قد يحمل ذلك الحوار الضاحك بين الركبة والسروال، رغبة للتنفيس وفتح مسارات السرور، أي ما يُعرف بتهوية"التابو"الاجتماعي Airing Social Taboos. وهو بلا شك يحتوي من الوجهة المظهرية على لذة جمالية مؤانسة. إلا أنه في المقابل يستبطن في سياقاته رسائل فكرية يكنّها المجتمع كمخزون قيمي. وفيه جرعات من النقد الاجتماعي، الذي لا يمكن أن يُتداول إلا بهذه الطريقة. وما تصوير الشابة لشخصية الشاب بهذه الصورة النمطية والعكس، إلا مبالغة مقصودة. أو هي فبركة هزلية، تعكس قدرتها على النمذجة. وهو إنجاز يتطلبه الفعل الكوميدي، من أجل إعطاء المضحوك منه نعتاً يختزله في صورة مضحكة، ويلتصق به لدرجة تأطيره في قالب ذهني، أو تنميطه. والأهم أن يكون لهذا الفعل المدبّر قابلية التكثّر، والامتداد في الفضاء الاجتماعي. بمعنى لعبها على السمات الثقافية المثمّنة اجتماعياً، إنما كان المراد منها الكشف عن الوجه السلبي للذكورة. هنا تتجلى براعة الساخر، الذي يولّد من جمود الشخصية على المستويين المادي والمعنوي متوالية من المعاني. إذ تمكّن الشاب بالفعل من إلصاق شبهات الإهمال والعيب والقبح بشخصية الشابة. وبموجب ذلك الطرق المتواصل، وإتقانه الواضح لجمالية بناء المعنى، استخلص صفة أم الركب السوداء واستدخلها بالفعل كاسم علم في القاموس الاجتماعي. فيما نجحت الشابة هي الأخرى في تحويل المعنى إلى شكل، من خلال تهريء صورة الشاب، وإثقال محتواه بدلالات الشوائب المظهرية، من خلال وابل من الإشارات الكلامية، لتتحصل في نهاية المطاف على إجماع عام بمشروعية تنميطه في اسم أبو سروال وفنيلة بما يحمله المسميان من إيحاءات بليغة، يمكن بموجبها رسم معالم الشخصية والتراتبية الاجتماعية، اعتماداً على الصورة المحفورة في الأذهان بوصفها بلاغة. إنه لسان الموضة، بتعبير رولان بارت، الذي تتقن المرأة قوانينه وأعرافه. وبالتالي فهي تعرف معنى أن تصدّر إشاراتها المدروسة ناحية"السروال"كزيٍ شعبي، بهذا الشكل التهكمي. على اعتبار أن الموضة هي فكرة مصنوعة ومتواطؤ عليها من زمرة تمتلك القدرة على تصعيد المبتذل إلى مستوى الرفعة والأناقة والعكس. وبموجب هذا الإحساس الساطي والمتغلغل في أعماقها، تم تضمين اللسان بشفرات بينية، قابلة للتصدير إلى الفضاء الإعلامي والاجتماعي، لتقويض شخصية الشاب المتنمّر، وذلك من خلال كثافة الاستعراض والتعريض بلباسه الدوني. والإجهاز عليه بعبارات السخرية اللفظية، التي طمرت بتراكمها كل ممكنات ظهوره بشكل مغاير خارج الطّلة المصممة بوعي نسوي هازئ، لطرده ليس من حقل الموضة، ومضمار الرياضة والرشاقة وحسب، بل نفيه حتى خارج الوضع الاجتماعي Social Position بعد أن رسمت حدود العلاقة الحسّية الخامدة أو المنطفئة ما بين سرواله وجسده. ولأن الرجل يعيش على الدوام حالة من الهوس الثقافي والتاريخي إزاء المرأة ومكانتها قبالته، اختار"الركبة"للفت نظر المؤسسة المجتمعية بكاملها إلى ما يعتبره خللاً لا يمكن السكوت عنه. فهو لم ينتقد"العباية"مثلاً في مقابل هجائها لسرواله، لأنه يعي معنى الاحتشام، ويعرف أهمية الأعراف والعادات والشرع في المجتمع. وعلى هذا الأساس انحاز إلى مفهوم اللعب الفكري Intellectual Play الذي يكفل لهما التحرر من قيود التقاليد. وهو بذلك الاقتناص الفطن، المسبوك في سياق سردي، إنما أراد تقشير الجسد العارض، باعتباره الواجهة للذات ولانفعالاتها. وتبئير الرؤية باتجاه سواد الركبة، لخدش هويتها الاسمية والبصرية، وتسويد صفحتها الاجتماعية، من خلال إبلاغ المتفرجين المراد استقطابهم عن نقطة معتمة في جسدها، فالتعارض اللوني الذي بالغ في إبرازه، كان مقصوداً وموجهاً لتغيير معنى حضورها كأنثى. لا يوجد في ذلك التمشهُّد الملذوذ ما يشير إلى حساسيات"الحشمة". فليس التكوين البيولوجي هو محل السخرية، بل مجمل العوالم التي تسكن العلامات وتندس في تلابيبها، على شكل أحكام وتصنيفات وأوصاف وأفكار مسبقة. فأطراف اللعبة من الشابات والشباب لم يستجيبوا للخطابات الخارجية التي أرادت أن تزيحها عن قانون الهجاء الودود. وهكذا نجحوا في نقل النكتة اللفظية Verbal Jock إلى فضاء النكتة التصورية Conceptual Jock للإبقاء على المجابهة في حيز التباري بطاقة الجمال والأناقة والذوق، أي ما يندرج في سياق ظاهرة حفلة الكوكتيل Cocktail Party Phenomenon التي تُبين عن قوة التخاطب، واختبار الكيفية التي ينظر بها كل طرف إلى ذاته من خلال الآخر، سواء على مستوى الواقع المعاش، أم المحلوم به. إنها لعبة خطاب حجاجي، ذخيرتها منظومة القيم السوسيوثقافية. وقوامها الاستثارة الجماعية Group Arousal كما تبدو في ظاهرها. وتتوسع دائرتها بالعدوى الانفعالية. لأنها تعكس التمثّلات الثقافية للجنسين. ويُراد لها أن تتوطّن بوعي أو لا وعي، فيما يُعرف سيميائياً بالطابع اللساني للظواهر البصرية. إذ تقوم على الاستعراض، بما هو منظومة من العلاقات الاجتماعية بين أشخاص تتوسطها الصور. وهذا التشكيل البصري الذي استوطن الذاكرة الاجتماعية، هو الذي شكل معنى الصور، وأصل الدلالات داخلها، بمعنى أن التنويع على الإحالات الرمزية للركبة والسروال، وتخليق امتدادات عضوية لهما، قابلة للتداول في الفضاء الاجتماعي. * ناقد سعودي.