عندما تَطلق كلمة أبي من القلب قبل أن تخرج من بين الشفاه وحينما تنطقها من داخل الأعماق بكل ما تحمله من مشاعر الحب الدافئ قبل أن تصل إلى مسامعه، وترددها بين الحين والآخر في أحلك أوقات الضيق لتجد من يمد لك يده وينتشلك إلى بر الأمان، وتوجهها ممزوجة بعبرات خانقة في قمة الأحزان لتجد من يحتضنك بفؤاده ويكفكف الدموع التي سالت على خديك، ثم بدموع الفرح والابتسامات الصادقة تكتشف في تلك اللحظات المعنى الحقيقي لكلمة أب. ولكن هذه الكلمة نفسها تتحول إلى جمر متقد يحرق قلبك ويحيل جوفك إلى أتون ملتهب، عندما تطلقها على شخص تكتشف أنك لست من صلبه... وتبقى كلمة"أبي"حبيسة في داخلك لا تستطيع البوح بها أو الشعور بمتعة النطق بها، وتفتقد كل المعاني الإنسانية التي تعبر عنها قيمة الأبوة، خصوصاً عندما يضعف الآباء، ويتخلون عن وظيفة الأبوة، ويديرون ظهورهم لقيمتها الإنسانية ومسؤوليتهم الأبوية ويهجرون فلذات أكبادهم ويتركونهم حيارى في تيه الضياع. وهذا الهروب من مسؤوليات الأبوة هو أبشع ما يرتكبه الإنسان في حياته، التي أصبح يعيش فيها ككائن اجتماعي ثم لا يحسن تقدير انتمائه الاجتماعي، ويتخلى عن مسؤولياته الإنسانية ليتحول إلى أسير لغرائزه، وهو ما ينحدر به من أفق إنسانيته إلى حضيض حيوانيته... بل ان بعض الحيوانات لا يتخلى عن صغاره عندما يكون هؤلاء الصغار في حاجة إلى الرعاية والحماية. إن رب الأسرة مكلف شرعاً وقانوناً بأداء جميع حقوق الأسرة وتلبية حاجاتها، وأول هذه الحاجات الرعاية والحماية، لأن تهرب الآباء يعني تفكك الأسرة ودمارها، ما يفرض على الأم القيام بدور الأب الهارب، إضافة إلى دورها النبيل... ولن أخوض في ما تعانيه وتكابده من تحمل تلك الأعباء والحمل الثقيل الذي يرهق كاهلها الصنديد، إذ إنها تفني زهرة شبابها في السعي لتوفير لقمة العيش لفلذات كبدها حتى تقيهم وتقي نفسها ذل السؤال من جهة وقضاء العمر في"مشاوير"بين البيت والعمل والمحاكم للحصول على حقوقها وحقوق أبنائها من أب هرب من مسؤولياته الأبوية والإنسانية. وإزاء مثل هذه الحالات كلنا أمل بأن تشكل في جميع إمارات المملكة لجان تضم أفراداً يمثلون الجهات الحكومية، مثل وزارة العدل ووزارة الداخلية ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم وغيرها من الوزارات والهيئات المعنية، من أجل الأمهات المعذبات اللاتي يتحملن أعباء فوق طاقة البشر. اختصاصي اجتماعي [email protected]