تفنيداً لما تكرمت به الأخت عاتكة معقبة على مقالي زوجة واحدة لا تكفي في جريدتنا"الحياة"بتاريخ 14-3-2006، أود توضيح بعض النقاط المهمة: يمكنني أن أخاف من شيء ولكنني على رغم ذلك افعله، لأن هناك أموراً أقوى تدفعني إلى فعل هذا الشيء، ثم اكتشف أن تقديراتي التي جعلتني أخاف هذا الشيء قد أكون مبالغاً فيها، وهذا هو معنى جزئية"وأن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة"الآية، أي إنني أن خفت فواحدة وان لم أخف فلأعدد، على رغم إنني أدرك استحالة العدل بشكل مطلق بين زوجاتي العدل المطلق لله فقط، لكنني أقدم على التعدد ونيتي خالصة في أن أعدل ما استطعت، والتزم بضوابط التعدد وبعد ذلك أتوكل على الله. تقول"وليس من دواعي التعدد الحالات الطارئة"، ولا أدري من أين جيء بهذا، وإذا سلمنا بوجوب الحالة الطارئة، فلماذا لا تكون شهوانية الرجل حالة طارئة؟ فالآية واضحة. ولأن إشباع شهوانية الرجل بزوجة أخرى من أهم الأسباب، وقد خُص الرجل بهذه النعمة لأسباب تصب في النهاية للتكاثر. وقد كانت المرأة تعدد قبل الإسلام إذ كانت تتزوج حتى عشرة أزواج، وعندما تنجب تنسبه عشوائياً لأحدهم، وما زال يُمارس ذلك في بعض قبائل الهيملايا حتى وقتنا الراهن، وهذه الدوافع في تقديري واحدة من حكم الخالق عز وجل لترخيص التعدد للرجل، لكن للأسف فقد شوه هذا المعنى معارضو التعدد ومعظمهم من النساء، وذلك لصرف الرجل عن التعدد، وأنا أعذرهن بسبب غيرتهن وأنانيتهن، وتارة بدعوى أن الله أباح ذلك للطوارئ كما ذكرت الأخت الفاضلة، وكأن هؤلاء أدرى من الخالق عز وجل عندما أباح التعدد، وجعله هو الأصل في معظم المخلوقات. ونحن نرى ذلك يتماشى مع الفطرة والسيكولوجية الجنسية للذكر، وأجزم أنه لا يوجد رجل طبيعي إلا وفكر في لحظة من اللحظات في أن يشبع شهوانيته بأكثر من امرأة، وهذه فطرة في معظم الرجال، وللأسف يُفهم من حديث الأخت عاتكة أنها تعتبر شهوانية الرجل مسبّة، بل هي فطرة خلقها الله في الرجل، ولولا هذه الفطرة التي تمقتها لما لهث ذكر خلف أنثى إلا نادراً بشر وحيوانات، ولاختلت الموازين ولما كان هناك تكاثر بالقدر الذي نراه الآن. وأنا عندما قصدت امرأة واحدة لا تكفي تحدثت عن حقائق فطرية طبيعية، يجب ألا نضع العراقيل أمام إشباعها وفق الضوابط المرعية، ويظل هذا ناموساً منذ أن خلق الله المخلوقات وحتى قيام الساعة، وقد كانت هذه الممارسات تتم من دون ضوابط عند بداية تطور البشر حتى ان الأمر كان أفظع من مجرد تعدد زوجات، بل تعداه ليصل إلى ممارسات شاذة ما زالت تمارس في كثير من المجتمعات، وكلنا نعرف كيف كانت الحياة الجنسية قبل الإسلام، وهذه أمور لا جدال فيها. كما أنه ليس بالضرورة أن يكون تفكك الأسرة وانحراف أبنائها سببه التعدد، ولو كان الأمر كذلك لمنع هذا رسولنا صلى الله عليه وسلم وصحابته المعددين من التعدد؟ وأنا شخصياً أعرف أسر مُعددة كثيرة كان أولادهم مثالاً للاستقامة والورع والتآلف حتى بعد وفاة والدهم، وأنا عندما كتبت أن زوجة واحدة لا تكفي لم أخص المجتمع الخليجي فقط، بل قصدت البشر جميعاً. وبالله عليكم ما هو الأفضل لنا كمسلمين أن يبحث الرجل عن إشباع غرائزه بمزيد من الزوجات أم يفعل الفاحشة من وراء زوجته، كما يحدث الآن من كثير من الرجال، وأن يتم التعدد بشكل علني ووفق الضوابط التي أوجدتها لنا الشريعة الإسلامية خلافاً للأمم الأخرى. وقد تقول امرأة، لماذا لا يحترم الرجل شعور المرأة بألا يتزوج عليها؟ وأقول لها، ولماذا تكون الزوجة أنانية وتمنعه من رخصة رخصها له الله؟ ولماذا تأخذ هذا الموضوع بهذه الحساسية المفرطة في حين أن الأمر يجب أن يكون طبيعياً وفطرياً؟ أليست أنانية منها أن تستأثر برجلها وحدها بينما توجد أنثى أخرى يمكنها أن تتمتع به أيضاً في ظل الظروف التي خلقناها بأنفسنا وجعلت الكثير من النساء حبيسات العنوسة لفترات طويلة، وأكثرهن مغلوبات على أمرهن، كما أدى ذلك إلى تفكير كثير من الأزواج في الحرام. ألا تدرك الأخت أنه إذا كثرت مثل هذه الصيحات فربما يؤدي ذلك إلى التأثير في القوانين كما حدث في تونس مثلاً، وما يجره ذلك من عواقب وخيمة على المجتمع على المدى الطويل. تخيلي لو أن الله قدر لي أن آتي إلى هذه الوجود بسبب التعدد من زوجة ثانية مثلاً، هل تستطيع قوة في الأرض منع ذلك؟ هذا يعني أن هذه الأمور تسير بنواميس وقوانين تفوق مقدرتنا الاستيعابية المحدودة أمام عظمة الخالق وحكمته. كفانا تنظيراً وأنانية ومحاولة تغيير أمور خلقها الله في عباده لحِكم يعلمها هو وحِكم قليلة نعلمها نحن. حيدر بابكر- مقيم في الرياض