في ذلك البلد المتعب والمنهك جراء حالة الفوضى التي يعيشها منذ زمن بعيد، باتت القرصنة الآن موضة الأجيال الجديدة من الشباب، الذين تجرعوا كؤوس المرارة بسبب تعاقب فشل التجارب السياسية"إسلامييها ومدنييها ووطنييها"، ووفقاً لتقارير غربية فإن"موضة القرصنة"باتت تتعاظم في عاصمة إقليم بونتلاند"جاروي"، وأخذت تكتسب شرعيتها بسبب التغيير السريع الذي تحدثه على المشتغلين بها، حيث المنازل الفارهة، والارتباط بأجمل الفتيات، وشراء الولاءات والذمم في بلد مثقل بالمآسي، يعتمد أغلب سكانه على المعونات الغذائية على مدى ما يزيد على 17 عاماً من الشقاء والحروب الأهلية. من الواضح أن موضة"القرصنة"لم تعد نزوة عابرة في الصومال، فالجميع يتحدث بنشوة لمراسلي محطات التلفزة والصحافة عن مجموعات عريضة من الشباب"التكنوقراط"، وجنود في البحرية، وأعضاء في ميليشيات أهلية، يُكونون أحلافاً قائمة على تبادل المصالح المالية لتعزيز نشاط"القرصنة"، وطبقاً لتقرير مركز"تشاتهام هاوس"البريطاني فإن ثلاثين مليون دولار على الأقل هي الحصيلة التقديرية لعمليات الفدية التي يدفعها ملاك السفن، مما حدا بالقراصنة لتعزيز مواقعهم بشراء المزيد من الأسلحة،"الوافرة"بالطبع في السوق اليمنية وفي العاصمة مقديشو، وبالطبع في وضعيات مالية مريحة من السهل التكهن بباقي الخطوات اللوجستية، من تحويل الأموال وتبييضها، واستقطاب الكفاءات في سبيل التحول من"القرصنة"كهواية وموضة إلى مهنة راسخة. ما يحدث الآن في الصومال هو تحول طبيعي لحالة"الفراغ"التي تم خلقها منذ سنوات، فعلى رغم الإطاحة بالمحاكم الشرعية لم يتم أي تقدم يذكر في خلق نظام بديل قوي وجاد يمتلك الشرعية على الأرض وليس في مقاعد مؤتمرات المصالحة الهشة، فمثل هذا النظام هو الوحيد القادر على توفير الحد الأدنى من السلم والأمن الأهلي. وما يبعث على القلق الآن، أكثر مما مضى، أن تتوسع خريطة التحالفات بين القراصنة وربما الجماعات الإرهابية المتطرفة، الأمر الذي سيخلق بنية تحتية مرعبة تساعد على مركزية"التطرف"في الصومال، وربما تحوله إلى بلد مغرٍ لتدفق مئات المقاتلين الأجانب عبر الحدود. وإذا كانت أزمة"القراصنة"الآن بحاجة إلى تدخل سريع وحاسم لإيقاف حالة النشوة لدى تلك المجموعات، التي بدأت"تتعملق"على السواحل الصومالة، فإن على المجتمع الدولي أن يفكر بشكل جدي وصادق في استراتيجية مغايرة للتعامل مع الأوضاع في الصومال، من خلال إعادة تقييم لبرامج التوافق والمصالحة السياسية بين النخب المتصارعة، وتمكين برامج الإغاثة والمساعدات المادية التي تساعد على تحسين مستوى المعيشة، وإلا فإننا بإزاء جبهة جديدة لتصدير الأزمات للخارج، وهي الوسيلة الأبرز التي تستخدمها البلدان المنكوبة للفت النظر إليها. [email protected]