"صيف الرياض لا يرحم، خصوصاً في النهار". تقول ندى العبدالله 19 عاماً. وتضيف:"أفضل البقاء حتى غروب الشمس تحت نسمات المكيفات، فحرارة الصيف لا تطاق". وتعتبر ندى أفضل حظاً من فهد الدخيل 35 عاماً، فسيارته ليست مكيفة، وطبيعة عمله كمندوب مبيعات تضطره إلى مصارعة زحام السيارات، والحر الخانق طوال النهار، ليعود في المساء إلى بيته مغسولاً بالعرق، وفي حال مزاجية شديدة السوء، على حد وصفه. وحتى إذا كانت السيارة مكيفة، فإن مجرد النزول منها إلى الشارع لدقائق معدودة في الظهيرة لجلب غرض ما، يجعل المرء يشعر وكأن الأرض تغلي تحت قدميه، كما يقول تركي العبدالرحمن 40 عاماً. أما حال من يعملون تحت قيظ شمس تموز يوليو وآب أغسطس في مدينة الرياض، كعمال البناء والنظافة وتصليح السيارات، أو الباعة الجائلين، وسائقي الليموزين وسيارات النقل الجماعي، فهي بالطبع لا تقارن بحال غيرهم ممن يقضون ساعات دوامهم في غرف مكيفة. وربما هذا ما يجعل المصرفي ناصر البدر يرى في جهاز التكييف"أحد أعظم الاختراعات في تاريخ البشرية". وعموماً لا يخفى على أي مراقب ما تشهده سوق أجهزة التكييف الجديدة والمستعملة، على حد سواء من انتعاش كبير طوال شهور الصيف. ومن جانبه يصف أحمد التركي 22 عاماً علاقته بأشعة شمس الصيف بأنها"تشبه علاقة عشق من طرف واحد"، ويقول:"شمس الصيف تطاردنا بأشعتها النارية كل يوم، على رغم أننا لا نرتاح لها أبداً". ويعلق يوسف السليمان 52 عاماً ساخراً:"كل شيء في هذا الصيف يبالغ في سخونته، من الجو، إلى الأسهم وأسعار السلع وكلفة السفر، وصولاً إلى الحروب الطاحنة في الشرق الأوسط". ويقول أبو عبدالرحمن 56 عاماً إنه فر من لهيب الرياض إلى"الشرقية"مع زوجته وأولاده الأربعة، فوجد حرارة الشمس هناك مقترنة بالرطوبة العالية، وعاد أدراجه بعد يومين فقط، وهو يتساءل:"أين المفر؟". ويؤكد عبدالله إبراهيم 30 عاماً أن المشكلة الوحيدة التي لا يستطيع الصبر عليها في أيام الصيف هي تعطل تكييف سيارته، ويقول:"تكييف سيارتي لا ينطفئ أبداً ما دمت على الطريق، سواء كان ذلك في الليل أو النهار". وكما يقول مدير العلاقات العامة والإعلام في الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة المهندس علي عبدالغني، إن درجة الحرارة يمكن أن تصل إلى ما يقارب 50 درجة مئوية في فترة الظهيرة خلال بعض أيام آب، ويضيف أن ذلك يرجع إلى تعامد الشمس مع مدار السرطان الذي يمر بوسط السعودية تقريباً، فضلاً عن سيطرة منخفض الهند الموسمي الحار على معظم مناطقها. ويؤكد عبدالغني أنه في الحالات المتطرفة للطقس، تقوم الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة بإصدار التحذيرات اللازمة إلى الجهات المعنية في الدولة. ومعلوم أن التعرض المباشر لأشعة الشمس قد يؤدي إلى الوفاة، فضربة الشمس، كما تقول رئيسة قسم جراحة الأطفال في مستشفى القوات المسلحة الدكتورة إنعام ربوعي، تعد سبباً للإصابة بأزمة قلبية أو فشل كلوي أو جلطة دماغية، وتفضي إلى الموت، ما لم يتم علاجها بصورة صحيحة وسريعة. وتوضح ربوعي أن العلاج يكون بإبعاد المصاب عن أماكن الحرارة، وخلع ملابسه مع وضعه على الظهر ورفع رأسه قليلاً. أما إذا كان المصاب في وعيه فيعطى ماءً مثلجاً، وإذا كان فاقداً الوعي، فيرش على جسمه ماء بارد، ثم يعرض لمروحة حتى يتبخر الماء بسرعة، ثم ينقل إلى المستشفى مع مراعاة استعمال وسائل التبريد أثناء النقل. وتقول ربوعي إن إحضار المريض إلى المستشفى من أهم العوامل المساعدة على نجاح العلاج وإنقاذ المريض، فكلما تأخر المريض زادت احتمالات الوفاة، أو حدوث المضاعفات بعد الإفاقة. ويقول استشاري الطب النفسي الدكتور جمال الطويرقي:"الحرارة العالية تؤدي إلى زيادة العصبية وقلة التحمل وفقدان الصواب وعدم المقدرة على الحكم على الأمور بدقة، وتفضي إلى ملل وسأم وتغيير في المزاج، ما يؤدي إلى ما نشاهده في بعض الطرقات في ساعات الذروة المرورية من قيام بعض السائقين بالجدال والخصام مع المشاة والسائقين والتلفظ بشتائم نابية، أو قطع الإشارات، والسرعة الزائدة". ويشير إلى أن ذلك يؤثر على المريض النفسي، وربما يزيد من حدة أعراض أمراض مثل الرهاب والقلق والعصبية والشخصية الحدية، والاكتئاب. ومن جانبه يحذر مدير إدارة السلامة في الدفاع المدني العقيد عبدالله معدي من أن ارتفاع درجات الحرارة يعد عاملاً مساعداً في اشتعال الحرائق في المنازل ومحطات الوقود والغابات وأسلاك الكهرباء. ويطالب معدي الأهالي والقطاعات الحكومية والتجارية والمنازل بتبني شروط السلامة التي وضعها الدفاع المدني عند اشتداد حرارة الجو، ويرى أن من الخطورة بمكان ترك جهاز التكييف يعمل على مدار الساعة في الأجواء شديدة الحرارة، باعتباره المسؤول عن وقوع الكثير من الحرائق نتيجة تماس كهربائي. ويضيف، أن على أصحاب محطات الوقود عدم إهمال خزانات الوقود ومضخاتها، عبر إتباع شروط السلامة لتلافي تعرضها المباشر لأشعة الشمس. وإذا كان البعض يضطر إلى العمل في أجواء شديدة الحرارة فإن بمقدوره الامتناع عن ذلك متى ما شعر أن تلك الأجواء تؤثر سلباً على حالته الصحية، ويقول نائب رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتور مفلح القحطاني:"تنص المادة 122 من نظام العمل السعودي على أن كل صاحب عمل ملزم باتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية العمال من الأخطار". ويضيف:"لاشك أن من يلزم العاملين لديه بالعمل تحت أشعة الشمس اللاهبة وفي درجة حرارة مرتفعة لا يتحملها جسم الإنسان، ومن دون اتخاذ الوسائل الكفيلة بوقاية العمال منها، يعد مخالفاً لمقتضيات نصوص نظام العمل". ويستطرد موضحاً، أن هذا ما أكدته المادة 123 من نظام العمل، عندما ألزمت رب العمل بإحاطة العامل قبل مزاولة العمل بمخاطر مهنته والتزامه باستعمال وسائل الوقاية المقررة لها، وعليه أن يوفر أدوات الوقاية الشخصية المناسبة للعمال.