تتصدر العصيدة والكبدة موائد الضيافة التي يُعدها سكان الأحساء خلال أيام عيد الأضحى المبارك، في تعبير عن الكرم والترحيب بالمهنئين، وسط أجواء احتفالية خاصة، تتسم بالترابط الاجتماعي، الذي لم يتغير على رغم تغير الزمان، وبقاء المكان. وتعد منازل العائلات الكبيرة إلى جانب أطباق الفواكه والحلويات الشعبية والمكسرات، طبقَ"العصيدة"، وهو من أطباق الحلوى الشعبية، التي لا تعد إلا في فصل الشتاء، وطبق الكبدة المُعد بطريقة خاصة أيضاً. ويقول حسين الحبيب:"يبدأ العمل في إعداد المائدة مبكراً، بعد صلاة الفجر مباشرة، إذ تبدأ نساء العائلة في الوفود على البيت الكبير، لينقسمن إلى مجاميع، فيما يترك طبق العصيدة للأيدي الخبيرة، ولا يمكن المجازفة بإعداده من جانب أي أحد، لأنه واجهة تميز مائدة البيت". وبعد صلاة العيد تبدأ وفود المعايدين بالتنقل من منزل لآخر، وفي أول منزل يقصدونه سيجدون هذه المائدة في استقبالهم"للدلالة على الفرحة بقدومهم، فالعصيدة والكبدة طبقان رئيسان للتعبير عن ذلك، بل إن إعدادهما من الواجبات الاجتماعية التي لا يمكن التخلي عنها أبداً، خصوصاً في مناسبة العيد"، بحسب قول الحبيب. وتشير شمس العبيدان إلى أن هذه العادة"لم تتغير على مدى عقود من الزمن، وورثناها من الأجداد، ونحرص على المحافظة عليها، واللافت في الأمر أن مظاهر أخرى للعيد لا تجذب اهتمامنا، بقدر ما تسعدنا إعداد هذه المائدة التي نبتغي منها رضا الله تعالى ثم تشريف عائلتنا، وتقديم الضيافة المناسبة للضيوف الذين يقصدونا"، موضحة ان"إعداد طبق الكبدة ليس معقداً، ولا يحتاج لدقة عالية، بخلاف العصيدة، التي لا بد من يدٍ ماهرة لإعدادها، وتبدأ طريقة صنعها الدقيقة بإضافة الفلفل الحار، بمقدار ملعقة صغيرة إلى الطحين الأسمر، بعد خلطه بالماء والدبس، وتبدأ عملية العصد، أي التحريك بطريقة خاصة، ويكون ذلك على نار هادئة، وفي كل مرة يضاف القليل من الماء لأربع مرات، وفي النهاية نعصدها للمرة الأخيرة، ونقدمها ساخنة مليئة بالبهارات والسمن البلدي الذي يتوسط الطبق في حفرة صغيرة". وتحوي العصيدة فوائد صحية وقيمة غذائية، إذ تضم عناصر مهمة مثل السكريات والدهون، إلى جانب كونها من الوجبات التي تمنح الدفء والنشاط والحيوية والقوة. ويقول سلمان الدعيلج 58 سنة:"كان العمال والمزارعون يتناولون العصيدة في فصل الشتاء، لمنحهم الطاقة والقوة والدفء"، مضيفاً"على رغم أنها من أطباق الحلوى الشعبية المحلية، إلا أنها غائبة عن المطاعم، وأرى أنه يجب عليها توفيرها لزبائنها، خصوصاً في فصل الشتاء، والمناسبات مثل العيد، لأن موائد الإفطار في الأحساء لا يمكن أن تتخلى عنها على الإطلاق". ويفضل البعض أكل هذا الطبق بالطريقة الشعبية، التي تتم بالإبهام والسبابة والوسطى، متخلين في هذه اللحظة عن الملاعق، ويوضع الطبق على سفرة مصنوعة من خوص النخيل، ليكون صباح يوم عيد الأضحى مناسبة مواتية لاستحضار التراث، والتأكيد على بقائه. ولا يقتصر الأمر على مائدة الضيافة، وتحرص الأسر على توزيع أطباق العصيدة والكبدة على الجيران والأصدقاء، والأسر الفقيرة، ليتحول صباح أول أيام العيد إلى عملية تبادل لهذين الطبقين الشعبيين في تعبير عن التكاتف الاجتماعي.