حين قال أحد خبراء المال لعميل طلب نصيحته في طريقة ادخار أمواله، مزّق جميع البطاقات الائتمانية لديك وابدأ المشوار، حصل ذلك وقت كان خبير آخر في أحد صالات المزادات يرد على سؤال لأحد الزائرين المترددين على صالته بالقول:"ابدأ البحث فوراً في مخزنك ومخزن والديك وفتش في أغراضك القديمة سعثر بالتأكيد على كنز لم تكن تعلم به". هكذا كانت البداية البسيطة لمازن الجمال 39 عاماً المولع بالمقتنيات. صحيح أنه لا يملك الكثير منها، ولا المال الكافي للدخول في منافسة مع أحدهم لشراء قطعة ثمينة، لكنه تلقى درساً مهماً في عالم المقتنيات مفادها أن أي قطعة يملكها أو يعثر عليها لا بد من أن تصبح يوماً من الأيام كنزاً، وإن كانت ليس له فربما ستكون لابنه أو حفيده. أساتذة وعلماء الاجتماع يقولون إن توافر"الرغبة"أو"الشهوة"للاقتناء لدى الإنسان كان له أكبر الأثر في نشأة أسواق المقتنيات وصالات المزادات، فتلك"الرغبات"و"الشهوات"قابلها من الجانب الآخر"معرفة"و"اطلاع"نوعاً ما من البعض الآخر لحقيقة ما بين يديه، ليأتي طرف ثالث"خبير"بناء على خلفية ثقافية كبيرة، يعرف الثمن الحقيقي لتلك القطعة، وينجح في التوفيق بين الطرفين السابقين، لتكون هنا النشأة الحقيقية لما يعرف بسوق المزادات. ويتردد السؤال لدينا، هل نحن فعلاً مولعون بالفطرة بالمقتنيات، وإذا حدث ذلك، هل نعرف قيمتها؟ وإذا عرفنا قيمتها فكيف نحافظ عليها؟ وإذا أردنا استثمارها فكيف يكون ذلك؟ مازن الجمال يملك حالياً ساعة جيب قديمة أعطاها إياه والده قبل نحو 20 عاماً، حينما رآه يحملها بين يديه. فالطفل خطفها من يد والده واحتفظ بها. لكن لم يعرف الطفل آنذاك قيمتها ولا ما ستمثل له مستقبلاً، لكنه احتفظ بها في صندوق داخل خزنته، وتعلق بها كونها من والده العزيز. وكبر الطفل وكان يشعر أن شيئاً ثميناً يملكه، لا بل إنه نسي أنه عندما كان طفلاً خطف من والده تلك الساعة واحتفظ بها في خزنته. وكانت المفاجأة أن الأسرة رغبت في الانتقال من منزلها وكان لزاماً على مازن أن يجمع أغراضه، ولدى فتح الخزنة وجد تلك الساعة محشورة بين ملابسه، تأمل فيها، حاول استرجاع الذاكرة التي خانته في تذكر تلك الحادثة. وبعد انتقال الأسرة إلى المنزل الجديد، وكانت صورة ساعة الجيب لا تفارق خياله. وفي المنزل حمل الساعة وأخبر والده أنه عثر عليها بين ملابسه، ليتذكر الأب أنها ساعته وان ابنه خطفها من بين يديه وهو صغير، ولكن الأب نفسه لم يعر الأمر اهتماماً حينذاك. هذه الصورة وغيرها من الصور قد تكون تكررت لدى الكثير منا بالتأكيد، ويعني ذلك أننا نملك مقتنيات ثمينة لكننا لا نعرف قيمتها؟ في مقابل تلك الصورة السابقة، هناك أشخاص آخرون تولدت لديهم منذ الصغر هواية جمع كل ما هو قديم لتتحول هذه الهواية إلى احتراف. ولعل قصة أحد اشهر المقتنين في السعودية هو عبد المجيد الخريجي الذي يملك حالياً نحو 25 ألف قطعة من القطع النادرة من بينها العملات الإسلامية والقديمة المهمة التي استغرق جمعها نحو ربع قرن تقريباً، من أهمها مثلاً"دينار"هاشمي الذي ضرب في مدينة مكةالمكرمة في عهد الحسين بن علي كتب عليه عبارة"ملك البلاد العربية"ومتوافر منها في العالم قطعتان فقط، إحداها يملكها متحف بريطاني. وتأكيداً للمقولة السابقة فإن هناك الكثيرين لا يعلمون قيمة ما بين أيديهم، ويقول عبد المجيد الخريجي أنه اشترى مجموعة من العملات من أحد الهواة لم يكن هو ولا صاحبها يعلمان قيمتها، وبعد عامين اكتشف أنها قطعة نادرة جداً وحينما علم صاحبها بالأمر طالب بها وهدد باللجوء إلى المحاكم? ويرجع الخريجي سبب عدم تطور سوق المقتنيات إلى عدم توافر خبراء متخصصين سواء في العملات أو الطوابع أو الأثاث وغيرها. ويبدو أن موضة بيع المقتنيات دفعت البعض للإعلان في الصحف عن امتلاكهم وثائق وعملات معروضة للبيع، الأمر الذي دفع أمين دارة الملك عبد العزيز الدكتور فهد السماري إلى التحذير وتحري الدقة في ما يعرض للبيع من وثائق وعملات، موضحاً أن ما يحدث من مزايدات وعروض لبيع هذه الوثائق الرسمية يعد منافياً للمواطنة، التي تحتم الاحتفاظ بها خصوصاً الوثائق التاريخية، فهي على حد تعبيره، ذاكرة وطن. مؤكداً أيضاً في هذا الجانب أن الأنظمة في معظم دول العالم تحظر تداول الوثائق الرسمية، ولا سيما في مجالي البيع والشراء وتعتبرها من الممتلكات الوطنية التي ينبغي المحافظة عليها. ويشير إلى أن إمكانية التزوير في هذا المجال عالية وربما تقود إلى خداع كثيرين يجهلون طريقة الكشف، مؤكداً أن دارة الملك عبد العزيز تبذل جهوداً للمحافظة على هذه المصادر التاريخية المهمة، وتستقبل الوثائق من خلال وسائل عدة سواء بالإيداع أو التعويض لأصحابها المباشرين وفق تقديرات لجنة خاصة شكلت لهذا الغرض، وأن من يملك قطعة نادرة عليه الرجوع إلى المختصين.