نظام البيعة الجديد لا شك أنه يهم ويمس حياة كل أبناء هذا الوطن الكريم، وهو حديث المجالس هذه الأيام، وكباحث أمني أكتب ما أحسست وشعرت به من نبض الشارع، وكذلك ردود فعل وسائل الاعلام، وما طالعنا به عدد من المواقع الالكترونية حول هذا الموضوع الحيوي والمهم والحساس. يتصف العالم الثالث بالحراك السياسي السريع، وهذه - مع الأسف - إحدى معوقات التنمية البشرية، فعندما يذهب قائد ويأتي آخر تتغير تلقائياً الدساتير والأنظمة، وهنا تتأثر التنمية التي تمس مباشرة المواطن... مثال على ذلك أن إحدى الدول العربية الشقيقة كان لقائدها علاقة مميزة بالاتحاد السوفييتي السابق وبالعالم الاشتراكي، ما حدا به لإدخال الاشتراكية وإلغاء نظام الإقطاع القديم واستبداله نظاماً اشتراكياً يعتمد على الفكر والسلوك اليساري، حتى أن الفكر الاشتراكي دخل المدارس والجامعات ووسائل الإعلام، وعند غياب هذا الرئيس ووصول رئيس جديد للسلطة تغيرت الصورة نهائياً إلى الفكر الرأسمالي الغربي، وطرد وإنهاء خبراء نشر الفكر اليساري وطرح الفكر الرأسمالي وبقوة. وهنا في المملكة أتى نظام البيعة ليثبت خطوات الإصلاح السياسي، والهدوء والسلاسة في انتقال السلطة من حاكم لحاكم، وهذا من أهم متطلبات التنمية البشرية التي يحتاجها المواطن وهذه الخطوة الجريئة تعتمد على عناصر عدة، لعل اهمها: تثبيت وترسيخ دعائم الحكم السعودي، وتثبيت أعمدته ودعمه امام أي عاصفة سياسية قد تحدث - لا قدر الله - عندما نقرأ التاريخ السياسي، خصوصاً بعض ما كتبه المؤرخ السياسي الاجتماعي ابن خلدون، نجد ان هبوط واضمحلال الدول والحضارات سببهما المباشر التقاتل على السلطة بين ابناء الأسر الحاكمة، ما يتسبب في تدخل قوى خارجية يدعمها طابور خامس من الحاقدين والكارهين للدولة، وفي مقدمهم في عالمنا اليوم ارباب الارهاب والتشدد والمذاهب الفكرية الحاقدة على المواطن. إذاً نظام هيئة البيعة أرسى قواعد وأعمدة الحكم السعودي، ووجه ضربة قوية وموجعة لأرباب الفكر الارهابي، أيضاً هذه النقلة في نظام هيئة البيعة تزيد الثقة لدى المواطنين والشعب المحب لهذه الاسرة المالكة الكريمة، كما أن نظام البيعة الجديد هو نقلة نوعية كبيرة ودستورية... ولا شك أن هذه النقلات بدأت مع الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - في الانظمة الثلاثة نظام الحكم، ونظام الشورى، ونظام المناطق وها هي اليوم تكتمل بأهم عنصر يضمن - إن شاء الله - بقاء وسلامة الدول، ومنع أي فرصة لأي إخلال بالأمن السياسي الذي يؤسس لانتقال السلطة، من يد لأخرى، بطريقة سهلة وسلسة، بواسطة آلية واضحة بعيدة النظرة لمصلحة المواطن اولاً، إذ إن الامن والاستقرار والتنمية والرفاهية مرتبطة جميعها بالأمن السياسي، وبانتقال السلطة بطريقة دستورية وسلسة تمنع أي تشاحن على السلطة. وأهم النقاط التي شاهدتها في هذا النظام هو إلغاء فكرة وجود فراغ دستوري، وهو عين الخطر في عالمنا السياسي، فالفراغ الدستوري هو اخطر ما يواجه الدول اليوم، خصوصاً دول العالم الثالث التي تعتمد على القائد، ولا يوجد نظام سلس واضح لانتقال السلطة، بينما نجد في العالم المتقدم أنظمة تمنع وجود فراغ دستوري، مثلاً الولاياتالمتحدة يقوم مجلس الشيوخ في حال وفاة الرئيس بإدارة شؤون الدولة لمدة معينة حتى يعين رئيس جديد، وهذا ما هو موجود في نظام هيئة البيعة السعودي، إذ يتيح النظام إدارة شؤون الدولة حتى لو توفي الملك وولي العهد - لا قدر الله - في وقت واحد، وهذه النقطة بالذات من اهم نقاط القضاء على أي فراغ دستوري، وهو كما ذكر أهم وأخطر وأدق المراحل في حياة الدول والحضارات، كذلك من الأهمية بمكان ان تقوم الهيئة باختيار الأصلح ولياً للعهد، وهذا يعطي حيزاً كبيراً من الحرية لاختيار الاصلح والأنسب لهذه المسؤولية الكبيرة والخطيرة. لا شك ان صدور مثل هذا النظام يُعد حدثاً تاريخياً في سيرة ومسيرة الدولة السعودية وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - وضع آلية دستورية مدونة واضحة ومرنة لاختيار ولاية العهد، وفقاً لقواعد تتناسب مع طبيعة المرحلة المستقبلية لمؤسسة الحكم السعودي، ويأتي هذا القرار استجابة لتحديات تطوير نظام الحكم السعودي وفق البواعث والمتطلبات، بما يزيد مؤسسة الحكم السعودي رسوخاً وقوة وديناميكية وحيوية، كما يحمي الوحدة الوطنية من أي خطر او خلل، إذ شاهدنا دولاً شقيقة دخلت في دوامات ومشكلات وفراغ دستوري، كاد يؤدي إلى فتن لا تحمد عقباها. لا بد من معرفة ان هذا الوطن مبني على كيان واحد، إذ أقام الملك المؤسس عبدالعزيز- رحمه الله- مملكة وحدّها بحكمته وحنكته وقوته، وجعل مناطقها متواصلة على امتداد مساحتها الجغرافية، فالمملكة شاسعة الأطراف وتعتبر قارة كاملة، وهنا تظهر اهمية وقوة النظام الجديد. ومن دون شك فإن المملكة العربية السعودية دولة قيادية ومهمة واستراتيجية، لها وزنها وتأثيرها المباشر وغير المباشر في الاستقرار والسلم والاقتصاد الاقليمي والعالمي، واستقرار وضعها السياسي الداخلي يهم المواطن السعودي اولاً، ثم الدول المحيطة بنا ثانياً، والعالم بأسره ثالثاً، فضلاً عن مكانتها الدينية والحضارية والثقافية والاقتصادية. نظام البيعة يوفر ويؤسس حماية ووقاية من أي مشكلات طارئة مفاجئة - لا قدر الله - ويمنع العبث الدستوري، كما ان ثبات وقوة ووضوح النظام وفقاً للوائح والدساتير التي تتيح الانتقال والاختيار للسلطة، سيكرس الاستقرار والهدوء والثقة واستمرار التنمية البشرية والطمأنينة للبلاد والعباد، ويتيح كذلك المرونة للتكيف مع المتغيرات السياسية التي لا يخلو منها عالمنا السياسي اليوم، وذلك لاستمرار التلاحم والترابط بين الاسرة المالكة السعودية وابناء هذا الوطن الحبيب لاستمرار التنمية واستشراف المستقبل الواعد. كل هذا وضع في قوالب واضحة ومدونة وشفافة وقابلة للبقاء - إن شاء الله - بعيداً عن الاجتهادات الفردية والشخصية، وهذا واحد من ركائز التشريع الاسلامي في الشورى، فهنا اختيار الملك وولي العهد يأتي بالشورى، وهنا يصل بوضوح الاحسن والافضل لقيادة هذا الوطن في عالم سياسي متموج وكثير المشكلات وفوضوي. وأرى كباحث ان نظام هيئة البيعة اجود وافضل الانظمة التي - ان شاء الله - ستدعم وطننا وتزيده قوة ومنعة، وايضاً يمثل صفعة قوية لأرباب الارهاب والفكر الضال، ولمن يراهنون على ضعف الدولة وسهولة الإخلال بأمنها. * أستاذ علم الإجرام ومكافحة الجريمة المشارك جامعة القصيم