لن تجد عربياً لا يشجب ولا يستنكر الأعمال والأفعال الإسرائيلية الإجرامية... ونحن العرب نعرف جيداً مستوى العربدة والغطرسة الصهيونية، ونعلم مدى رخص الدم العربي عندهم مقابل غلاء الدم العبري. ليل أول من أمس، بعد تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية على لبنان، خرج بيان سعودي يحمل، كما وصفه أحد المراقبين، صفات"الجرأة"و"الوضوح"، والبعد عن النفاق السياسي الدارج في طباع بعض البلدان العربية، حين تتأزم المواقف وتحتدم الصراعات. في البيان، أعربت المملكة عن قلقها البالغ من الأحداث المؤلمة الدامية التي تدور في فلسطينولبنان، لكنها سجلت موقفها بجلاء ووضوح بقولها:"لا بد من التفريق بين المقاومة الشرعية والمغامرات غير المحسوبة التي تقوم بها عناصر داخل الدولة ومن وراءها، من دون رجوع إلى السلطة الشرعية في دولتها، ومن دون تشاور أو تنسيق مع الدول العربية، لتوجد بذلك وضعاً بالغ الخطورة يعرّض جميع الدول العربية ومنجزاتها للدمار، من دون أن يكون لهذه الدول أي رأي أو قول". وأضافت:"إن المملكة ترى أن الوقت قد حان لأن تتحمل هذه العناصر وحدها المسؤولية الكاملة عن هذه التصرفات غير المسؤولة، وأن يقع عليها وحدها عبء إنهاء الأزمة التي أوجدتها". يتضح من خلال صياغة البيان افتقاده الديباجة الاستعراضية التي تحمل عادة عبارات الشجب والاستنكار والنفاق السياسي، حيث جاء شارحاً ومشرّحاً الموقف كما ينبغي، ليخرج البيان شفافاً واضحاً معبراً عن الموقف السعودي بجلاء، مما تقوم به بعض العناصر سواء داخل فلسطين أو لبنان أو خارجهما، من أعمال"غير مدروسة"و"غير محمودة العواقب"، وهو ما ينتج عنه جر المنطقة بأسرها إلى الحروب والخراب والدمار. السعودية كانت ولا تزال تؤمن بحق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال في مقاومة المحتل، ورفض إجراءاته غير الشرعية، الرامية إلى طمس الهوية وتغيير الوقائع على الأرض، وهو موقفها الثابت، إلا ان لكل مرحلة حساباً وجواباً، وهو ما يتطلب من الكل إدراك أن أمن واستقرار ومستقبل المنطقة أمر في مصلحة الجميع، وأن المناورات السياسية الآنية التي تخدم المصالح الذاتية لا تفيد أحداً، وهو تعبير صدر عن مجلس الوزراء السعودي الأسبوع الماضي. حمل البيان السعودي لهجة عتب ولوم لما تقوم به بعض العناصر التي تهوى المغامرات"غير المحسوبة"وغير"المسؤولة"، من دون التنسيق أو التشاور مع السلطات الشرعية في دولها. ولنكون أكثر وضوحاً: هل قدر"حزب الله"اللبناني ثمن قيامه بأسر جنديين إسرائيليين وقتل ثمانية آخرين من دون الرجوع إلى سلطته الشرعية، واستفزاز الثور الإسرائيلي، خصوصاً ان المجلس الوزاري اللبناني أوضح عدم معرفته بما قام به الحزب من عمل؟ ألا يعلم حزب الله ان العمل الذي قامت به يفجر الوضع الداخلي اللبناني، وينسف طاولة الحوار التي يتحلق حولها اللبنانيون من دون شريك عربي أو أجنبي؟ من يخدم هذا العمل؟ هل هو لخدمة المصالح السورية ? الإيرانية على حساب المصلحة اللبنانية؟ هل فكر حسن نصر الله ملياً في تبعات ما قام به حزبه، وما يمكن أن يترتب عليه من عمل إسرائيلي عدواني مضاد؟ هل قوة حزب الله في نفس ميزان القوة الإسرائيلية، وتتكافأ معها عند المواجهة العسكرية، أم انها ستعيد لبنان إلى الوراء عشرات السنين؟ نؤمن بمشروعية المقاومة، لكن ليس بالمغامرات غير المحسوبة والمناورات المبنية على مواقف لا تخدم مصالح الأوطان والمنطقة. تبذل السعودية ومصر جهوداً علنية، إلا أنهما تصطدمان بعوائق سياسية وعراقيل ديبلوماسية"شبه مقصودة"، يهدف من ورائها إلى تغيير المعادلات والمتراجحات السياسية، لمصلحة أطراف على حساب أطراف أخرى من دون الاكتراث بأهمية الأمن والأمان والاستقرار وقيم المصالح المشتركة. عندما تبنى المناورات والمغامرات على القيام بعمل ما من دون قراءة تبعاته وعواقبه، فإن النتيجة تكون"غير محمودة العواقب"، وستكون على حساب أرواح الأبرياء وتدمير الأوطان والممتلكات، لكون ذلك الفعل استجابة لقوالب سياسية خارجية، فالمواجهات أياً كان نوعها لا بد أن تكون مدروسة ومبنية على حجم القدرات والإمكانات الحقيقية للأطراف الأخرى. تقتضي المصلحة الوطنية ان يكون القرار لأي بلد صادراً من داخله لا من خارجه، وموحداً لا مفرقاً، ليفوّت الفرصة على السياسات العدوانية كالإسرائيلية، الساعية لفرض الهيمنة والحلول والانفراد بالقرار. وإسرائيل تريد نقل المعركة إلى كل البلاد العربية، لتزداد المنطقة سوءاً على ما فيها من سوء، وتنزف دماً وتئن جرحاً وتبكي شهيداً. [email protected]