يستدعيها الملل إلى أن تهاتف السائق متسائلة:"أينك؟"، يهرول الأخير، لأن الصوت يشي بأن كفيلته وقعت"فريسة للملل"الذي تعيشه معظم الفتيات السعوديات، هي في العقد الثاني من عمرها، بيد ان الربيع الذي تعيشه"جاف، لا توجد فيه أزهار، ولن أسمع فيه زقزقة العصافير، ولن أجني منه ثماراً يانعة"، هكذا تصف نادية ما ترى أنه"حياة الفتيات في السعودية". وتعتقد نادية"جازمة"بأن"ما أعانيه يتكرر مع كل الفتيات في بلادي، فالعثور على أماكن تنفس في السعودية تبدو أشبه بالهم". وترى نادية، التي حصلت أخيراً على دبلوم في السكرتارية من أحد المعاهد في المنطقة الشرقية، أن"الأسواق والمجمعات التجارية هي أفضل وسيلة لمواجهة الملل، وضغوط المنزل، وتداعيات الجلوس فيه لساعات طويلة، والشعور بالكآبة أحياناً، والهروب من جلسات النميمة والضغائن، أو سماع أحاديث أكل عليها الدهر وشرب". ولأنها لم تجد وظيفة بعد تخرجها، انخرطت في ساحات التسلية والدردشة في الإنترنت، لتمضي فيها ساعات طويلة، بيد أنها تقول:"لم أعثر فيها على ما هو ذو فائدة، لذا فإن أفضل ما هو متاح الأسواق، التي على رغم أنها تستنزف الجيوب وترهق كاهل عائلتي التي تحاول ان توفر ليّ ولأخواتي مكاناً نتنفس فيه، لكنها غدت الخيار الوحيد لنا، شئنا أم أبينا". تشعر نادية أن بوابات المجمعات التجارية"تصيب بالملل، فلا أجد فيها طبيعة الحياة وصفاءها، فكل ما هو موجود فيها لا يستوقفني، لكنني أجاري غيري من الفتيات في البحث عن أية فرصة للخروج من المنزل". منافذ التنفس التي أشارت إليها نادية لا تقصد بها نوافذ الحجر، أو غيرها، فهي لا تطالب"إلا بالترفيه البريء الذي نفتقده هنا في بلادنا، وقد لا يتوافر لنا إلا بالسفر إلى الخارج"، ولكن ما الأثر الذي يقع على نادية وغيرها من الشباب السعودي، عندما يتجهون للخارج بحثاً عن متنفس؟ ربما كانت الإجابة لدى هدى الناجي، التي عادت أخيراً من بيروت، وتقول:"لم أشعر بطعم السعادة هناك، على رغم أنني وجدت متنفساً، ولكني لا أنسجم هناك"، فالانسجام قضية تؤرق عقول الفتيات اللاتي يبحثن عن متنفس في الخارج، ولكنه"قد لا يتوافر حتى هناك"، على حد قول الناجي، مضيفة:"منازلنا أربعة أسوار نخرج منها، لكننا نجد أنفسنا متوجهين إلى أسوار أخرى، وهي محال التسوق، فالتسوق أصبح حالاً نفسية، ومتنفساً رئيساً"، وتسأل نفسها بصوت عال:"ماذا لو تم إغلاق المجمعات التجارية؟ أين سيكون متنفسنا؟". قد تبدو حال الشبان نقيضاً لحال الفتيات، فخياراتهم ومتسع حريتهم يبدوان أكبر، بيد ان كثيراً منهم يشيرون إلى ان حالهم لا تختلف كثيراً عن الفتيات، فهم قد ينجرفون وراء متنفسات ترفع من معدلات الجريمة، وتحفز على الوقوع في براثن المخدرات، وغيرها من الأشكال السلبية، ويقدم الشاب نايف المدوح صوراً متنوعة حول خيارات الشبان في المتنفسات، التي"لا حصر لها"على حد قوله، مستدركاً:"هل تعتبر رحلات التخييم التي تنطلق في العطلة الصيفية متنفسات؟ فهي عبارة عن استهتار بالشباب، وإقناعهم بأن هذا هو الحل"، مضيفاً بحرقة:"الرقص، والغناء الصاخب والأكلات الجماعية واستئجار شقق عزاب، وغيرها من التجمعات التي يغلب عليها طابع الضحك تارة، وتفريغ شحنات الهموم تارة أخرى، هي المتنفسات المتاحة، ولكن هل هي متنفسات حقيقية؟". وعلى غرار نادية، يجزم نايف بأن حاله تنطبق على أقرانه من الشبان السعوديين، ويضيف:"حين أختلط بتجمعات شبابية أجد هوساً بسماع الأغاني بصوت مرتفع أثناء قيادة السيارة، وبعض الشبان يرون في ذلك نوعاً من التنفيس عن النفس". ويشير صديقه فهد إبراهيم، في السياق ذاته، إلى"ممارسة التفحيط أو التعطيس المنتشرين بين الشبان كنوع من التنفيس أيضاً، وبخاصة في نهاية الأسبوع"، مضيفاً:"الشبان يواجهون ضغوطاً نفسية واجتماعية وفراغاً مليئاً بالهموم، قد يدفعهم إلى الانفجار"، مقترحاً"التوسع في إنشاء النوادي الرياضية، وإقامة البرامج الترفيهية، والصالات الخاصة بالشباب، وأيضاً إنشاء الحدائق المزودة بالتجهيزات كافة، وغيرها من وسائل الترفيه التي توفر للشباب المتنفسات الحقيقية، وتخرجهم من سجون القهر التي وجدوا أنفسهم أسرى داخلها".