكن الخروج بنتيجة تقول ان صيغة "منطقة تجارة حرة" هي الاكثر احتمالاً واستجابة للمفاهيم المطروحة "للسوق الشرق اوسطية". اما المزايا الايجابية المحتملة من تطبيق هذه الصيغة، فهي تفوق المزايا المتوافرة في ظل الوضع الحالي، وكذلك تفوق المزايا التي يمكن تحقيقها في حالة الانضمام الى "منطقة تبادل حر شرق أوسطية"، واهمها: أولاً: ارتفاع معدل نمو القطاع الصناعي في الدول العربية في مقابل احتمالات الانخفاض في حالة الانضمام الى "منطقة حرة شرق أوسطية". ثانياً: ارتفاع معدل نمو قطاع الخدمات، نتيجة ارتفاع حركة النقل والمواصلات والزيادة في الطلب على الخدمات المصرفية والتأمينية والسياحية وذلك في مقابل زيادة عادية في نمو قطاع الخدمات في حالة انشاء منطقة تجارة حرة شرق أوسطية. ثالثاً: تحسن في اداء القطاع الزراعي والتشييد نتيجة لتحسن وضع المنافسة للسلع الزراعية العربية، اما قطاع التشييد فسيتحسن نتيجة التطور في القطاع الصناعي والخدمي. وفي المقابل لا يتوقع حصول تغيرات ايجابية في حالة الانضمام الى منطقة التجارة الحرة. رابعاً: يتوقع حصول زيادة في نمو الصادرات من السلع الصناعية الاستهلاكية في حالة منطقة تجارة حرة عربية أفتا بينما يتوقع حصول انخفاض في المجموعة السلعية نفسها في حالة السوق الشرق أوسطية ولا يتوقع حصول تغير في الصادرات من السلع الاستثمارية في الاجل القصير. بينما سيتحسن في الاجل المتوسط. خامساً: يتوقع حصول زيادة في صادرات المواد الخام الاولية والسلع الغذائية والزراعية وذلك في الحالتين "الافتا" والسوق الشرق اوسطية. سادساً: الى جانب الواردات السلعية يتوقع زيادة في نمو الواردات السلعية في الحالتين، ولكن لسببين مختلفين، وفي حالة "الافتا" العربية بسبب تحسن نشاط القطاع الصناعي والقطاع الخدمي. ولهذا سيزداد الطلب على الواردات من السلع الاستثمارية والخامات. اما في حالة السوق الشرق اوسطية، فإن الطلب على الواردات سيزداد بسبب انخفاض النمو في الانتاج الصناعي الناتج عن منافسة السلع الصناعية الاسرائيلية. سابعاً: يتوقع ان تزداد الاستثمارات الخارجية في الحالتين الاّ أن الزيادة المتوقعة في نمو الاستثمارات الخارجية في حالة "الافتا" العربية ستكون اكبر سبب لاتساع السوق العربية وعدم المنافسة المباشرة مع اسرائيل وحصول الانطباع لدى المستثمر الخارجي بأن السوق العربية ليست مفتوحة امامه الاّ من خلال الدول العربية. بينما ستكون نمو الاستثمارات أقل في حالة السوق الشرق اوسطية بسبب وجود المنافسة المباشرة من اسرائيل والشعور لدى المستثمر الاجنبي بأن السوق العربية مفتوحة امامه من خلال اسرائيل. وهكذا تبرز أهمية تبني اقامة منطقة تجارة حرة عربية تمكّن المجموعة العربية من التعامل الايجابي مع السوق الشرق أوسطية ومع نتائج جولة اورغواي في اطار "الغات" ضماناً للحفاظ على المصالح الاقتصادية العربية.