قبل شهرين وتحديداً في عيد الفطر الماضي، وضعت أم فيصل مولودها في مستشفى الولادة والأطفال في الدمام، لكنها اليوم ترقد على سرير آخر في المستشفى ذاته، لمرافقة فيصل، الذي قرر الأطباء إجراء عملية جراحية له صباح اليوم، لإزالة خراج من خلف أذنه، وهو ما حال دون قضاء أم فيصل العيد مع أطفالها الثلاثة الآخرين وزوجها، الذين سيتأثرون بغيابها، وإن كانوا سيقضون معها غالبية ساعات يوم العيد، بعد ان تقرر جعل زيارة المرضى والمنومين في المستشفى مفتوحة طوال اليوم. وعلى رغم ذلك، فإن أم فيصل ستفتقد حميمية العيد وأجواءه، فلن يُتاح لها الطواف على بيوت أقاربها وأصدقائها، ولا استقبالهم في منزلها، وتبادل التهاني بالعيد معهم، وحال أم فيصل تنطبق على عشرات مثلها، يقضون العيد على الأسرّة البيضاء في مستشفيات المنطقة الشرقية. وتقول:"في العيد الماضي، كنت في هذا المستشفى أعاني آلام المخاض، ومن ثم الولادة حتى أنجبته، وكان ذلك صباحاً، واضطررت لترك أبنائي الثلاثة في المنزل، ليحرموا فرحة العيد، لكنهم فرحوا واستعادوا حلاوة العيد بقدومي إليهم بمولود جديد، وفي هذا العيد نُوّم صغيري في المستشفى، فحرموا الفرحة مرة أخرى". وتمتلئ عيون أم فيصل بالدموع وهي تحادث ابنتها الكبرى ثماني سنوات في الهاتف، ثم تعود لتقول:"كانت تشكو لي: غداً العيد، وهي المرة الثانية التي لا تكونين معنا"، مضيفة"ابنتي تنتظر العيد لحظة بلحظة، وفي هذين العيدين تفتقدني، وتتحول إلى أم لأخويها، إذ اشترت مع والدها ملابس العيد، ولكنها تشعر بالحزن لأنني لن أرافقهم في الزيارات العائلية وأثناء ذهابهم لمدن الألعاب، كما ستفتقدني أثناء إفاقتهم صباح العيد، لأقدم لهم الحلويات والعيديات". أم طلال"تحج"من الدمام ويبدو حال جارتها أم طلال، أكثر صعوبة، وبخاصة وهي تطالع في التلفزيون نفرة الحجيج وبدء العد التنازلي لأداء المشاعر، وتحدق في شاشات التلفاز لتتابع مظاهر الحج وشعائره كافة، ثم تلتفت ل"الحياة"، وتقول بحزن:"كان يفترض ان أكون معهم الآن، لكن المرض ألزمني بالبقاء هنا". وتحاول أم طلال التي أجرت عملية في الكلى لملمة جراحها قبل العيد، إلا أن مبضع الطبيب خط خطوطه في جسدها، فيما التف الشاش الأبيض حولها، قبل أيام التشريق. وعن برنامجها صباح يوم العيد، تقول:"سأعيّد على جارتي، كما سيأتي أبنائي لزيارتي، وفيما تبقى من اليوم سأتابع البث المباشر من التلفزيون، من الديار المقدسة، على الأقل كي أشعر روحياً بالحج". وتبتسم أم سعود، التي ترقد على سرير آخر، على رغم تعرضها لنوبة قلبية، كادت تودي بحياتها، فهي سعيدة، لأنها سترى أبناءها وأحفادها يوم العيد. وتقول:"ظروفي الصحية أرهقتني قبل العيد بيومين، ما جعلني أسيرة للفراش". وتحاول أن تخفي دموعها فقدوم العيد"يقلب أوجاعي"، على حد قولها. عيد من دون"عيديات"... ولعب وعلى أسرّة مستشفى الولادة والأطفال في الدمام، لا ترقد الكبيرات فقط، فهناك أطفال كان ينتظر ان يقضوا العيد في مدن الترفيه والمتنزهات، وزيارة الأهل والأقارب، واستلام العيديات، وشراء الهدايا، إحداهن جواهر ستة أعوام، بعد أن حفرت جرحاً عميقاً في قلب والدتها، التي انتظرت قدومها ثمانية أعوام، ورزقت بها بعد ان خضعت لعلاج مكثف، ولكن جواهر هي من تتلقى العلاج المكثف الآن، إذ ترقد على الفراش وتتناول وجبة الإفطار، بعد أن أجريت لها عملية زراعة لحالبين، استغرقت زهاء ثماني ساعات، وتمت العملية"بنجاح"بحسب رئيسة قسم الجراحة في المستشفى الدكتورة سوزي خوقير، التي تقول:"كان لديها توسع في الكليتين، كما كانت تعاني ارتداداً في البول، وتم تشخيص حالتها في شكل دقيق جداً، ومن ثم علاجها الذي تطلب إجراء عملية جراحية". وتدعو والدتها، التي تأكلها الحسرة، اللهَ أن"يمنّ على وحيدتي بالشفاء". تقول:"لا أحد يشعر بألمها أثناء فك القسطرة، فهي تصاب بنوبة بكاء حادة، وتصرخ بصوت عال، لكنني أشعر بها، وأبكي حرقة عليها، وأهرب بعيداً، لئلا أموت حسرة عليها". أسرى الأجهزة الطبية وإلى جانب جواهر، التي تلوح بيديها الصغيرتين لمن يزورها ويبتسم في وجهها، أطفال آخرون موزعون بحسب حالاتهم، فمنهم المصاب بالربو، وآخرون بالحساسية الشديدة. أما في قسم أمراض القلب فهناك أطفال أسرى أجهزة طبية، قد تكون أثقل وزناً منهم، وأكبر حجماً، إحداهن ريتاج، التي لا يتجاوز عمرها شهراً، وهي تستغرق في نوم عميق، بسبب المخدر القوي الذي حُقنت به، كي لا تشعر بالألم، فيما تتداخل أسلاك جهاز منظم نبضات القلب مع ثيابها، وتلوذ والدتها بالصمت، مفضلة البكاء على الحديث، وبخاصة حينما تتذكر باقي أبنائها في المنزل، الذين ينتظرون فرحة العيد. وعلى رغم الآلام التي تدهم ذراع الطفلة جود عامان، إلا أنها تبتسم، وهي ترفع يديها لتلقي هدية"الحياة"، متناسية آلامها، بسبب الخراج، لكنها سرعان ما تعود لتبكي مرة أخرى، بسبب الألم الذي يعتصرها، إلا أنها لا تنسى أن تلوّح بيديها بالسعادة، على رغم دموعها التي تنسكب على وجنتيها. وتتمنى والدة جود أن"تخرج من المستشفى لقضاء يوم العيد بين أخوتها". وتقول:"إذا لم تخرج غداً أمس، فسنمضي العيد هنا في المستشفى، إلا أن الطبيب سيقرر اليوم موعد خروجها". ويرتمي الأطفال في أحضان المرض، فيما يعتصر الألم الأمهات، فهناك من تجلس على السرير تحنو على طفلها، وتنام أخرى بعد أن أمضى رضيعها أو طفلها ليلاً مؤلماً، تعصف به الأوجاع، فالمعاناة متنوعة.