رشحت رئاسة"مؤتمر ممثلي الأديان"ومقرها اليابان، المملكة العربية السعودية لإلقاء كلمة"المسلمين"في مؤتمرها العشرين، الذي ينعقد ابتداءً من اليوم الجمعة، بمشاركة ممثلين عن اليهودية والمسيحية والإسلام والبوذية. وأشار وكيل وزارة الشؤون الإسلامية المساعد الدكتور عبدالله بن فهد اللحيدان، الذي يترأس وفد السعودية إلى المؤتمر ويلقي كلمة المسلمين، إلى أن بلاده تلقت دعوة رسمية من أمانة المؤتمر في اليابان، وأرفقتها بجدول الفعاليات، الذي تضمن محاضرات وندوات عن"ما وراء حدود الأديان والأعراق والبلدان"ومنتدى حول"بناء السلام، ودور رجال الإيمان في حفظ البيئة في العالم، والكشف عن مشروع السلام العالمي، إلى جانب نماذج من صلوات كل ديانة". ويعد مؤتمر الأديان في اليابان الذي ينعقد كل خمس سنوات، واحداً من أقدم المؤسسات الدولية الناشطة في مجال التنسيق بين الأديان، وتفعيل نقاط الالتقاء بينها، لتوطيد العلاقات بين أتباع الديانات، والتضامن ضد كل ما يهددهم من الحروب والمآسي. وركزت كلمة المسلمين التي يلقيها اللحيدان اليوم في المؤتمر، وحصلت"الحياة"على نسخة منها، على حال الاضطراب التي يشهدها العالم، بسبب"اختلال كثير من المفاهيم التي يرتكز عليها سلام الإنسانية وبقاؤها". وتشير إلى ضرورة أن تنهض الأديان بدور يمكنها من تجسير الهوة بين الحضارات، وأتباع الديانات الذين يتفقون على قيم ومبادئ، تجعلهم"مؤهلين أكثر من غيرهم لتدارس الأسباب الحقيقية المحرضة على التطرف، وإشاعة ثقافة التسامح والتعايش والتعاون في مجتمعاتهم ومع المجتمعات الأخرى". وأكد أن المسلمين من واقع دينهم وتاريخهم الناصع بالتسامح والتعايش،"قادرون على الإسهام مرة أخرى في استقرار العالم وأمنه وسلامه". وفي ما يأتي نص الكلمة: "يعيش عالمنا اليوم اضطرابات ومشكلات عدة، حيث اختلت كثير من المفاهيم التي يرتكز عليها سلام الإنسانية وبقاؤها، وحلت الصراعات والحروب محل السلام والتعايش بين الأمم والثقافات، وتفنن الإنسان في ظلم أخيه الإنسان وتخريب البيئة. ويعود هذا الاختلال إلى التطرف بجميع أشكاله، سواءً كان مادياً أو عرقياً أو قومياً أو دينياً. ومن دون أدنى شك نستطيع القول إن أتباع الديانات هم المؤهلون أكثر من غيرهم لتدارس الأسباب الحقيقية المحرضة على التطرف، ومن ثم وضع المقترحات والتوصيات لمواجهتها والقضاء عليها. وإشاعة ثقافة التسامح والتعايش والتعاون في مجتمعاتهم ومع المجتمعات الأخرى. ويستطيع المسلمون من واقع دينهم ومن تاريخهم الناصع بالتسامح والتعايش أن يسهموا مرة أخرى في استقرار العالم وأمنه وسلامه، فقد بُعث نبي الرحمة والسلام محمد صلى الله عليه وسلم برسالة عالمية للبشرية جمعاء مخترقة حجب الزمان والمكان، وهذه الرسالة غير خاصة بلون أو بعرق معين، بل هي رسالة هدى للناس كافة عربيهم وأعجمهم، يقول الله تعالى:"وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"الأنبياء:107. وذلك لتعليم الناس عبادة الله الواحد الأحد ونشر رسالة السلام والتعايش السلمي للبشرية جمعاء، قال تعالى في القرآن الكريم:"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"الحجرات: 13. حيث ينبذ الإسلام العنصرية ويحاربها"لا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى"وقال الرسول صلى الله عليه وسلم"إن الله تعالى أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد"رواه مسلم. وكان للرسول صلى الله عليه وسلم أصحاب مقربون من بلاد فارس والروم وأفريقيا. كما يعلي الإسلام من شأن الإنسان بصفته إنساناً، وبصرف النظر عن عرقه ودينه ولونه قال الله تعالى:"ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير من خلقنا تفضيلاً"الإسراء: 70. ويروى أنه ذات مرة مرت جنازة لشخص على غير دين الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، فوقف لها عليه الصلاة والسلام، فقال له الناس"إنها جنازة يهودي"فقال عليه السلام:"أليست نفساً"ويذكر القرآن الكريم أن الله خلق آدم أبا البشر بيده ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة بالسجود له، وخلق له زوجاً من نفسه وجعل بينهما مودة ورحمة. وبما أن للإنسان هذه المكانة العالية فإن روحه وحياته محل اهتمام كبير في شريعة الإسلام، وقتل نفس واحدة بغير حق كأنه قتل للناس جميعاً، ومن أحيا هذه النفس فكأنما أحيا الناس جميعاً ومن أزهق روحاً متعمداً فجزاؤه جهنم يقول الله تعالى:"من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها كأنما أحيا الناس جميعاً"المائدة: 32. شاهد حي على بقاء التسامح ولا يعرف في تاريخ الفتوحات الإسلامية أنها أبادت شعوباً لتحل المسلمين محلهم، وكان من يرفض الدخول في الإسلام فإنه يعيش على دينه بدون أن يكره على تركه، يقول الله تعالى في القرآن:"لا إكراه في الدين"البقرة: 256. ويقول الله تعالى"أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"يونس: 99. واستمر وجود هذه الأقليات غير المسلمة بين المسلمين حتى عصرنا الحاضر، يقول توماس ارنولد في كتابه تاريخ الدعوة إلى الإسلام"إن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات مسلمة لشاهد على تسامح الإسلام"، ويضيف:"لما كان المسيحيون يعيشون في مجتمعهم آمنين على حياتهم وممتلكاتهم ناعمين بالتسامح الذي منحهم حرية التفكير تمتعوا بحالة من الرفاهية والرخاء في الأيام الأُول للخلافة"وتذكر هونكه في كتابها شمس الله تسطع على الغرب:"أن العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام، فالمسيحيون واليهود والزرادشتية الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة التعصب سُمِح لهم جميعاً تحت ظلال الإسلام بممارسة شعائرهم"، وكتب بطريارك القدس في القرن التاسع الميلادي يصف المسلمين قائلاً:"أنهم يمتازون بالعدل ولا يظلموننا البتة، وهم لا يستخدمون معنا أي عنف". إن الاختلاف في الأديان لا يحول دون البر والصلة والضيافة إذ يذكر الله تعالى في القرآن:"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين"الممتحنة: 8. ولم يثبت في تاريخ الإسلام أن المسلمين مارسوا الإكراه على الدين مع غير المسلمين. وحث الإسلام أتباعه على التسامح والرحمة لا يأتي ذلك فقط في أوقات السعة والرخاء، أو قاصر على زمن السلام، بل نجد الإسلام حتى في أعصب الأوقات التي تجيش فيها العواطف ويهيج السلوك يوصي أتباعه بالبعد عن الظلم وبضبط النفس وعدم التعدي: فهذا الخليفة الرابع للمسلمين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوصي جيوشه فيقول:"إذا هزمتموهم، فلا تقتلوا مدبراً، ولا تجهزوا على جريح، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثلوا بقتيل، ولا تهتكوا ستراً، ولا تدخلوا داراً إلا بإذن، ولا تأخذوا من أموالهم شيئاً، ولا تعذبوا النساء بأذى وإن شتمنكم وشتمن أمراءكم، واذكروا الله لعلكم ترحمون". التكافل بين الأغنياء والفقراء أيها الجمع الكريم: لقد اعتنى الإسلام بتحقيق التكافل بين الأغنياء والفقراء عناية شاملة ومتعددة الجوانب، فقد اهتم على سبيل المثال لا الحصر بقضايا توزيع الثروة عن طريق الزكاة والصدقة وأوجه البذل المتعددة التي يقدمها القادرون للفقراء والمساكين في أروع صور التكافل الاجتماعي، وهذا الإنفاق والعطاء يتم بتقبل إيجابي وبصورة رضائية بعيدة عن الإكراه والمصادرة والتأميم، يقول الله تعالى:"خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم"التوبة:103. ويقول الله تعالى:"لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون"آل عمران: 92. وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما"أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف"متفق عليه. ويقول الله تعالى:"ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة"الحشر: 9. ويقول تعالى:"ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً"الإنسان:8. وتمتد الواجبات المالية على الفرد القادر لتشمل النفقة على الوالدين والأقرباء إضافة إلى الزوجة والأبناء، في صورة مبادرات فردية تعضد عمل المؤسسات الرسمي. والإسلام يحارب الفقر ويسعى إلى تحقيق الكفاية والثراء من خلال خمس وسائل لخصها علماء الإسلام على النحو الآتي: تدبير الدولة للعمل لكل قادر عليه. الزكاة المفروضة بالمقادير الشرعية. واجبات التكافل الاجتماعي بين أبناء الأسرة والحي والمجتمع. حقوق الفقراء والمساكين خارج الزكاة الصدقات، فقد روى الترمذي عن فاطمة بنت قيس قالت: سئل النبي عن الزكاة فقال:"إن في المال حقاً سوى الزكاة، ثم تلا قوله تعالى:"ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة". حق الفقراء غير القادرين على العمل في بيت المال، وهذا يمثل واجب الدولة في تأمين حاجات غير القادرين هم وأسرهم. كل هذا وغيره يؤكد حرص الإسلام على قيمة الثراء الإيماني والأخلاقي والمادي معاً. وأنه يشترط ضوابط تحول دون الانحراف في تكديس الثروات أو توظيفها وإنفاقها". التعدد مقصد إسلامي لقد بين الإسلام أن تعدد الثقافات الإنسانية والبيئات الاجتماعية واختلاف الناس أمر من مقاصد الخلق ولحكمة ربانية، يقول الله تعالى:"ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم"هود:118-119. فالاختلاف في الدين أو العرق أو اللغة أو الثقافة يجب ألا يؤدي إلى الاقتتال، بل التنوع الثقافي من مقاصد التكامل والتعاون وتبادل الخبرات والأفكار. لقد أصبحت الثقافة الإسلامية غنية بفعل الاحتكاك بالشعوب الأخرى، وبرز علماء مسلمون من غير العرب في شتى العلوم والفنون، وفي حين قبلت شعوب عدة الإسلام إلا أنها احتفظت بلغاتها وكذلك بعاداتها وتقاليدها التي لا تخالف الإسلام، وإن كانت لا تتفق مع عادات شعوب إسلامية أخرى، وتلك هي رحابة الإسلام وسماحته التي ضمت الجميع، وأقامت مجتمع التعدد والتعايش الفعلي في الوقت ذاته. واعترف الإسلام منذ البداية بما لدى الآخرين من فضائل، فهذا رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم يقول: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. التعدي على حقوق الشعوب يؤجج "الإرهاب" شدد الدكتور عبدالله اللحيدان على أنه لابد من وقفة صادقة والاعتراف بأن انتهاكات القانون الدولي وحقوق الإنسان، والتعديات على حقوق الشعوب ومقدساتها، وعدم الانصياع لقرارات الأممالمتحدة، تشجع بل تخلق بيئة وأرضاً خصبة لنمو الإرهاب. والنتيجة الأخطر أن هذه السلوكيات الدولية الجانحة تستعمل كذريعة من جانب جماعات التطرف والعنف لتبرير أعمالها. ويجب الاعتراف بأنه في عصرنا الحاضر أصبح تأثير الدول على بعضها البعض كبيراً ومتنامياً وأن سلوكيات دولة ما يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الأوضاع الداخلية في كثير من الدول الأخرى، فقد وصل العالم فعلياً إلى مرحلة القرية الكونية، والتي تتأثر أجزاؤها بما يحصل في أي جزء منها. وظاهرة العنف والتطرف أصبحت معضلة عالمية عابرة للحدود غير خاصة بشعب أو عرق أو دين، وهذا يستتبع أن حصارها ومحاربتها إذا أريد له النجاح يستلزم تضافر جهود كل الدول والتعاون في ما بينها وفق المبدأ الإسلامي الشهير، إذ يقول الله تعالى:"وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"المائدة: 2. فكلما اتسعت مجالات العدل والإنصاف والتسامح والحوار في سلوكيات الدول والمؤسسات والأفراد اختنق التطرف وكسدت بضاعة مروجيه. إن جهود المؤسسات الإسلامية في المملكة العربية السعودية في محاربة الأفكار المتطرفة أصبحت تجربة معروفة على مستوى العالم، حيث كان لمبادرات ودعم ومتابعة حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز أكبر الأثر في النجاح الذي تحقق في البلاد في محاربة الإرهاب والتطرف ونشر وإرساء قيم التسامح والحوار والسلام.