أسعد كلمة يحب أن يسمعها خريجو وخريجات الجامعة بعد انتهاء دراستهم، هي كلمة"مبروك جاتك وظيفة"، وهذه الكلمة لها مدلولات كثيرة، وتحمل في معناها الكثير من المفاهيم، فهي تعني أن ثمرة الدراسة لسنوات طويلة أسفرت عن وظيفة في التخصص نفسه، وتعني أيضاً حاجة سوق العمل إلى كفاءات وطنية، كما تعني أن سنوات الدراسة في الجامعة لم تكن للتسلية أو تضييع الوقت، بل من أجل أن يظفر الخريج بوظيفة محترمة تتناسب مع دراسته وتأهيله العلمي، وأيضاً تعني أن التعاون الكبير بين قطاع التعليم العالي وقطاع العمل، سواء الخاص أو الحكومي، وصل لمراحل متقدمة ومتطورة، ولا يحتاج خريج الجامعة إلى أن يضع شهادة تخرجه تحت وسادته لينام ويحلم بالوظيفة، وينتظر أن تتكرم عليه الشركات والمؤسسات، ويتبرع له صندوق الموارد البشرية، لتتقاسم مع الشركات راتب الموظف الجامعي، وكأن الوظيفة أصبحت من أعمال الصدقات، وإخراج الزكاة، تحت مسميات مختلفة. احتياج سوق العمل مع مخرجات التعليم لا تزال تعمل في اتجاهين متعاكسين، لم تسفر برامج ومهرجانات التوظيف التي تقام في الجامعات عن نتائج إيجابية، فلا يزال الوافد الأجنبي أو العربي مطلوب في ظل أسباب عدة من أهمها تدني الرواتب وقلة المميزات. إذا كانت فرحة الأسرة اليوم بتخرج ابنها أو ابنتها بعد جهد مضنٍ وسنوات ليست قليلة، فالفرحة لن تكتمل إلا بمشاهدة هذا النجاح وقد تحول إلى وظيفة وعمل، ويتساوى فيها حامل الشهادة والدرجة العلمية، وبين شخص آخر لا يحمل أي شهادة ويتساوى في الراتب معه، وهذا في الحقيقة ظلم اجتماعي كبير يمارسه الكثيرون من أصحاب الشركات والمؤسسات، حينما يعرضون رواتب متدنية على الخريج. هذا التجاهل وهذا الأسلوب التطفيشي من بداية الحياة العملية، في الواقع يحتاج إلى دراسة متأنية لواقع سوق العمل، خصوصاً مع حملة التخصصات العلمية والكفاءات النادرة، فمن غير المعقول أن تحصل الشركات على دعم حكومي وقروض ميسرة لتتوسع في مشاريعها، ولا تسمح بتحقيق النسب المطلوبة ل"السعودة"، وإن حدث وأتاحت الفرصة للعمل، فإنها تمارس معهم أبشع أنواع التطفيش والتعذيب النفسي وضياع فرص الترقيات، وتدني الرواتب، والفصل التعسفي وتحت مظلة"أن السعودي غير كفء"، وهذا الكلام غير صحيح، فهذا المفهوم الذي كان ظهر في عدد قليل من السنوات، انتهى وولى منذ زمن بعيد، بعد أن شعرت الأسر أن نسبة البطالة ترتفع لديها في المنزل، وحاجات الحياة ارتفعت، مع زيادة كلفة المعيشة، ومن أجل أن يستطيع الخريج أو الخريجة كسب رزق يسد حاجاتهم لجأوا إلى الوظائف المتدنية التي لا تتوافق مع تخصصاتهم، إلا أن هذا الأمر طال وأصبحت النظرة لدى الخريجين سوداوية بالنسبة لسوق العمل. يجب أن نعترف أن هناك خللاً كبيراً ويحتاج سرعة المعالجة، فهناك من يقول إن ال 70 ألف طالب الذين ابتعثوا، سوف يزاحمون خريجي الجامعات ويزيدون من تفاقم مشكلة البطالة، وهذا الكلام لم أقله أنا، بل قاله مدير جامعة الملك سعود العام الماضي، ما يعني أن"تسونامي"البطالة الجامعية لم يأتِ بعد، فهل يمكن أن يخبرنا المسؤولون في الجامعات وقطاع التوظيف عن الاستعداد لتلك المرحلة. قرأت رسالة لأحد الخريجين يصف بعض الأخطاء التي تقع فيها الجامعات وتنتج عنها مشكلات اجتماعية، من أهمها، أن الجامعات أصبحت سبباًً رئيساً من أسباب البطالة للجنسين لأنها تخرج أعداداً هائلة من الخريجين كل عام في تخصصات غير مطلوبة في سوق العمل، بينما خريجو التخصصات يعانون من البطالة وبعضهم قضى أكثر من ست سنوات على أمل وجود وظيفة محترمة. ويقول أيضاً إن الطالبة أو الطالب الجديد الذي يرغب في التقديم لإحدى الجامعات السعودية، يعاني من عدم وجود قسم خاص بالتوجيه والإرشاد داخل الجامعات، ومن أبرز مهام هذا القسم أن يبين للطلاب الجدد الكليات الموجودة بالجامعة، والأقسام في كل كلية، والتخصصات الموجودة ومدة الدراسة، ويوجهون الطالب الجديد للتخصصات المناسبة له، بحسب ميوله وتوجهاته. أما النقطة الأهم - كما يقول الطالب الخريج - هو القبول العشوائي، مثلاً يتقدم الطالب الجديد للجامعة طالباً الالتحاق بكلية التربية ويتم قبوله، ولكن في كلية الزراعة، فهل يعقل ذلك؟ وقد يمضي الطالب عاماً كاملاً تضيع عليه سدى قبل أن يحول إلى الكلية التي يرغب بها، طبعاً هذا كان بعض ما يفكر به الطالب والطالبة الخريج، هناك الكثير من المعوقات والمشكلات التي تواجه خريجي الجامعات. أسوق هذا الكلام، وقد بدأ الناس ينظرون إلى وزير العمل الجديد المهندس عادل فقيه، الذي أخذ وقتاً كافياً للبحث في معضلات التوظيف، وشكل لجاناً وفرق عمل لمساعدته، واستغرب أن الوزير كثف لقاءاته مع القطاع الخاص، ولم يبادر إلى عمل حوارات ومقابلات مع الطلاب والطالبات لمعرفة المعوقات والأسباب، حتى يمكن حل المشكلة من جذورها، الناس تريد من وزير العمل أن يلتقي طلاب المعاهد المهنية وكليات التقنية، وطلاب الجامعات السنة النهائية، والناس تريد من الوزير أن يلتقي بعمادات شؤون الطلاب ورؤوساء الأقسام ليقف على المشكلة، إذا ما استمرت الحال هكذا في سوق العمل، فلا أستبعد أن تتحول احتفالات التخرج إلى مآتم للطم الخدود وخيبة التخرج، فالوظيفة لها طعم آخر. * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected]