غالباً ما يلوذ الإنسان بحضن المستقبل للفرار مما يقاسي من عذاب. يتأمل ويأمل، غداً سيكون أفضل،"بكره حتحلو"، لا بد للغيوم أن تنجلي. لو كان خليجياً سيقول لا بد لدرجات الحرارة أن تنخفض، ولا بد للغيوم أن تظهر وللسماء أن تمطر! الاختيار هو الأمل، والأمل لا يأتي إلا بهدوء النفس وسلامها، فكيف نحقق ذلك؟ سؤال وجهته إلى طبيب نفساني، فطلب مني أن أغمض عيني لفترة، ثم سألني أن أتخيل أنني في أجمل حديقة في العالم، فيها الزهور والطيور وشلالات الماء وجدول صغير، درجة حرارتها لا تتجاوز العشرين، والسماء صافية إلا من بعض الغيوم البيضاء المتناثرة. يا سلام... حديقة ولا أروع، فيها فواكه وعصائر وكل ما تشتهي النفس من أطايب الطعام. ثم سألني أن أعتبرها هي عالمي الخفي، وأن أسيجها وأحكم سياجها وأدعو إليها من الناس من ارتاح معهم فقط، وامنع ولا اسمح لكل من يزعجني بالدخول ولا حتى بتأشيرة دخول موقتة. إن هذه الحديقة هي نفسي، ممنوع الدخول على أي شخص يعبث بتاتاً، يقطف ورودها، ولا يُسقيها، ممنوع الدخول، انها نفسي... انها ذاتي.. انها مملكتي الخاصة التي تهدر بالمحبة والأسماك والأصداف واللآلئ. إنها لي! فكيف سأتصرف بها؟ وهكذا هي نفسك، إنها لك، إنها أنت! فكيف تسمح للناس أن يتعاملوا معك؟ والسؤال الأهم هو كيف تتصرف أنت معهم؟ هل تحترم نفسك ليحترموك؟ هل ترفع الكلفة معهم أكثر من اللازم؟ هل تمتنع عن السلوك غير اللائق بدافع ذاتي من داخلك؟ إنها نفسك التي تقدمها وأنت من تدعو الناس إلى أن يدخلوا عالمك وأنت من تمنعهم أيضاً. فكر كيف تُريد أن تُعامل. تصرف كنبيل والناس ستعاملك بالمثل، وتصرف كحقير والناس ستعاملك كذلك كائناً من كنت. إياك أن تفقد كرامتك. كن سامياً في أعمالك، شاهقاً في أفكارك، سيداً في حديقتك، وافرض رسومك على من سيدخل حديقتك وافرض قوانينك أيضاً. توقف عن النفاق والدجل والكذب. كن محترماً. كن صادقاً. تخل عن العلاقات العامة واتركها لموظفي الشركات والفنادق والبنوك. استبدل بها العلاقات الإنسانية الجادة المتزنة الجميلة. ابحث عن السعداء، عن المتزنين، عن المتعلمين الفعالين. إنها حديقتك فادع إليها من إذا أكرمته أكرمك، وإذا جالسته جالسك بالعقل والفكر والمعرفة. إنها نفسك. أعد إليها وزنها وتوازنها. لا الثقل ولا الخفة. الوسط الجميل. عزها تعزك، وليغلب عليك إيمانك بنفسك، فمن المحتمل أن يصير هذا التوجيه توجهاً لك وسمة جديدة في حياتك. تذكر أن كل ما في الداخل يشع إلى الخارج، فابدأ بحملة جديدة من داخلك، ازرع الحديقة وقلمها واسقها ونظفها، ودع من الآن وصاعداً من يستاهلك يدخل إليها، فقط من يستاهلك. خلف الزاوية قدمت حبي على صحن من الذهب وأنت تُمعن في الترحال والهرب تسعى إلى صور مني وأخيلة ما أنت إلا خيال عاش في الكتب [email protected]