ما إن وطئت قدماه أرض يثرب وحطت رحاله واستعد اليثربيون لاستقباله إلا وأمر محمد عليه السلام في البدء ببناء المسجد في قباء، إحدى ضواحي يثرب التي أصبحت مدينة تنورت بنور رسول الله عليه الصلاة والسلام، ليكون المسجد المكان الأمثل لإقامة المسلمين الصلاة فيه، ومقراً للشورى وتشريع الشرائع. ولم يكن بناء المسجد ذاك إلا من أربعة أروقة يتوسطها محراب تجاه القبلة كعادة تخطيط المساجد الشائع حتى عهد قريب، والتي سار على نسقه المسجد النبوي في ما بعد. وتشير المصادر التاريخية إلى أن المساجد الأولى التي بنيت في عهد الرسول عليه السلام وفي عهد الخلفاء الراشدين كانت بغير مآذن، ثم أضيفت إليها المآذن لتكون مكاناً مرتفعاً ينادي فيه المؤذن بالصلاة وإشهاراً بدخول رمضان وموعداً للإمساك والإفطار، وحظي المسجد الأموي في دمشق بأول مئذنة في الإسلام والمسماة ب"مئذنة العروس"في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك ثم في المسجد النبوي الشريف حين أوعز الوليد إلى واليه على المدينة عمر بن عبد العزيز بإعادة بناء المسجد، وتشييد مآذن على أركانه الأربعة ومتابعتها خصوصاً في شهر رمضان المبارك، حتى يصل النداء الى الصائمين في أرجاء المدينة، إذ لم تعد أسطح المنازل تلبي الحاجة في إعلام المسلمين بوقت الصلاة والإمساك والإفطار، ومن حينها ظلت المآذن في المساجد جزءاً مهماً منها، يتسابق الملوك والسلاطين على تجديدها وإعمارها، تسابقهم في تجديد المسجد وإعماره، وشيدت آنذاك بطول يتراوح ما بين 26.50م إلى 27.50م وبعرض 4?4م. وتعتبر المآذن أحد المظاهر العمرانية المميزة في العالم الإسلامي والتي حازت اهتمام مختلف الملوك والسلاطين في مختلف البلدان الإسلامية"فشجعوا المعماريين المسلمين على الاهتمام ببنائها وابتداع أشكال لافتة، تمنحها المزيد من الإشعاع الديني والشموخ الحضاري. ولعب المعماري المسلم دوراً كبيراً في إبراز أشكال المآذن واختلفت هيئتها باختلاف المناطق الإسلامية، ففي بلاد الأندلس والمغرب العربي مثلاً نجد أن المئذنة أخذت شكلاً مربعاً ذات أضلاع رباعية، كمآذن الزيتونة ومئذنة الجامع الأعظم في اشبيلية الخيرالدا، في حين تأتي المآذن المدورة الأسطوانية ذات المسقط الدائري منتشرة في جوامع العراق والجانب الشرقي من بلاد الإسلام، وبها شرفة أولى تعود بعدها المئذنة إلى الارتفاع ثانية في صورة أسطوانة ملساء أو مزينة بالنقوش، وتنتهي المئذنة عند هذا الارتفاع الثاني بشرفة يعلوها جوسق يختم المئذنة من أعلى، كما في العصور العثمانية الأولى. فيما نجد أن المآذن الأسطوانية ذات الهامة المخروطية، التي شبهت برؤوس أقلام الرصاص المبرية، أو الأسهم الذاهبة نحو السماء انتشرت على أيدي العثمانيين في كل بلاد شرق أوروبا التي حكموها، وانتقل منها إلى الشام ومصر، وأصبح النموذج المختار لدى العثمانيين كما في مآذن مسجد السلطان أحمد في استطنبول ومآذن جامع محمد علي في القاهرة. وأخذت المآذن ذات الأضلاع المتعددة المضلعة على شكل مسدس أو مثمن شكلها ابتداء من العهد الفاطمي ثم الأيوبي ثم المملوكي وهو ما وجد أيضاً في معظم مآذن بلاد الشام وأفضى بهم إلى تصغير بدن المئذنة مع إتقان وصقل البناء، ليكون ذلك أعون على ثبات المئذنة. فيما تميزت المآذن ذات الطراز الخاص والتي يطلق عليه اسم"الملويات"وهي شبه مخروطة يدور السلم من الخارج على بدنها الملآن كما هي في مئذنة مسجد سامراء الملوية ومئذنة مسجد ابن طولون. ويصنف المعماريون المسلمون جسد المئذنة الى القاعدة التحتية والدرج الذي يلتف داخل المئذنة والشرفة التي تكون في أعلاها وكان يقف المؤذن فيها لنداء الصلاة - وجرى العرف قديماً على اختيار مؤذنين مكفوفي البصر ليأمن الناس عند صعودهم المآذن للأذان من الاطلاع على البيوت- ثم الجوسق والذي يكون في أعلى المئذنة وهو يلي الشرفة الأخيرة، ومن فوقه قبة المئذنة أو خاتمتها التي تعلوها التفاحات المعدنية البسيطة أو المذهبة أو الحجرية أو الطينية، ثم الهلال وهو شعار ابتكره العثمانيون وأصبح رمزاً للمساجد اليوم ويرفع فوق المآذن، فإما أن يكون من معدن أصفر لماع أو من ذهب براق، أو ربما اتخذه البعض فوق المآذن من الأضواء الخضراء أو الصفراء وكانت بعض المآذن في المساجد الرئيسية وقت الآذان ترفع راية على سارية ليراها مؤذنو بقية المساجد فيقتدوا بها في الأذان وقت النهار والإعلام بموعد الإفطار، أما في الليل فتشير إلى بدء الآذان وموعد الإمساك بإيقاد فوانيس كبيرة فوق قمة المئذنة ودرجت بعض المآذن قديماً على رفع علم كتب فوقه لا اله إلا الله محمد رسول الله.