تكفّل جريان المياه في وادي الرمة لأسبوع فقط بتغيير البيئة الصحراوية التي تعرف بها القصيم إلى"بيئة مائية"، وجد لها القصيميون ما يناسبها من مصطلحات إشارة، أطلقوها على التضاريس الجديدة و"الموقتة"، مصطلحات لم تكن يوماً لتخطر على بال أحدهم، حتى عند أوسعهم خيالاً! استحلال مياه الوادي المتدفقة بغزارة لمساحات شاسعة من أطراف صحراء النفود، التي تضم المنطقة ضمن حدودها، عبر روافد الوادي التي تتجاوز 300 رافد، صنع مناظر طبيعية جميلة وكوّن بيئة جديدة لم يألفها سكان المنطقة من قبل، ولم يعلمها منهم إلا من سافر إلى منطقة ساحلية. ولا يتوقف الأمر على منظر طبيعي أو مسطح مائي، أو خضرة تناثرت على سطح الأرض هنا وهناك، فالرطوبة أصبحت محسوسة في الجو الذي كانت علامته الأساسية الحرّ والجفاف. أثبت القصيميون قدرتهم على التكيف مع بيئتهم الموقتة، فخلقوا أسماء وألقاباً جديدة للأماكن"المتبدلة"، طعموها بمفردات البيئة البحرية كالشاطئ والساحل و"الهاف مون". وسط قبول واسع للمواليد الجدد، التي باتت حديث المجالس والمنتديات الإلكترونية، واستخدمت بين الموظفين في مواقع العمل أو أثناء الاتصالات الهاتفية. وعلى رغم معرفة السكان أن تجمعات المياه هذه ليست بحراً حقيقياً، فإن بعضهم اعتبر استخدام مثل هذه المصطلحات، محاولة يائسة للخروج من البيئة الصحراوية الجافة. في المقابل، شبه آخرون بحر القصيم الجديد ب"البحر الميت"، كون بحرهم"المزيف"لا تعيش فيه كائنات البحر المتعارف عليها، ولا تجري السفن والقوارب فوق سطحه، إضافة إلى عدم قدرتهم على السباحة والغوص فيه، لما يمثله ذلك من خطر على أرواحهم. وفي شقراء، أحالت الأمطار الغزيرة التي هطلت أخيراً على المحافظة 190 كلم شمال غربي الرياض روضة"العكرشية"إلى بحيرة كبيرة بلغت مساحتها 36 كيلومتراً مربعاً 9 كيلومترات طولاً و7 كيلومترات عرضاً. لكن اللافت أن"البحيرة الصحراوية"لم تجذب المتنزهين وهواة البراري فقط، بل هواة التجديف بالقوارب أيضاً، ونصبت الخيام على أطراف البحيرة نهاية الأسبوع، وغصت طرقاتها بالمتفرجين الذين شبهوا - شأنهم بذلك شأن سكان القصيم - شواطئها بشاطئ نصف القمر الشهير. وتقع روضة العكرشية التي تمتلئ عادة بمياه الأمطار والسيول في منطقة وسط بين نفود عريق البلدان غرباً وجبل طويق شرقاً، ما أضفى على موقعها تميزاً آخر يضاف إلى تميز الروضة بنباتاتها ذات الرائحة الزكية في أيام الربيع، إذ تصبح روضة غنّاء خضراء. ويؤكد إبراهيم الطويل أحد أبناء المنطقة أن البحيرة الموقتة أحالت الروضة القاحلة منذ سنوات إلى شواطئ تتلاطم أمواجها وكأنها شاطئ نصف القمر في المنطقة الشرقية. وسُميت الروضة ب"العكرشية"نسبة إلى نبات يكثر بها، كما تعرف أيضاً باسم"الحمادة"، وتستمد الروضة ماءها من أودية وشعاب عدة، تصب فيها من القرى والهجر المجاورة أشهرها واديا العيبة والنظيم، اللذان يسيلان من أعالي جبل طويق مروراً بالداهنة. وأوضح المواطن محمد السنيدي أن روضة العكرشية تحتفظ بمياه السيول لمدة تزيد عن الشهرين أحياناً، مضيفاً:"هذا الأمر أعطاها الميزة بأن تكون هي المتنفس والمزار الأكثر لدى سكان محافظة شقراء والمدن المجاورة من سدير والغاط والزلفي، كما يوجد من يأتي من أماكن أبعد، يجتذبهم ويغريهم منظر تلك البحيرة الخلاب وأمواجها التي تتسابق إلى رصيف الطريق الذي يقسمها إلى جزأين، شرقي وغربي".