تجوب الدوريات الأمنية المربعات المخصصة لها جيئةً وذهاباً، لتقوم بالمهام الموكلة إليها، وأحياناً بمهام لم توكل لها، ولكنهم يجدون أنفسهم مضطرين للقيام بها. يعملون ثماني ساعات، منها ستة في الميدان، وساعة تسبق العمل الميداني، وأخرى تعقبه. ينصبون نقاط التفتيش المفاجئة لضبط المشتبه فيهم، فيما بعضهم يؤدي أعمالهم بسرية تامة، ضمن الدوريات الأمنية، ويتعاملون مع كل القضايا الأمنية، فمن الجرائم الجنائية الصغيرة، مثل نشل حقائب المارة في الشوارع، إلى الأمنية الكبيرة، كالمساهمة في القبض على مطلوبين أمنياً متورطين في قضايا إرهابية، وأحياناً يتحولون إلى رجال مرور، ومسعفين."الحياة"رافقت الدوريات الأمنية خلال عملها في الدمام على مدار"استلام"كامل، وكانت البداية في مقر انطلاق الدوريات الأمنية، إذ يبدأ العمل في السادسة مساءً، ويستمر إلى الساعة 12 من منتصف الليل، لذا يجب على الجميع الوجود في مقر الانطلاق قبل ساعة على الأقل، أي في الخامسة، لحضور"الصفة"، التي تعني اصطفاف رجال الأمن، للتأكد من عدد الحضور، ومعرفة الغياب، واستلام كل رجل أمن سلاحه الرسمي، وهو رشاش من نوع"كلاشينكوف"، أما السلاح الشخصي فإنه يكون معه أساساً كعهدة. ويبدأ ضابط الميدان في إعطاء ملاحظاته على الاستلام السابق، وطرق تعديله، ثم يطلع أفراد الدوريات على التعاميم الجديدة، وعند حوالي الخامسة والنصف تبدأ الدوريات في مغادرة مقر الانطلاق، إلى مربعاتها الأمنية. ولا يسمح لها التزود بالوقود الآن، فوقت تعبئة الوقود يكون عند نهاية الاستلام، لتكون جاهزة في اليوم التالي للانطلاق، لذلك فمغادرتها تكون إلى مربعاتها مباشرة. وبعد نحو ربع ساعة يصبح عدد دوريات الأمن في المربعات مضاعفاً، فالدوريات التي سينتهي عملها بعد ربع ساعة، ما زالت في مربعاتها، ولا يسمح لها بمغادرته، إلا بعد وصول جميع الدوريات المستلمة، وتأكد ضابط الميدان من ذلك. عند السادسة ظهر النقيب حسن القحطاني، بعد أن تأكد من وصول جميع دورياته إلى مربعاتها، من خلال التواصل معها من طريق جهاز اللاسلكي، وطلب من العمليات محادثة ضابط الميدان الذي انتهت فترة استلامه، وكان الملازم أول عائض القحطاني، وإبلاغه أن"جميع دورياتي تمركزت في المربعات، وبإمكانك سحب دورياتك من الميدان"، فأعطى عائض القحطاني الإذن لدورياته بالانصراف. لتبدأ الدوريات بمسح مربعاتها، ومتابعة الحالة الأمنية، واستيقاف المشتبه فيهم، للتأكد من وضعهم. ورافقت"الحياة"الدوريات الأمنية، بعد أن قدم قائد دوريات الأمن في المنطقة الشرقية العقيد عبد العزيز الحوشان، وقائد دوريات الأمن في الدمام الرائد سعود بندر الدويش، كل التسهيلات اللازمة. ووضع الأخير سيارته المجهزة تحت تصرف"الحياة"، بقيادة سكرتيره الخاص الجندي أول طاهر حسين. أول البلاغات الواردة من غرفة العمليات، التي تتم باستخدام رموز لا يعرف معناها إلا أفراد الدوريات، كانت عن تعرض مقيم يمني للطعن على يد صديق له في منزله، وعلى الفور وجهت دورية مدينة العمال إلى مكان الحادثة، إذ ان الجاني هرب من الموقع، فيما تم نقل المصاب إلى المستشفى، وتحفظت الدورية على مسرح الجريمة، ومنعت الوصول إليه، وأبلغت معقب الفترة بتفاصيل الحادثة، الذي بدوره رفع تقريراً عبر اللاسلكي إلى ضابط الميدان، الذي وجه باستدعاء ضابط خفر شرطة جنوبالدمام، وإبلاغ المركز الموجود في إسعاف مستشفى الدمام المركزي، بمتابعة حالة المصاب وحراسته، حتى صدور تقرير الطبيب. ولم يلبث المصاب أن فارق الحياة، فتم تسجيل كل الوقائع في تقرير، يعد بعد نهاية كل بلاغ، وتُسلم صورة منه لضابط الخفر، بعد تسليم مسرح الجريمة له. في هذه الأثناء كانت بقية الدوريات التي تقوم بمسح مربعاتها تبحث أيضاً عن الجاني، إلى أن تم القبض عليه بعد وقت وجيز. وبعد أذان المغرب مباشرة العمليات توجه نداء إلى أحد المعقبين"إحدى الدوريات السرية رصدت حالة سرقة محل بنشر"، وبما أنها دورية سرية فهي تتولى نقل البلاغ ومتابعة الجناة لحين وصول الدورية الرسمية، وخلال أقل من خمس دقائق ألقت الدورية الرسمية القبض على اللصوص وجرى تسليمهم لشرطة شمال الدمام. وهكذا استمرت وتيرة البلاغات إلى انتهاء فترة استلام الدوريات. سوء التفاهم والنشل أكثر البلاغات لا تكاد تمضي عشر دقائق في الدمام من دون أن تقوم العمليات بتوجيه دورية إلى موضوع سوء تفاهم، ويعلق قائد دوريات الأمن في الدمام الرائد سعود الدويش على كثرة هذه النوعية من بلاغات، قائلاً:"المشكلة أن غالبية البلاغات تكون بخصوص أمور حقوقية، كاختلاف زبون مع صاحب محل، أو مرورية، كأن يبلغ رجل عن شخص أوقف سيارته أمام منزله، وهذه البلاغات ليست من اختصاص الدوريات، فهي تترك عملها لتقول للمبلغ: إذا أردت تقديم شكوى، فاذهب إلى ضابط خفر". وطالب الدويش الإعلام ب?"القيام بدوره التوعوي في هذا الجانب، لتخفيف الضغط على أفراد الدوريات"، مشيراً إلى أن"على المواطن والمقيم أن يعرفا الدور المناط بالدوريات، وما يخص الشرطة والمرور والجوازات"، مضيفاً"المشكلة أننا لا نستطيع أن نرفض تلقي البلاغ، خشية أن يتطور الأمر، وتتحول القضية من حقوقية أو مرورية إلى جنائية". في حال وقوع أي سوء فهم يكون مكان المدعى عليه معروفاً، فعلى المبلغ التوجه لضابط الخفر أو الجهة التي يتبعها الخلاف، بدلاً من إضاعة وقته ووقت الدورية. ويؤكد الدويش أن"العاملين في استقبال البلاغات في غرفة العمليات، يحاولون إقناع المبلغ بذلك، إلا أن بعضهم لا يقتنع، إلا بحضور الدورية". وعلى رغم رفض قائد الدوريات الأمنية في المنطقة الشرقية وقائد دوريات الدمام إعطاء أي إحصاءات، بحجة"منعها من وزارة الداخلية"، إلا أن"الحياة"حصلت على تأكيد بارتفاع نسبة بلاغات سوء التفاهم، والاشتباك بالأيدي، بعد أن رفعت نسخاً من تقريرها الإحصائي إلى إمارة المنطقة الشرقية وشرطتها، إذ بلغ عدد البلاغات خلال عام 1427ه، نحو 8550 بلاغاً في الدمام وحدها، وشكلت نسبة 38 في المئة من مجموع البلاغات التي باشرتها الدوريات. وتأتي في الدرجة الثانية لناحية الكثرة، بلاغات النشل، التي تتم من طريق بعض أصحاب الدراجات النارية، إذ يقومون بخطف الجوالات والحقائب وما في جيوب الضحايا، ثم يفرون سريعاً داخل الأحياء والشوارع الضيقة، وعلى رغم التعاون بين الدوريات الأمنية الرسمية والسرية في ملاحقة أصحاب الدراجات والقبض عليهم، إلا أن كثرتهم واحترافهم، وقدوم البعض منهم من خارج الدمام، يجعل من القضاء على هذه الظاهرة أمراً تشوبه الصعوبة. وألقى بعض الضحايا اللوم على لائحة الإجراءات الجزائية، التي تسمح بخروج الجاني بكفالة، ليعود لممارسة النشل ربما في اليوم الذي خرج فيه. أكثر الموظفين عملاً على رغم أن أفراد الدوريات الأمنية لا تقل فترة عملهم عن ثماني ساعات في مقابل 24 ساعة راحة، بل أنها قد تمتد إلى عشر ساعات أو أكثر في بعض الأحيان، وعلى رغم أنهم لا يتمتعون بيومي الخميس والجمعة كإجازة، إلا أنهم لا يطالبون إلا بتقدير عملهم، وما يقومون به. ويقول أحد أفراد الدوريات:"نحن لا نعمل ست ساعات، كما يعتقد البعض، فنحن نحضر قبل موعد الاستلام بساعة، وننصرف بعده إلى مقر الانطلاق، لإيقاف الدورية، ما يعني ان عملنا المعتاد يربو على ثماني ساعات، وقد يصل إلى عشر أو أكثر من ذلك، إذا كان هناك ما يستدعي ذلك"، مضيفاً"نحن سعداء بالقيام على أمن المواطنين والمقيمين، ولا نطلب إلا أن يقدر الناس ما نقوم به من أجل الوطن وأجلهم". ويقول آخر:"يعمل موظفو الدولة في القطاعات الأخرى نحو 40 ساعة في الأسبوع، ويتمتعون بإجازة يومي الخميس والجمعة، أما نحن فلا تقل ساعات عملنا عنهم، بل إنها قد تزيد، ولا نحصل على يومي الإجازة الأسبوعية، إضافة إلى تغير وقت عملنا، إذ نستلم الميدان في اليوم التالي في الوقت ذاته الذي تركناه بالأمس"، مضيفاً"نحن نعمل في يوم صباحاً، وفي اليوم التالي ظهراً، والذي يليه مساءً، وفي اليوم الرابع في منتصف الليل، ثم نعود، ما يجعلنا نعيش حال من عدم الاستقرار النفسي، إذ تتغير مواعيد نومنا يومياً، وارتباطاتنا الأسرية". ويذكر"لم نشتك من هذا، ورجل الأمن همه الأول الأمن، ولم أضع المقارنة للمطالبة بتخفيف العمل، ولكن هناك من يأتي، ويقول: أنتم تعملون ست ساعات، وتنامون يوماً كاملاً". فرق التفتيش المفاجئ أسس فرق التفتيش المفاجئ ووضع قواعد عملها، قائد دوريات الدمام الرائد سعود الدويش، بعد استلامه منصبه، ويختص عمل الفرقة بتنظيم نقاط تفتيش مفاجئة، وتقوم بتفتيش السيارات والأشخاص الذين تشتبه فيهم تفتيشاً دقيقاً، وتختار الفرقة مواقعها بعناية، وتحرص على أن يكون الموقع لا يسمح للسيارة التي تسلك طريق الفرقة بالعودة، وإذا لم تتوافر المواصفات في الطريق"فإن وجود دوريتين متعاكستين في الاتجاه كفيل باللحاق بالسيارة التي تحاول العودة، إما بعكس الطريق أو الاستدارة، إذا كان الطريق يسمح بالذهاب والإياب، ويتم اختيار أفراد الفرقة بعناية فائقة، كي لا تمر عليهم حيل المحتالين، إذ يتوافر فيهم حس أمني وفراسة عالية، تشهد عليها كثرة ما تم ضبطه من ممنوعات خلال الفترة الماضية. وتوقفت"الحياة"مع أفراد الفرقة التي اختارت أحد شوارع حي القزاز مكاناً لنقطة التفتيش، واختير المكان في شارع يتفاجأ الآتي من شارع الملك خالد عند دخوله، بالنقطة، وكان أول الضحايا مقيم سوداني، استوقف وطلب منه النزول، وبدأ أفراد الفرقة بتفتيش السيارة وتفتيش المقيم، وعثر داخل سيارته على مواد مخدرة، كانت مخبأة تحت مقعده. ولم تكد الفرقة تنتهي من المقيم، حتى كانت الضحية الثانية في الانتظار، امرأتين من جنسية أفريقية، بدا الارتباك واضحاً في عينيهما، وبتفتيش أغراضهما عثر فيها على عدد من الهواتف الجوالة، وعدد كبير من الحبوب التي يشتبه في كونها مخدرة. أما الفرقة الأخرى فكانت في كورنيش الدمام، بعد دوار حي الشاطئ، على امتداد طريق الأمير محمد بن فهد. ولا يسمح الطريق بالعودة، ولا يمكن للآتي رؤية الدوريات إلا بعد الاستمرار في الطريق، وكان أول ضحايا الفرقة الثانية شاباً سعودياً، عثر في حوزته على حشيش، فألقي القبض عليه، وسلم لمكافحة المخدرات، وبعدها بفترة قصيرة كانت أوراق نبات القات بين أيدي أفراد الفرقة، بعد استيقاف سيارة وتفتيشها. وما حققته الفرقة كان محل تقدير عدد من المواطنين والمقيمين، الذين التقت بهم"الحياة"في موقع التفتيش، وطالبوا ب"تعميم الفكرة على بقية المحافظات والمناطق"، بعد أن أثبتت جدواها، واستطاعت الإيقاع بكثير من المروجين، على رغم قصر عمرها، الذي لا يتجاوز ستة أشهر". الدوريات السرية وعلى رغم ان الدوريات السرية هي دوريات أمنية، إلا أن أفرادها يرتدون زياً مدنياً كأي مواطن أو مقيم، ويؤدون عملهم أيضاً في سيارات مدنية لا تختلف عن أي سيارة أخرى تسير في الشارع، ويحمل أفرادها أجهزة اتصال لاسلكية تبث على شبكة الدوريات ذاتها. ولم يسمح ل?"الحياة"بمعرفتهم، أو الالتقاء بهم. واكتفى قائد دوريات الأمن في الدمام الرائد سعود الدويش، بشرح جزء من عملهم، قائلاً:"هي دوريات مدنية، وأفرادها رجال أمن عسكريون، بيد أنهم يرتدون زياً مدنياً"، مضيفاً"تقوم الدوريات السرية بمتابعة الأحياء والأماكن التجارية واللصوص عند مغادرتهم الموقع، والسيارات المطلوبة والمطلوبين، وكل الأعمال الأمنية، باستثناء أن أفرادها لا يقبضون عليهم، وإنما يقومون بإبلاغ الدوريات الرسمية، ويستمرون في متابعة الحالة، لحين وصول الدورية، والقبض على الجناة". وشهدت"الحياة"أثناء مرافقة الدوريات كيف كانت تقوم إحدى الدوريات السرية بتعقب أصحاب الدراجات النارية، الذين يقومون بنشل المارة من دون علمهم، وبلغت الدوريات الأمنية بتحركاتهم، والطريق الذي يسلكونه، إلى أن تم خلال فترة الاستلام التي امتدت ست ساعات، القبض على ما يزيد على أربع دراجات مع راكبيها، بعد قيامهم بنشل مارة في شوارع الدمام. نظام العمل تعمل الدوريات الأمنية بنظام"الورديات"، وتمتد فترة استلام الميدان لمدة ست ساعات، بخلاف الساعة التي تسبق استلام الميدان، والساعة التي تليه، إذ تنطلق الدورية بعد انتهاء الاستلام إلى محطة الوقود، لتكون جاهزة في اليوم التالي للانطلاق، ويمنح أفراد الدوريات راحة لمدة 24 ساعة، تبدأ من تسليمهم الميدان، ويتسلم أفراد الوردية عملهم في اليوم التالي في الوقت الذي يسلمون فيه الميدان إلى الوردية التالية، إلا أن لدى الدوريات نظاماً محفزاً يمنح رجل الأمن إجازة تتراوح في العادة بين يومين وثلاثة أيام، وقد تزيد، ويمنحها ضابط الميدان أو مسؤولو الدوريات، وتعرف باسم"التعدية"، ويقابل نظام الحفز نظام عقابي لكل مقصر، إذ يحق لضابط الميدان عقاب أي رجل أمن مقصر، بمنعه من التسليم، ويبقى مع الوردية المستلمة حتى انتهاء الساعات التي يحددها، ويعرف هذا النظام ب?"التطبيق"، إضافة إلى عقوبات إدارية أكبر، في حال كان التقصير كبيراً أو مضراً. الدورية المميزة تتشابه جميع الدوريات الأمنية في الشكل الخارجي، ولا يمكن التفريق بينها، إلا من طريق رقم اللوحة، عدا دورية واحدة يستطيع من يشاهدها مرة أخرى أن يعرفها، إنها دورية ضابط ميدان الدمام الملازم أول طارق الكليب، وهي من نوع"فورد"، الملفت في الدورية التظليل الموجود على الزجاج وعبارة"المواطن رجل الأمن الأول"المكتوبة على زجاج الراكب الخلفي من جانب الدورية، إضافة إلى الأنوار الملونة الموجودة على الزجاج ذاته، التي تحمل الألوان ذاتها الموجودة في أعلى الدوريات الأمنية، والإطارات الفضية للدورية. أما داخل الدورية فهي مجهزة بحاسب آلي موصول بطابعة، يتم من خلالها طباعة الملاحظات والتقارير والمحاضر. وكشف الملازم طارق سبب اعتنائه بدوريته، قائلاً:"أنا أعمل فيها لأكثر من ثماني ساعات، وأنام ثماني ساعات أخرى، فهل تعتقد أنني أبقى في سيارتي الخاصة الساعات الثماني المتبقية من اليوم؟!". وعن العبارة التي كتبت على الدورية قال:"العبارة ليست من تأليفي، فهي عبارة وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز، ووضعتها لأنني مؤمن بما تحمله من معانٍ". "تقاعس"الجهات الأخرى يُحوّلهم إلى "سائقي أجرة" أصبح أمراً معتاداً أن يتقمص رجل الدورية الأمنية شخصية رجل المرور فيباشر حادثة مرورية، تاركاً مربعه الأمني فارغاً، خشية أن يتسبب أطراف الحادثة في عراك، أو حدوث ما لا تحمد عواقبه، أو يبقى في حراسة السيارات المصدومة، إذا نقل ركابها إلى المستشفى، لتلقي العلاج، حتى وصول دوريات المرور، التي قد تحتاج إلى ساعة أو أكثر لمباشرة الحالة. وتلقت الدوريات الأمنية أثناء مرافقة"الحياة"بلاغاً عن عطل إشارة ضوئية قريبة من مرور الدمام، فاتجهت الدورية إلى الموقع لتنظيم السير، وضمان عدم حدوث فوضى، إلى أن يصل أفراد المرور، الذين لا تفصلهم عن موقع الإشارة سوى أمتار. وتضطر الدورية الأمنية لمباشرة مواقع التفحيط وتفريق الشبان، خصوصاً في كورنيش الدمام الذي يمارس فيه التفحيط في شكل شبه يومي، على حساب مربعاتها الأمنية، في ظل غياب تام لدوريات المرور. وليس العمل المروري العبء الوحيد الذي تقوم به الدوريات الأمنية، فهي تقوم بدور دوريات الجوازات الغائبة تماماً عن الساحة، فتلقي القبض على المخالفين لنظام الإقامة والمتخلفين، لتبدأ معهم رحلة معاناة تستمر ساعات، بين رفض الجهة المختصة كجوازات المنطقة الشرقية تسلمهم، إلى رفض ضابط الخفر في أقسام الشرطة قبولهم. ويشبه أفراد الدوريات الأمنية أحياناً"سائقي الأجرة"، حين يقومون بتوصيل المقبوض عليهم، من جانب دوريات أمن الطرق إلى جهات الاختصاص، لتعود حلقة المعاناة مع الجهات المختصة من جديد، ولا ينتهي الأمر بقيام الدوريات بعمل قطاعات أخرى مثل مكافحة التسول والمخدرات، فما يزال في قائمة دوريات الأمن خدمات مساندة، كمساندة دوريات المواكب عند مرور موكب رسمي، أو مساندة الدفاع المدني في حال الحرائق والانهيارات، لتسهيل عمل جهات الاختصاص، ومنع المتجمهرين عن إعاقة العمل. يراقبون المُخالفات لمنع الجريمة... و"التعقيب"يرصدهم تتبع الدوريات مفهوم الأمن الوقائي، الذي يحرص على منع الجريمة قبل وقوعها. وتتنوع الجريمة في إجراءات الدوريات، بدءاً في الاشتباه، إذ تحرص على إيقاف الذين تشتبه فيهم، خصوصاً المتجولين بالقرب من المحال التجارية بعد منتصف الليل، وتقوم بتسليمهم لأقسام الشرطة عند وجود أدنى نسبة اشتباه، كما تحرص على متابعة المحال التي لا تحمل تصريحاً بالعمل بعد منتصف الليل، إضافةً إلى متابعة المحال المغلقة، خصوصاً البعيدة عن المناطق العامة، كأحياء الفيصلية والخالدية والخضرية وأحياء أخرى. ولا ينحصر العمل الوقائي عند منتصف الليل، بل تمارسه الدوريات في جميع الأوقات، كما في مخالفة السيارات التي يتركها أصحابها في وضع التشغيل عند نزولهم إلى المحال التجارية. وعلل ضابط ميدان الدمام الملازم أول عائض القحطاني، تسجيل المخالفات لأصحاب السيارات، بأن"تركها في وضع التشغيل يجعلها عرضةً للسرقة"، مضيفاً"كثير من السيارات سُرقت بهذه الطريقة، فكان لا بد من مخالفتها، حتى يرتدع أصحابها، ولا يحملونا مستقبلاً عبء البحث عن سياراتهم، بسبب إهمالهم". وإذا كان منسوبو الدوريات يراقبون مخالفات الآخرين، فإن هناك من يراقب مخالفاتهم من خلال نظام"التعقيب"، وهو مصطلح عسكري شائع الاستخدام بين رجال الدوريات، ويعني الزيارة المفاجئة للمسؤول لمقر العمل خارج وقت الدوام الرسمي. ويهدف، كما يقول مدير العمليات الرئيسة في الدمام العقيد راشد الحديثي، إلى"التأكد من وجود جميع العاملين في مواقعهم، وسير العمل في الصورة الصحيحة". وتظهر أهمية التعقيب في غرفة العمليات أكثر من الميدان، نظراً لوجود أفراد الدوريات على الأجهزة، كما أن ترك المربع للدورية الأمنية يعد أمراً سهل الاكتشاف، أكثر منه في غرفة العمليات، التي قد لا يكتشف خروج أحد من العاملين فيها، إلا في حال حضور المسؤول شخصياً إلى مقر العمليات. ويعد التعقيب من المهام التي يمارسها الضباط في شكل روتيني ومفاجئ على صعيدي الميدان وغرفة العمليات، ويظهر في صورة أوضح في الدوريات الأمنية، إذ أن جميع المسؤولين عن الدوريات يحملون معهم أجهزة شخصية، تمكنهم من متابعة الميدان حتى وهم في منازلهم، وظهر أثناء مرافقة"الحياة"الدوريات الأمنية على شبكة الدوريات قائد الدوريات الأمنية في المنطقة الشرقية العقيد عبد العزيز الحوشان، ليتأكد من الحال الأمنية، وإعطاء التوجيهات لتعديل ما يراه من ملاحظات، كما ظهر بعده، ولأكثر من مرة، قائد دوريات الدمام الرائد سعود الدويش، للتعقيب ومتابعة الحال، وظهر أيضاً مساعده النقيب إبراهيم الحويل. وأكدت مصادر أمنية ظهور الدويش ومساعده في شكل يومي، خلال جميع الورديات الخمس، التي تغطي الدمام، ما اعتبرته المصادر"وجوداً على مدار الساعة"، خصوصاً أنه يظهر عند أي بلاغ مهم، ما يدل على وجوده بالقرب من الجهاز في شكل صامت. العمل الأمني لا يُغيِّب الحس الإنساني على رغم العمل المضني والمهام الكثيرة الموكلة للدوريات الأمنية، إلا أن الجانب الإنساني ومساعدة المحتاجين، تحتل مساحة كبيرة من عمل الدوريات، وفي حين رفضت مصادر أمنية إعطاء إحصائية عن هذه النوعية من الخدمات، التي قدمتها الدوريات خلال العام الماضي، إلا أنها أكدت أن"الخدمات الإنسانية احتلت مركزاً متقدماً في نسب الحالات التي باشرتها الدوريات الأمنية". وتتنوع الخدمات التي تقدمها الدوريات خلال عملها الميداني من مساعدة التائهين وكبار السن في الوصول إلى أماكنهم، إلى مساعدة الأطفال التائهين من ذويهم في أماكن التنزه والأحياء، مروراً بمساعدة أصحاب السيارات المتعطلة والعالقة في الرمال خارج المدينة، وسحبها، والمساعدة في تشغيلها، من خلال ما زودت به الدوريات من أسلاك توصيل ورافعات صغيرة لإصلاح حالات"البنشر". ولم يكن تقاطر أفراد الدوريات أكثر من مرة أمام بنك الدم لإسعاف حالة طارئة، بحاجة إلى نقل دم سريع، آخر الأعمال الإنسانية التي تقوم بها الدوريات، فما زال هناك الكثير من الخدمات التي يقدمها أفراد الدوريات بسعادة وفخر. وتلقت الدوريات الأمنية خلال مرافقة"الحياة"لها أكثر من ثلاثة طلبات للمساعدة، كان أولها بلاغاً من غرفة العمليات لإحدى دوريات غرب الدمام، عن وجود شخص علقت سيارته في الرمال، وكان الوقت بعد غروب الشمس مباشرة، فتوجهت الدورية إلى الموقع، وكان طالب المساعدة مواطناً خرج برفقة عائلته للتنزه، إلا أن سيارته علقت في الرمال، ولم يستطع تحريكها. فقامت الدورية، التي كانت من نوع"جيب"، بربط السيارة وسحبها، حتى تم إخراجها. وقدم المواطن شكره لرجال الأمن ل"مساعدتي، وسرعة تجاوبكم، على رغم أن مساعدتي ليست من صميم عملكم". بعدها بنحو ساعة أبلغ مرتادو الكورنيش العمليات عن وجود طفلة تائهة، ولم تمض دقائق إلا ودورية الأمن في الموقع. ولم تتجاوز الطفلة عامها الخامس، ولم تكف عن البكاء منذ أن وجدها المتنزهون، فحاول رجل الأمن تهدئتها، إلا أنها كانت تزيد من صراخها وبكائها، فلجأ إلى مداعبتها، أملاً في كسب ودها، وبدا أن محاولته ستنجح، إلا أنها وعلى رغم هدوئها، رفضت السماح لرجل الأمن بالاقتراب منها، وكانت في جوار الموقع"كافتيريا"، فاصطحبها إليها، وأحضر لها الحلوى والعصير، عندها اطمأنت الطفلة لرجل الأمن، وبدت هادئة. ولمح رجل الأمن، الذي أراد اصطحابها ربما للبحث عن ذويها في المواقع القريبة، أو تسليمها لمركز الشرطة، رجلاً من بعيد يحث خطاه نحو الدورية، فتوقف في انتظاره، عله يكون والد الطفلة، وصل الرجل وكان والدها فعلاً، وسرعان ما انطلقت نحوه ونسيت الحلوى التي قدمها لها رجل الأمن. وشكر الأب رجال الأمن، وأصر على أن يستضيفهم في يوم لا يوجد لديهم عمل فيه، ووعدوه خيراً وانصرفوا إلى مربعاتهم، لمتابعة عملهم الذي بقي عليه أقل من نصف الفترة، منذ بدئهم العمل.