يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي صدق الله العظيم... بهذه الآيات الكريمة أبدأ رثاء جارٍ وأخ وصديق وحبيب رحل عن دنيانا تاركاً خلفه إرثاً عظيماً من حسن الأخلاق وطيبة القلب وصفاء النفس ووجهاً مبتسماً، هذا الإرث نادراً ما يخلفه أحد على وجه هذه البسيطة، فهنيئاً لك أيها الحبيب فقد وهبك الله كرماً لا يجاريك أحد، ومنحك حلماً قل أن يوجد، وزرع فيك الرحمة في قلبك تجاه حتى من يسيء إليك، وأنت لست فقط مسلماً لكنك أيضاً مؤمن. في يوم الخميس"5 ذي الحجة"وقع علي خبر رحيله كالصاعقة فلم أعد أستطيع أن أسمع إلا صوته وضحكته، ولم أعد أشعر إلا بابتسامته ودفء قلبه، نعم رحل"عماد ضبان"بجسده عنا، لكن ستبقى روحه وطيبة قلبه وأخلاقه معنا مدى الحياة. لقد أحسست أنه من واجبي أن أشكره في مماته، إذ لم تسنح لي الفرصة أن أشكره في حياته. اسمحوا لي أن أصف علاقتي معه من البداية، وسأبدأ من الجار، إذ تفتحت عيناي في إحدى العمارات في شارع السويلم، وكان جارنا هو وعائلته الكريمة، وكانت صلة القرابة بيننا سبباً آخر في توطيد علاقتي معه، على رغم أنه يكبرني بسنين قليلة، لكنه لم يشعرني بهذا الفرق، ترعرعنا معاً وكبرنا معاً، فلم أكن آراه يوماً عصبياً، ولم أسمع منه لحظة قولاً سيئاً فكان عطوفاً على الصغار وموقراً الكبار . مضت الأيام والشهور والسنون ونحن في بناية واحدة إلى أن جاءت تلك الأيام التي فرقتنا مكاناً فقط لكنها لم تفرقنا جسداً وروحاً، وبقيت علاقتنا مستمرة على رغم مشاغل الحياة والدراسة التي أبعدتنا قليلاً، هذا هو عماد ضبان الجار، الذي تحول بعد ذلك الى الأخ الحنون الطيب المتسامح المبتسم دائماً الذي لا يتوانى عن تقديم المساعدة أو المشورة بكل ما يستطيع، فكانت كلماته ونصائحه بلسماً يداوي جراح مراهقتنا، واتخذته بعد ذلك صديقاً، فهو من ينطبق عليه الصديق الصدوق، نعم فالصديق من صدقك ودلك على سيئاتك قبل حسناتك، كم من الأيام كان يمسك بيدي ليعبر بي الشارع خوفاً علي من غدر الطريق، وكم هي تلك اللحظات التي كان يحملني فيها على كتفيه، وكم هي تلك الملاعب أو الحارات الضيقة التي لعبنا فيها كرة القدم جنباً الى جنب، لحظات لن تنسى أبداً ما حييت، وبعد كل هذا كان لا بد أن أتخذه حبيباً، فكان نعم الجار الذي يخاف على جاره، ونعم الأخ الذي يعطف على أخيه الأصغر، ونعم الصديق الذي كان يصدقنا القول، والآن هو نعم الحبيب الذي لن تفارق ابتسامته العذبة أبداً مخيلتي. بالتأكيد هناك الكثير ممن يحبونه ولهم معه ذكريات جميلة، لكن ذكرياتي معه تختلف عن غيري، كنت أراه من حين لآخر، وكنت أعلم بمرضه وعلى رغم ذلك لم يكن أبداً يُشعِر من حوله بأنينه الصامت، فكان بقدرة فائقة يستطيع أن يحول الأنين إلى ابتسامة، والألم إلى ضحكات ينثرها هنا وهناك، وهو الوحيد بعد الله الذي أخذ بيدي الى طريق الصحافة المقروءة، ولن أخفيكم سراً إذا قلت أني كنت أبعث له عبر بريده الإلكتروني بمقالاتي فكان السبب المباشر لنشرها. هذا هو عماد ضبان الإنسان والجار والأخ والصديق والحبيب، فرحمك الله أبا أحمد رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته وألهم أهلك وذويك وأقرباءك وأحبابك الصبر والسلوان، وهنيئا لك أبا أحمد فرحيلك جاء في أفضل الأيام عند الله، ولأني أعلم معدنه الأصيل فأنا على يقين أنه كان ينوي آداء فريضة حج هذا العام لكن الأجل لم يمهله طويلاً، لكن النية قائمة، فهنيئاً لك بموت أعادك كيوم ولدتك أمك، فصبراً أم عماد فابنك برفقة الأنبياء إن شاء الله، وصبراً الأخت أم أحمد زوجة عماد، فزوجك بصبحة الشهداء، وصبراً إخوانه وأقرباؤه وأحبابه إنه مع الصالحين، والصبر لي، فحبيبي بقلبي لم ولن يغادره أبداً. عائد عكيلة - الرياض [email protected]