لا جاذبية تضاهي النشاط السياحي في البحرين، سوى الجاذبية التي يتمتع بها القطاع العقاري في هذا البلد. وأظهرت ارقام رسمية حول النشاط العقاري في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، ان ثمة تحسناً بلغت نسبته 4،13 في المئة، بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، والتي كانت سجلت هي الاخرى تحسناً قياسياً بالمقارنة مع حركة التعاملات في العام 1991. وحسب الارقام الرسمية نفسها، بلغ حجم التداول العقاري حتى نهاية ايلول سبتمبر الماضي، ما مجموعه 411،82 مليون دينار بحريني 2،214 مليون دولار، اي بزيادة نسبتها 4،13 في المئة من الارقام التي سجلتها الحركة في العام 1992، في الاشهر التسعة الأولى منه. ويجمع العاملون في قطاع العقارات في البحرين على ربط الانتعاش الحاصل بمجموعة من الاعتبارات المتنوعة، ابرزها الثقة بمستقبل البلاد، والاستقرار السياسي والأمني الذي تنعم به. وساهمت النتائج التي انتهت اليها حرب الخليج في العام 1991 بتحرير الكويت وقبلها النتائج التي انتهت اليها الحرب العراقية - الايرانية، في ترسيخ هذه الثقة وتعميقها. كذلك استطاعت البحرين ان تكرس نفسها اكبر عاصمة مصرفية ومالية في منطقة الخليج والشرق الأوسط، مع ما يستتبع ذلك من تعزيز للثقة الخارجية بتطور الاوضاع فيها. وساعد الانفتاح الاقتصادي الذي واصلت الحكومة تعزيزه على اجتذاب المزيد من التوظيفات والرساميل، حتى باتت المنامة واحدة من اهم المراكز المالية العالمية، بعدما استطاعت تجاوز المنافسة التي حاولت عواصم خليجية وشرق أوسطية القيام بها. وثمة مقارنة تطرحها بعض الشركات العالمية بين دبي، العاصمة التجارية الأولى في الخليج والشرق الأوسط، والمنامة العاصمة المالية والمصرفية. وهناك من يقول ان الدور الذي كانت بيروت تلعبه في الستينات والسبعينات انتقل من دون رجعة الى الخليج، في اشارة الى الجهود الكبيرة التي يتوجب على الحكومة اللبنانية بذلها لاعادة عاصمتها الى المرتبة التي كانت عليها قبل عقدين من الزمن. الا ان ثمة تفسيراً آخر لمحاولة المقارنة، وهو ان المنامةودبي قطعتا من المراحل المتقدمة على صعيد الخدمات التجارية والمالية والمصرفية، ما يصعب على اية عاصمة اخرى في الشرق الاوسط، حتى لو كانت بيروت، ان تصل اليها. ويربط بعض الخبراء الاقتصاديين بين الجاذبية التي يتمتع بها الاستثمار العقاري في البحرين وبعض المعطيات الموضوعية التي تتوافر في هذه الدولة التي تحتل المرتبة الأولى عالمياً في نسبة السياح الى عدد السكان الذين يصل عددهم الى 500 الف نسمة تقريباً، في حين يصل عدد السياح الى 5،1 مليون سائح، اي ان هناك 3 سياح في مقابل مواطن واحد. وهي نسبة غير متوافرة حتى في البلدان السياحية المعروفة مثل ايطاليا وفرنسا واسبانيا. وفيما تبلغ المساحة الاجمالية للبحرين 560 كيلومتراً مربعاً، فان الطلب يتجاوز بكثير العقارات المعروضة في السوق، مع الاشارة الى ان الثلث الجنوبي من البلاد غير قابل للتداول، الامر الذي يحصر النشاط في مناطق محددة، لا تزيد مساحتها عن 300 كلم مربع. واللافت في النشاط العقاري في البحرين هو قدرته على جذب الاستثمارات الخليجية. وبالفعل، بلغت حصة الخليجيين من دول مجلس التعاون الخليجي ما نسبته 5،30 في المئة. وحسب أرقام رسمية، فان اجمالي الاستثمارات الخليجية في قطاع العقار البحريني بلغ في الاشهر التسعة الأولى من العام الجاري ما قيمته 183،26 مليون دينار بحريني 68 مليون دولار اميركي. وبالمقارنة مع حجم الاستثمارات التي تحققت العام الماضي للفترة نفسها، فان الزيادة التي سجلت حتى نهاية ايلول سبتمبر الماضي وصلت نسبتها الى 4،87 في المئة، الامر الذي يعكس مدى تدفق التوظيفات العقارية من قبل مواطني الدول الخليجية الاخرى. الا ان ثمة تمييزاً يجب ملاحظته، وهو ان معظم التوظيفات الخليجية في البحرين يعود الى مستثمرين وكويتيين في الدرجة الأولى. وبحسب احصاءات انجزت حديثاً، حقق الكويتيون استثمارات بلغت قيمتها 542،13 مليون دينار بحريني 2،35 مليون دولار اميركي، اي ما نسبته 7،51 في المئة من اجمالي الاستثمارات الخليجية، و4،16 في المئة من اجمالي النشاط العقاري، ومن ضمنه النشاط العائد لمستثمرين بحرينيين. فيما احتل السعوديون المرتبة الثانية باستثمارات بلغت قيمتها 331،12 مليون دينار 06،32 مليون دولار، اي ما نسبته 09،47 في المئة من الاستثمارات الخليجية. اما نسب الاستثمارات العائدة لمواطنين من الامارات وقطر وسلطنة عمان فلم تتجاوز 5،1 في المئة. وربما كانت هناك اعتبارات عدة تحد من حجم التوظيفات من الدول الثلاث الاخيرة في البحرين، الا ان الاعتبار المباشر الذي يساعد على انتعاش التوظيفات السعودية والكويتية، هو التسهيلات القانونية التي يحصل عليها المواطنون السعوديون والكويتيون لجهة حق التملك في البحرين، وهي تسهيلات تجعلهم في موقع متساو مع الرعايا البحرينيين. في حين ان الاجراءات القانونية المطبقة بالنسبة الى مواطني الدول الثلاث الاخرى تحدد السقف الأعلى للتملك بپ3 آلاف متر مربع لعقار واحد، سواء كان ارضاً أو بناء، وحتى في المناطق الزراعية. ومع ذلك فان الهجمة الاستثمارية في البحرين بدأت تثير مخاوف من صعود متتابع للأسعار. ويقول عاملون في السوق العقارية في المنامة التي لا تخلو من كثير من الفوضى، ان ضخامة الامكانات المتوافرة في السعودية والكويت للاستثمار، ومحدودية العروض من العقار من جهة ثانية، من شأنها ان تدفع الاسعار الى مزيد من الارتفاع، الامر الذي يرفع كلفة البناء، وتالياً كلفة السكن، خصوصاً للطبقات المتوسطة وذوي الدخل المحدود.