سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الجهات الرسمية تنظر "القضية" ... و الأهالي يطالبون بتعويضات وحصر الخسائر . "الحياة" في قريةالبديعة بعد تلوث مياهها وموت طفلين وإجهاض "16" امرأة ونفوق 3000 من الماشية
فقدت قرية البديعة في منطقة القصيم 600 كيلومتر شمال الرياض أطفالها، وأُجهضت نساؤها، ونفقت ماشيتها، نتيجة تنقيب شركة سعودية عملاقة في منطقتها بحثاً عن الذهب، فاستخرجت الزئبق والزرنيخ ولوثت مياه آبارها، التي شربها أهلها من دون علم بأضرارها. كانت نتيجة شرب المياه الملوثة، وفاة طفلين بعد ولادتهما بأشهر، إثر إصابتهم بتشوهات جينية بعد الولادة، وإجهاض 16 امرأة، وبعضهن أكثر من مرة، وإصابة 18 شخصاً بمرض السكري من بينهم أطفال، وإصابة 11 شخصاً بمرض الربو، وإصابة 13 شخصاً بمرض الضغط، وهذه تقديرات أولية، والأيام المقبلة قد تكشف عن أضرار أخرى لحقت بأهل القرية. "الكارثة"لم تكتف بتهديد حياة البشر فقط، بل شملت الحيوانات والنباتات، إذ نفق 3345 رأساً من الأغنام والماعز والإبل، وتضررت معظم مزارع أهل القرية، وآخر نتائج"الكارثة"جفاف الآبار التي هي المصدر الأول للمياه في القرية. بدأت"كارثة البديعة"عام 1992 عندما شرعت شركة التعدين العربية السعودية"معادن"، في التنقيب عن الذهب في منجم"الصخيبرات"، إذ تسربت مواد سامة"زئبق وزرنيخ"من برك تجميع المخلفات الكيماوية، إلى آبار الأهالي عن طريق المياه الجوفية، فشربها الأهالي من دون معرفة ب"وجود السم". ويعيش أهل القرية حالياً خوفاً من المياه بعد"الكارثة"، ولهذا اضطروا إلى شراء مياه الشرب من منطقة بعيدة من القرية، بمقابل مالي كبير مقارنة بأسعار المياه في المنطقة، بعد أن جفت آبارهم وهلكت مزارعهم. وكشف تقرير صادر عن مستشفى الملك فيصل ومركز الأبحاث، تلوث مياه قرية البديعة، مؤكداً ثبوت ذلك بالتحليل المخبري لعينات من مياه آبار مختلفة في قرية البديعة. وتضمن التقرير أن جميع تلك العينات السبع لا تصلح للاستخدام والاستهلاك الآدمي. وأشار التقرير إلى أنه تم إجراء الاختبارات الكيماوية والسمية والجرثومية، وأظهرت عدم صلاحية مياه آبار قرية البديعة التي أخذت منها العينات للشرب، موضحاً أنها تحتوي على تركيز مرتفع من مادتي الزئبق والسيلينيوم يزيد على الحد الأقصى المسموح به. وأضاف أن عينات أخرى أخذت من الآبار تحتوي على تركيز مرتفع من مادة الزرنيخ وملوثة بالبكتيريا. وأشار تقرير آخر إلى أن المديرية العامة للشؤون الصحية في منطقة القصيم أكدت أن مياه القرية ملوثة لدرجة لا تصلح معها للاستخدام البشري أو الحيواني أو النباتي. وصدر التقرير بعد تحاليل 18 عينة من المياه التي تم أخذها من آبار مختلفة بما فيها آبار"الضخ العكسي"، وأثبتت 15 عينة منها أنها تحتوي على نسب عالية من مواد الزرنيخ والزئبق والسيلينيوم. كما خلصت لجنة شكلت من جهات حكومية ذات علاقة للوقوف على مدى التلوث البيئي لآبار القرية، ومنها إمارة منطقة القصيم منذ ثلاثة أعوام، إلى تأكيد تلوث المياه بكمية عالية من المواد الكيماوية. وأشارت إلى أن مجمع الخدمات البلدية في عقلة الصقور التابع لوزارة الشؤون البلدية والقروية، وجه خطاباً إلى رئيس مركز قرية البديعة مفادها منع استخدام تلك المياه، مهما كانت الظروف والأسباب ل"تلوثها الشديد". وأكدت مصادر مطلعة، أن شركة"معادن"اتخذت إجراءات عاجلة فور اكتشاف تعرض مياه آبار القرية إلى مواد سامة، وذلك منذ ثمانية أعوام، وهي إغلاق بعض الآبار في القرية وطلب وقف استخدام بعض الآبار، إضافة إلى حفر آبار جديدة لغرض الضخ العكسي من أجل تجفيف المياه من آبار الأهالي للقضاء على التلوث، بعد حصولها على ترخيص من وزارة الزراعة والمياه، لهذا الغرض. وقال المتحدث باسم أهالي قرية البديعة الدكتور ماجد الحربي، ل"الحياة":"بعدما انتشر خبر تسرب مواد كيماوية كالزئبق والزرنيخ إلى المياه الجوفية من بركة تجميع المخلفات الكيماوية في منجم الصخيبرات، أغلقت شركة التعدين العربية السعودية معادن ثلاث آبار من الناحية الغربية للقرية لقربها من بركة التجميع وظهور نسب عالية من المواد الكيماوية فيها، وأخذت على أصحابها تعهدات بعدم استعمالها. وأضاف:"كبلت معادن نشاط تلك الآبار على رغم أن أصحابها يستخدمونها للشرب وسقي الزرع والمواشي، ووَضعت عليها سياجاً حديدياً، وأمنت مياه للغسيل فقط في موقع قريب من الآبار الثلاث، والتي تخدم 10 منازل فقط من القرية"، مؤكداً أنه بعد عامين تبين أن هذه المياه تعرضت لتلوث بمادة السلينيوم السامة، وعندها وعدت الشركة بإنشاء خط مياه يغذي الحي المنكوب لسقي المواشي والمزارع. وتنظر جهات حكومية معنية حالياً قضية تسمم مياه أهل قرية البديعة، ووفاة طفلين وإصابة سكانها بالأمراض ونفوق ماشيتهم ومزارعهم، بحسب ما أكده أهالي القرية المحامي عبدالله الناصري ل"الحياة"، بعد توكيله من الأهالي، للترافع في قضيتهم المصيرية. ورفض وكيل أهالي القرية المحامي الناصري، إعطاء تفاصيل موسعة عن القضية أو أي معلومات، واكتفى بالقول:"ان موضوع أهالي قرية البديعة في منطقة القصيم، بين يدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للنظر فيه". وألمح إلى أن مطالب أهل القرية تتلخص في تشكيل لجنة لتقصي الحقائق وتقدير التعويضات العادلة، كونهم تضرروا صحياً، وحصر خسائرهم بعد توقف العمل في مزارعهم ونفوق معظم مواشيهم، التي يعتمدون عليها في معيشتهم. الزئبق يدمّر خلايا المناعة... والزرنيخ يسبب السرطان أوضحرئيس قسم العقاقير في كلية الصيدلة في جامعة الملك سعود، مدير مركز أبحاث النباتات الطبية والعطرية والسامة الدكتور جابر القحطاني، أن الزئبق سم تراكمي، ويصل إلى خلايا المخ وتتركز آلامه في الجهاز العصبي المركزي، ويمنع وصول المواد الغذائية إلى الخلايا والتخلص من الفضلات خارجها. وأضاف، أن الزئبق يمكن أن يتحد بخلايا المناعة ويعمل على تدميرها، وبالتالي يعطل المناعة الطبيعية في الجسم، وهذا قد يكون عاملاً وراء حدوث أمراض المناعه الذاتية، ووجود كميات كبيرة من الزئبق في الجسم قد يؤدي إلى حدوث التهاب في المفاصل والجلد واكتئاب ودوار وإرهاق وأمراض اللثة وتساقط الشعر وأرق وفقدان الذاكرة وضعف العضلات وزيادة في إفراز اللعاب واضطراب في نشاط الإنزيمات يؤدي إلى العمى والشلل. وأشار القحطاني إلى أن العلامات التي تشير إلى حدوث التسمم بالزئبق تشمل تغيرات في السلوك واكتئاباً وتهيجاً وزيادة النشاط، وبعض الأشخاص تظهر عليهم علامات الحساسية"الأزمة الصدرية". ولفت إلى أن أعراض مادة الزرنيخ هي القيء والإسهال والبول الدموي والشد العضلي والإجهاد والضعف وفقدان الشعر والتهاب الجلد وآلام الجهاز الهضمي والتشنجات، ويؤثر بعد ذلك على الرئة والكلى والكبد والجلد، ويحدث الزرنيخ بعض أنواع السرطانات مثل سرطان الكبد والجهاز الليمفاوي والرئة. وأضاف، أن أعراض مادة السيليمنيوم هي التهاب المفاصل وتقصف الأظافر، ورائحة غير طبيعية في التنفس كرائحة الثوم، واضطراباً في المعدة والأمعاء، وتساقط الشعر والتهيج، ودوار في الكبد والكلى، والإحساس بطعم معدني في الفم وشحوب الجلد وظهور طفح جلدي واصفرار في الكبد. ... ويلوثان المياه والغذاء والهواء والتربة حذّر أستاذ علم البيئة عضو هيئة التدريس في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور عبدالرحمن سعيد محمد آل حجر، من المعادن"السامة"التي ترافق استخراج المعادن الثقيلة، مؤكداً أن لها أثراً خطيراً، سواء كانت بجرعات بسيطة لمدة طويلة، أم على جرعات كبيرة خلال مدى زمني قصير. وأشار إلى أن المعادن السامة التي ترافق استخراج المعادن النفيسة كالذهب والفضة مثلاً، تختلف درجة السم فيها، بحسب التاريخ الطبيعي للمنطقة المستهدفة بالتعدين، مشدداً على أن معدني الزرنيخ والزئبق يعدان من الملوثات الخطرة للماء والهواء والتربة، والغذاء سواء كان نباتياً أم حيوانياً. وألمح إلى أن أهل الاختصاص عرفوا الزرنيخ Arsenic AS على أنه عنصر كيمياوي لا فلزي لا طعم له ولا رائحة إذا كان في صورته النقية، ويوجد على ثلاث صور مشهورة في الطبيعة، ويكون في الغالب ضمن مركبات كيمياوية، كأكاسيد أو مع بعض الفلزات، من بينها النحاس والحديد والفضة. ويعد معدن الأرسينوبيريت الذي يتكون من كبريتيد الحديد والزرنيخ المصدر الأساس لهذا المعدن. وأضاف أن خطورته تكمن في كونه يبقى مدداً طويلة في مصادر المياه والغذاء والتنفس، وتعدد صوره المعدنية بحسب التفاعلات الكيميائية والكيموضوئية التي يتعرض لها، وتنقله عبر السلسلة لغذائية، وقدرته على الدخول في مركبات عضوية وغير عضوية. وأكد أن أعلى حد لهذا لمعدن في المياه 340 ميكروغرام لتر، بحسب مواصفات وكالة حماية البيئة الأميركية.