اندثرت عادات كثيرة كانت سائدة في جبال جازان، ولكن لا يزال هناك من يتذكرها، ولعل أشهرها ما كان مرتبطاً باستقبال شهر رمضان. ويقول العم حسين المالكي 85 عاماً إنهم كانوا ينتظرون شهر رمضان بفارغ الصبر، فقد يكون الشهر الوحيد الذي يجدون أنفسهم خلاله بين أسرهم وأهليهم لأنهم يتوقفون فيه عن مشاغل الزراعة والرعي والسفر. ويضيف أنهم كانوا يستعدون للشهر الكريم قبل حلوله بوقت كاف بالسفر إلى الأسواق البعيدة لإحضار حاجياتهم لما يكفي شهراً كاملاً لتجنب مشقة جلبها في رمضان. ويوضح المالكي أن ذلك كان يتطلب قطع مسافات طويلة باستخدام الدواب، أما المواد المجلوبة فكانت بسيطة ومنها الملح والأرز والسكر، كون السكان لديهم اكتفاء ذاتي، والمجتمع حينها كان يعتمد على الزراعة وتربية الماشية، وكانت مزارعهم تجود بالكثير من المحاصيل الزراعية التي تغنيهم عن الشراء، إضافة إلى المنتجات الحيوانية من لحوم وألبان. ويضيف المالكي:"مائدة الإفطار كانت عادية ولا تزيد محتوياتها على صنفين أو ثلاثة من المأكولات، وكان هم الإنسان في ذلك الوقت هو ملء بطنه بالأكل بغض النظر عن نوعية ذلك الطعام بعكس ما نحن عليه الآن من النعم الكثيرة والعميمة التي تستحق منا شكر المولى عز وجل". وعن كيفية إعلان دخول الشهر الكريم، أوضح المالكي أن المجتمع الجبلي كان عبارة عن قرى متناثرة هنا وهناك مزدحمة بالسكان وكان هناك بعض المهتمين بمتابعة رؤية الهلال وعند ثبوت رؤيته في مكان ما يبدأ النداء من قرية إلى أخرى حتى يصل الخبر إلى القبائل والقرى الأخرى أو إشعال النيران عند القمم المرتفعة لتشاهد من أماكن بعيدة، حيث يكون السكان في تلك الليلة في ترقب ومتابعة لأخبار الشهر. وأضاف:"كانت هناك صدقية كبيرة وخوف شديد من الله، فيبدأ السكان في استغلال عظمة الشهر بالمرابطة عند المساجد والاعتكاف وتخصيص معظم الوقت للصلاة وتلاوة القرآن الكريم مع عدم إهمال أعمالهم. وبعد فترة استبدل النداء وإشعال النار بوسيلة أخرى، أخذ الناس يطلقون الأعيرة النارية بكثرة عند رؤية الهلال للإعلام بدخول الشهر أو نهايته، حتى بدأت أجهزة المذياع والتلفاز في الظهور. ومع ذلك استمر إطلاق الأعيرة النارية تعبيراً عن الفرح بدخول الشهر أو الأعياد. وعن العادات التي كانت سائدة في السابق في شهر رمضان أوضح المالكي أن سكان القرية الواحدة من الرجال كانوا يتجمعون عند المسجد قبيل الإفطار، مصطحبين معهم الأطعمة المختلفة حتى يأكل كل واحد منهم من طعام الآخر بحثاً عن الأجر، وكذلك يجد الفقير أو عابر السبيل ما يحتاج إليه من الطعام. ويشير المالكي إلى أن الذين يجيدون تلاوة القرآن الكريم كانوا قليلين، فكانت تقام حلقات في المسجد، حيث يقوم حفاظ القرآن بالتلاوة بينما يستمع البقية في خشوع تام.