العالم والكون بين معروف وإمكان المعرفة، وبين هذه وتلك صياغة سؤال جيّد، ولست معني أبداً بالإجابة، إذ إن الوصول للسؤال هو اكتشاف بحد ذاته لشيء ليس له إجابة، على الأقل في الوقت الراهن. فالمجهول هو في حقيقته معروف ولكنه منزوٍ خلف سؤال، وعلى كل جيل مسؤولية اكتشافه بالإجابة عنه، ولكني كمحب للفلسفة ومناقض ما سبق ذكره، هو أن المجهول الذي لا يحتمل المزيد من الأسئلة هو"المدينة الفاضلة"، التي تغنى بحبها أفلاطون متمنياً تحقيقها، إذ كل جيل بعد عصر الفيلسوف أفلاطون يكرر الأسئلة نفسها والإجابات المانعة للتحقيق، ويرسخ ذلك الجيل اللاحق، ومن المحتمل جداً أن كل ذلك كان قبل أفلاطون وعصره، وستبقى الحال بالرتابة نفسها حتى النهاية. نحن أمام حقيقة المستحيل، لا من باب اليأس إنما من باب واسع ودليل ناصع الوضوح، ألا وهو طبيعة الأشياء، فكل شيء له ضد، وهناك مؤيد ومعارض حتى لو كان خفياً حاول أن تقول للسارق بأنه سارق!. فحينما تقرأ كلمة"حب"يتبادر إلى ذهنك كلمة"كره"، وإذا عرجت على كلمة"صدق"فقطعاً تتذكر"الكذب"، حتى وأنت تتحدث أو تتناقش في"الفضيلة"، فهذا يدل على أن هناك وجوداً ل"الرذيلة". حينما تحين الفرصة لسرد نصيحة من خلال تجربة مريرة هي محاولة لتجنيب الآخر الوقوع في الخطأ، ولكننا ننسى أن النصيحة من خلال تجربة تدل قطعاً على أن الخطأ يتكرر أو يكاد مع من يسمع تلك التجربة، فتجارب الإنسان هي في حقيقتها تكرار للأخطاء. نصل في النهاية لقناعة بأن الحياة ليست بيضاء دائماً أو سوداء دائماً، وإنما بياض يشوبه سواد إلى سواد ينقضّ عليه بياض، فاللحظة نفسها التي تجدها أسعد أيام الحياة هي اللحظة نفسها التي يعيش فيها إنسان أسوأ أيامه، لكن التعساء يفوق عددهم عدد السعداء، فساعات السعادة سريعة، وتلك الساعات قاتلة في بطئها وألمها، إلى أن تنقلب الأدوار، فسبحان الله. كل إنسان بداخلة عالم صغير، هو الحقيقة التي تتجلى أمامه، ولكن عليه أن يعي ويعلم بأنها جزء متناهٍ في الصغر من عالم كبير يلفه الواقع بكل ما فيه، يخالف قوانينه وعاداته ودستور حياته، فلا يجعل نفسه حبيس الاستغراب أو التعجب، لأن العالم بما يحتويه من مجهول هو قابل للتحقق، فكل شيء محتمل لأن عينيك ترى كل الألوان، فكن مستعداً دائماً. صالح خليفة الدهاش - الجوف [email protected]