عكس معرض دمشق الدولي، في دورته الأربعين التي انتهت قبل أيام، الحركة الاقتصادية في سورية وسياسة الانفتاح التي تنتهجها الحكومة. وتدليلاً على ذلك يقول مدير المعرض السيد ناظم الحافظ ان المساحات التي شغلها القطاع السوري المشترك لهذا العام ازدادت 263 متراً مربعاً عما كانت عليه في العام الماضي، وزادت المساحات التي شغلها المشتركون السوريون 1661 متراً مربعاً، كما ازدادت المساحة المخصصة للشركات الأجنبية التي يمثلها وكلاء سوريون 2050 متراً مربعاً، فيما ازداد عدد العارضين 237 عارضاً، وبلغ عدد البلدان المشاركة بشكل مباشر أو غير مباشر 40 بلداً. ولعله من أهم الخطوات التي أعادت الى معرض دمشق زخمه هو القرار الذي كان أصدره وزير الاقتصاد السوري الدكتور محمد العمادي في الدورة الثامنة والثلاثين للمعرض حيث سمح للدول والشركات المشاركة في المعرض بتسويق البضائع المعروضة التي يتم التعاقد عليها مع الشركات السورية خلال فترة المعرض لبيعها الى القطاعين العام والخاص من دون التزام أنظمة القطاع وفي حدود الأنظمة النافذة الأخرى. ويعني ذلك أنه أصبح ممكناً دفع أثمان المعدات بالليرة السورية أو من خلال سندات مستحقة الأداء خلال 180 يوماً بالقطع الأجنبي. كما نص القرار على السماح لشركات القطاع العام فقط بشراء الآليات والمعدات الموجودة في أرض المعرض من عام 1989 حين منعت الحكومة السورية استيراد المعدات التي تعرضها الدول والشركات الأجنبية. وقررت حينها جهات أجنبية عدة ترك آلياتها على أرض المعرض لأن اعادتها الى دولها الأصلية سيكون أكثر كلفة من الاحتفاظ بها في سورية أو حتى خسارتها بالكامل. ومن العوامل الأساسية التي ساهمت في تطور معرض دمشق هو نمو السوق السورية الداخلية وتشعبها، خصوصاً بعد اصدار قانون الاستثمار رقم 10 عام 1991 أصبح الباب مفتوحاً أمام القطاع الخاص للمشاركة في الكثير من الصناعات الجديدة التي تحتاج في مجملها الى آلات لا بد من استيرادها، ومن جهة أخرى فإن تدهور الحالة الفنية لبعض شركات ومعامل القطاع العام وعدم اجراء الصيانة أو اعادة الاعمار بسبب نقص العملات الصعبة لاستيراد قطع الغيار، أو تحديث المعامل التي ما زال بعضها يعمل من حوالي 20 عاماً، كل هذا اعتبر من العوامل التي دفعت الشركات الأجنبية الى عرض أحدث منتوجاتها في معرض دمشق. وللسبب نفسه شاركت دول جديدة للمرة الأولى في المعرض مثل ارمينيا وجمهورية التشيك بعد أن انفصلت عن سلوفاكيا، كذلك عادت بلدان الى المشاركة بعد انقطاع، من بينها السودان الذي انقطع عن المشاركة ست سنوات وباكستان التي انقطعت منذ سنتين وكذلك دولة الامارات العربية المتحدة التي غابت عن دورة العام الماضي. الجناح السوري يجمع الاقتصاديون على أن معرض دمشق يمثل أكبر تظاهرة اقتصادية في سورية، فهو يتيح للصناعيين والمنتجين المحليين فرصة نادرة للعرض والتسويق والبيع، ويعتبر المعرض صورة حية ودقيقة عن المستوى الذي وصلت اليه الصناعة والزراعة والخدمات في سورية، والجناح السوري الذي شاركت فيه جميع المؤسسات والشركات العامة يؤكد تنوع المنتجات التي تصنعها الشركات السورية بما يقلل الحاجة الى الاستيراد. وقال مدير الجناح السيد محمد شويكي ل "الوسط" ان سورية شاركت في حوالي مئة مؤسسة وشركة عامة و180 عارضاً من القطاع الخاص، بزيادة عشرة مشاركين جدد. واحتلت منتجات القطاع العام حوالي 70 في المئة من مساحة الجناح، وكان هناك قسم مخصص للمنتجات النسيجية السورية لتمكين المشاركين والزوار من التعرف الى هذه الصناعة التي تواجه صعوبات في التصدير بسبب مخزونها الكبير. واللافت انه لم تشارك في دورة هذا العام من شركات الاستثمار التي تأسست وفق القانون رقم 10 الا شركات انتاج المياه الغازية والمرطبات. الجناح السعودي من الأجنحة التي اعتبرت مميزة في الدورة الأربعين لمعرض دمشق، الجناح السعودي. وقال وزير التجارة السعودي الدكتور سليمان السليم الذي زار دمشق للمشاركة في افتتاح المعرض "ان سورية لديها امكانية كبيرة ومقومات أساسية للاستثمار، ولقد أفسحنا المجال أمام رجال الأعمال السعوديين للاستثمار في سورية، خصوصاً بعد صدور قانون الاستثمار الرقم 10". وأضاف "ان حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 80 مليون دولار مصدرة الى سورية و120 مليون دولار مستوردة من سورية ونحن نتطلع الى حجم أكبر في التبادل". وقال السيد محمد سعود العريمة، مدير الجناح السعودي ل "الوسط": ان الجناح يتميز هذا العام بوجود بعض الشركات الكبيرة التي تعرض انتاجها للمرة الأولى كالشركة السعودية الدوائية وشركة التقنية الزراعية والشركة السعودية للزيوت والتشحيم بتروليم والشركة السعودية للصناعات الأساسية سابك وغيرها من الشركات، وبلغ عدد العارضين في الجناح 70 عارضاً ما بين شركات ومصانع. وأضاف ان هناك نشاطاً لبعض الشركات السعودية في السوق السورية مثل شركة "سابك". الجناح اللبناني ومن الأجنحة العربية المتميزة الأخرى جناح لبنان، الذي شهد تطوراً كبيراً. وكانت وزارة الاقتصاد والتجارة اللبنانية أوكلت الى غرفة التجارة والصناعة في بيروت اعداد وتنظيم وتجهيز هذا الجناح. وقال السيد أحمد نخال، من إدارة الجناح، ل "الوسط": ان 40 شركة صناعية لبنانية شاركت في المعرض، وهي غطت الصناعات الكهربائية والأدوات الصحية والكابلات الكهربائية والبرادات والمطاحن وغيرها، ومن أهم هذه الشركات "كابلات لبنان" و"كانتو" التي تنتج المولدات الكهربائية، و"يونيسيراميك" لانتاج البلاط، و"اوتيمو" للمفروشات، و"فارمالين كيميا" للمستحضرات الطبية و"ليماتيك" للبرادات و"شركة الصناعات الخزفية اللبنانية" ليسيكو للأدوات والتجهيزات الصحية. وقال نخال ان عدداً من الشركات اللبنانية وقع اتفاقات أولية. الجناح الألماني يقول المنشور الذي وزعته إدارة الجناح الألماني ان مشاركة المانيا في معرض دمشق تعتبر إشارة مهمة الى الشركات الألمانية لتوسيع التعاون القائم بين المانيا وسورية، فمعرض دمشق، كما قال السيد ليزا ممثل اتحاد الغرف التجارية والصناعية الألمانية، عنصر مهم لايجاد علاقة اقتصادية ناجحة. أما السيد ميلر ممثل وزارة الاقتصاد الألمانية فقال ل "الوسط": ان 23 شركة شاركت في المعرض، بينها 8 شركات للمرة الأولى، مختصة في الصناعات النسيجية والالكترونية والمعدنية ومواد البناء. وأضاف ميلر ان حجم التبادل التجاري بين المانيا وسورية بلغ عام 1992 حوالي 1.6 بليار مارك، منها 1.1 بليار مارك صادرات سورية الى المانيا. وتحتل سورية المرتبة التاسعة بين الدول التي تصدر النفط الى المانيا، حيث بلغت كمية النفط المصدرة عام 1992 5 ملايين طن 35 مليون برميل. اما الصادرات الألمانية الى سورية فتشمل الآلات والمنتجات الكيماوية ومحركات السيارات والحديد والمنتجات الالكترونية والهندسية. وفي شكل عام، يعتبر الجناح الألماني من الأجنحة الغنية بالآلات الثقيلة، لا سيما السيارات وأجهزة صنع المنسوجات والتريكو والخياطة والاطارات ومعامل الأسفلت ومضخات المياه ومراجل البخار وبطاريات السيارات... لقد أغلق معرض دمشق الدولي أبوابه بعد أن استمر 13 يوماً بين 28 آب / اغسطس و10 أيلول / سبتمبر 1993 اضافة الى يوم الافتتاح، وكان من المقرر أن تكون له فترتان صباحية ومسائية على مدار الاسبوع الا أنها اقتصرت فيما بعد على فترة مسائية لكل الأيام وثلاث فترات صباحية، لسببين أولهما التوفير قدر الامكان في الكهرباء، وثانيهما ان معظم الزوار سيكونون في أوقات الصباح في عملهم. وعلى رغم ذلك زاد المعدل الوسطي للزوار عن 200 ألف زائر يومياً. ولعل هذا الاقبال الكبير كان من الأسباب التي دفعت الحكومة الى التفكير في انشاء مكان جديد للمعرض، ونقله من موقعه الحالي الذي يتوسط مدينة دمشق الجديدة، على الضفة اليمنى لنهر بردى، الى موقعه الجديد قرب مطار دمشق خارج المدينة. ومن المقرر ان تزداد مساحته الكلية التي تتراوح حالياً بين 250 و300 ألف متر مربع، الى حوالي 1.5 مليون متر مربع، ومن المتوقع انجاز المكان الجديد للمعرض والانتقال اليه في غضون ثلاث سنوات.