يلتف زوار مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم عند المحال التي تبسط منتجاتها أمام ساحات المسجد النبوي الشريف، ويقف أولئك الزوار لشراء بعض من تلك المنتجات البسيطة والمتواضعة على الأغلب، ولكن يبقى أهم ما يسعى الزائر إلى اقتنائه من بين تلك المحال"السبحة المدينية"، التي تسكن في ذاكرة زوار وعمار مدينة المصطفى، حتى إنهم يهتمون كثيراً ومنذ اللحظة الأولى لوصولهم إليها بابتياع"السُبح"، إذ يعتبرها كثيرون منهم زينة، فينتقون الشكل واللون الأجمل منها، بينما يعتقد بعضهم الآخر بأهميتها الدينية فيسعى إلى اقتنائها كذكرى. بعض هذه السبح تجده معلقاً، وبعضها الآخر محفوظاً في علب شفافة تُبدي لون السبحة المحفوظة بداخلها، كما تجدها في علب فخمة دلالة على ارتفاع سعرها وغلاء ثمنها، إذ يختلف سعرها بحسب"الغرام"، وبحسب نقاء وصفاء الحجر المصنوعة منه. ويقول تقي الدين أكبر، أحد باعة السبح القابع محله أمام المسجد النبوي الشريف:"إن الإقبال على السبح لا يعتمد على موسم دون آخر، لأن السبح تلقى رواجاً كبيراً في المدينةالمنورة، وخصوصاً بوجود الزوار طوال العام، ولكن الاختلاف يكون في مدى الإقبال من الجنسين على أنواع من السبح دون أخرى". وأضاف أكبر الذي تعلم هذه المهنة من أخيه الأكبر:"أصبحت اليوم قادراً على تثمين السبحة الجيدة من غيرها المقلدة بمجرد النظر إليها، أو لمسها، وأحياناً من شم عطرها، وهناك الكثير ممن يرتادون المحل بقصد الشراء أو الفرجة والتعرف على الأنواع النادرة، ومرتادينا هم من الجنسين غالباً". وبعد استعراض نوعيات السبح الأكثر رواجاً، قال:"هناك أنواع مرتفعة الثمن، وأخرى تناسب جميع الفئات، وكثير من الزوار يهتمون بشراء كميات من السبح، وخصوصاً المعطرة منها، مثل تلك المصنوعة من حجر الورد، والتي تفوح منها رائحة نفاذة، ولكن لكثرتها ينخفض سعرها، فيقبل عليها الكثير من الزوار بنية شرائها كهدايا إلى ذويهم بعد عودتهم من زيارة المدينة، وهؤلاء غالباً ما يكونون من الهنود، ومن الشرق آسيويين، بينما الكثير ممن يقبل على شراء السبح المصنوعة من الأحجار الكريمة يفدون من دول الخليج العربي، أما بعض الزوار الآخرين مثل الإيرانيين والعراقيين وبعض الخليجيين فيهتمون بأنواع معينة من السبح لمعتقدات مذهبية لديهم". كما يستعرض أكبر أهم أنواع السبح، قائلاً:"إن أنواع السبح كثيرة، منها المصنوعة من أحجار"السندلوس"، أو"الكهرمان"، أو"المرجان"، أو"الكوك"هذه الأخيرة التي قد يبدأ سعرها من 40 ريالاً مثل الكوك المصري، أو 60 ريالاً مثل الكوك التركي، ويرتفع سعره كلما علت جودته، وربما يصل السعر إلى نحو ثلاثة آلاف ريال، كذلك هناك"الباي زهر"، والفيروز، والعقيق اليماني، والياقوت، والزفير، كما يعد الكهرب الألماني أغلاها، فهو يمتاز بالرائحة العطرة، وعمره الطويل، ويستخرج حجر"الكهرب"من شواطئ المانيا وبولونيا، ويبلغ سعر المثقال منه 175 ريالاً أي ما يساوي 50 دولاراً، وبعضه يصل إلى 375 ريالاً بما يعادل 100 دولار. كما يزداد الإقبال على سبح"اليُسر"وهي عبارة عن أعشاب تنمو داخل البحر، تستخرج وتصنع منها السبح، وتتميز برائحتها المخمرة، والتي تطعم أحياناً بقطع من الفضة، ويزداد سعرها بحسب عدد حباتها سواء كانت 100 حبة أو ألفية، وميزة حجر"الكهرمان"أنه يرسم خطوطاً إذا ما حك على الورق. ويوضح أكبر أن المتداول حالياً وبكثرة سبح"اليُسر"، وسبح"الزيتون"، وسبح"البنزهير"لاعتدال أسعارها أما الأخيرة فتعد من أرخص السبح والتي تباع الواحدة بين ثمانية إلى عشرة ريالات، وهناك من السبح ما يباع بثمن مرتفع جداً يصل إلى أكثر من 20 ألف ريال، ويقول:"نحن نحتفظ بالسبح الثمينة في خزائن محكمة حتى يأتي المشتري المناسب، فيما يزداد سعر السبحة إذا ظهرت فيها الحشرات المحنطة، أو في حال كان الحجر مخلوطاً بين أكثر من حجر، أو في حال كان نقياً وصافياً، وهنالك نساء لديهن قلائد من أحجار ثمينة ذات منشأ روسي أو ألماني وهنالك من النساء ممن يطلبن إعادة صياغتها بأشكال جديدة وتكون بألوان زاهية ومتنوعة وثمة من تشتري سبحة من عقيق لتعيد صياغته كعقد أو خاتم أو ما شابه ذلك".