الدكتور مرزوق بن تنباك واحداً من الأسماء المميزة في الثقافة السعودية، أثرى المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات المهمة، كما شارك في موسوعة"القيم ومكارم الأخلاق"، وموسوعة"الأدب السعودي"، وهو معروف بمعاركه الحامية في سبيل نصرة اللغة الفصحى على العامية. أصدر بن تبناك أخيراً كتاباً جديداً، يثير الكثير من الجدل، بما قدمه من نتائج، يذهب نحو مخالفة ما تعارف عليه المهتمون، هذا الكتاب هو"الوأد عند العرب بين الوهم والحقيقة". وفيه يخوض الدكتور في مسألة من مسائل التراث الإسلامي، وتنحصر فكرة الكتاب في نقض الإجماع الذي تواطأ عليه المفسرون في تفسيرهم لقوله- تعالى-:"وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت". وباستقراء فصول الكتاب يعلم القارئ أنّ وجهة نظر المؤلف ترى أن وأد البنات في التراث العربي هو وهم مختلق، وأن النصوص القرآنية التي نهت عن قتل الأبناء لم تخصص وأد البنات بشيء، ليصل ببحثه إلى نتيجة: أن الضمير في"وإذا الموؤودة سئلت"يعود إلى النفس الموؤودة، أي النفس المقتولة عموماًّ، مستعيناً في هذا الاحتجاج بالآيات التي وردت في النهي عن قتل النفس التي حرّم الله في كتابه الكريم. هنا حوار معه حول طروحاته في هذا الكتاب وقضايا أخرى. تعرّض كتابك الجديد حول الوأد إلى مسلّمة ثابتة في تراثنا، وهي قضية وأد البنات عند العرب، و حاولتَ إنكار ما أجمع عليه الأدباء والمفسرون في هذه القضية، كيف ترى ذلك؟ قضية الوأد ليست مسلمة علميّا، وإنما سوّغها التكرار وعدم البحث في أصولها العلمية، فكان هذا الكتاب هو مناقشة لتلك الآراء المكررة التي نُقِل بعضُها عن بعضٍ، دونما اعتماد على ثوابت. في عرضك للأحاديث التي ذكرت وأد البنات في السنن، استخدمت مصطلح الحديث اليتيم، فماذا قصدتَ بهذا المصطلح، خصوصاً أن الاصطلاح غير معروف؟ لم يكن هناك أحاديث عن وأد البنات في السنن، إلا حديث واحد، تكرر في كتب السنن، وهو حديث ورّاد، ومصطلح"اليتيم"يُعنى به الشيء الفرد الذي لا ثاني له، وليس ذلك مصطلحاً في علم الحديث، بل هو مصطلح استعمالِ اللغة، واذ إنه لم يرد في السنن إلا هذا الحديث فقد وصفته باليتيم، على لغة العرب. ذكرت أصل روايات حديث ورّاد، وهو الأصل الموجود في جميع الروايات التي درستَها، فهل درست درجة كل رواية، ودرجة كل زيادة من الزيادات في أسانيد الحديث؟ - اعتمدتُ على النص الظاهر والمكرر في روايات متن الحديث. استشهدت بأثر ورد عن علي في إطلاقه على النطفة أو النفس عبارة:"الموءودة الصغرى"، ولكن هناك أحاديث في مسند الإمام أحمد تنفي أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- اعتبر النطفة المعزولة موءودة صغرى، وكذلك حديث جابر الصحيح:"كنا نعزل والقرآن ينزل"، فكيف ترى هذه المسألة؟ ما أوردته هو حديث جرى بين الصحابة، وليس متعلقاً بجواز العزل أو عدمه، لكنه متعلق بأن الصحابة كانوا يتحدثون عن أن النطفة موءودة، على معنى النفس الذي ذهبتُ إليه. ولكنّ آيتي النحل"وإذا بشّر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودّاً وهو كظيم"... إلى قوله:"أيمسكه على هون أم يدسّه في التراب..."، لماذا عدلت عن المعنى الظاهر في هذه الآية إلى المجاز، مع أنك قلت في بداية الكتاب إنك ملتزم بظاهر النص ما لم تقم قرينة على المجاز، وهل لديك شاهد من عصر الاستشهاد في مادّة دسّ- يدسّ على أنها بمعنى الإهانة والإخفاء، وإذا كان فهل اقترنت الكلمة دس-يدسّ بلفظ التراب أم لا؟ القرآن الكريم جاء معبّراً عن الغيظ الذي يصير إليه المُبشَّر بالأنثى، فوصف الحال ممثلة بما تعرفه العرب، ولم أكن أنا أول من فسر الآية بمعنى الإخفاء، بل أبو حيان الأندلسي فسر الآية بما نقلته عنه، والشاهد أنّ الدس في اللغة يعني الإخفاء، ولا يعني القتل، والقرآن الكريم عندما أشار لم يشر إلى القتل وإنما إلى الإخفاء. المفسرون يسيرون من دون تحقيق أو نظر مِن المعروف أن الروايات التي يستأنس بها المفسرون لا تشترط قطعية ثبوتها، ولكن كيف ترى وقد أجمعوا على الروايات التي دحضتَها في تحقيقك؟ لأن المفسرين التقطوا كلمة الوأد من لسان واعظ في ما أظن، وتابع بعضهم بعضاً على ذلك من دون تحقيق أو نظر، ولذا فإنّ جميع نصوص المفسرين تأخذ بيت الفرزدق على أنه الشاهد: ومنا الذي منع الوائداتِ/ فأحيى الوئيدَ ولم يوأَدِ. تطرقت إلى ذكر الشعوبية باعتبارها دافعاً لإدخال نعوت السوء على العرب في التراث العربي، ألا ترى في قضية وأد البنات أن الشعوبية ليست بتلك القوة لتقنع المفسرين وأهل الحديث ورواة الأدب بهذه الفكرة؟ ما ذكرته عن الشعوبية هو ما أشارت إليه كتب التراث، ومن طبيعة الأشياء أن تردّ الشعوب غير العربية على العرب عندما يفخرون عليهم فيبحثون عن أمجاد مثل أمجاد العرب، ويهوّنون من شأنهم، وقد ذكرت في الكتاب كتباً عدة، تناولت العرب ومثالبهم، وكلها للشعوبيين والموالي، وليس حديثي عنهم اليوم موقفاً عربياً، ولكنه تفسير للأحداث الماضية، فإسماعيل بن يسار يقول في أبيات يفخر فيها بنفسه وشعوبيته على العرب: إذ نربّي بناتِنا وتدوسو....نَ سفاهاً بناتكم في الترابِ هل تتوقع لهذا الكتاب أن يثير عاصفةً أو جدلاً كبيراً؟ أرجو ألاّ يثير ذلك زوبعة ولا أعاصير، فنحن لسنا على استعداد لمواجهتها كأميركا يبتسم، ولماذا تفترض حدوث هذه الزوابع والأعاصير؟