تظهر الأدلّة في الوقت الراهن إبداء إيران نوعاً من الاستعداد للتخلّي عن بشار الأسد والاعتراف بأنّ وقت رحيله قد حان. وفيما يستعدّ المجتمع الدولي لاعتماد مقاربات أكثر حزماً تجاه الأسد، على خلفية الادعاءات حول استخدامه الأسلحة الكيماوية ضدّ المدنيين يوم الأربعاء الماضي، تستعدّ إيران أيضاً لإغلاق هذا الفصل مع الأسد. والجدير ذكره أنّ إيران، وهي أشدّ المؤيدين لبشّار الأسد إلى جانب روسيا والصين، اكتفت بإدانة هذا العمل من دون اتّهام أي طرف، على عكس روسيا التي اتّهمت المتمرّدين باستخدام غاز السارين. ومنذ فترة قصيرة، قال رئيس الحرس الثوري:"يشكّل كلّ من سورية والأسد خطّاً أحمر بالنسبة إلينا، وقد يُعتبر أي هجوم على سورية كأنّه هجوم مباشر على إيران". أمّا هذا الخطّ الأحمر الذي ذكرته إيران، فيشير إلى خطّ المقاومة الذي شكّلته سورية وحزب الله ضدّ إسرائيل. بيد أنّه منذ يوم الأربعاء، حين تم نشر صور لمئات القتلى وغالبيّتهم من الأطفال والنساء، من المستحيل أن تصرّ إيران على موقفها الداعم للأسد، لا سيّما إذا ما وُجدت أدلة على استخدامه أسلحةً كيميائية ضدّ المدنيين الذين يشكّلون خطاً أحمر بالنسبة إلى الرئيس أوباما. وضمن رد الفعل الأول إزاء استخدام غاز السارين ضدّ المدنيين في سورية، أدان حسّن روحاني، الرئيس الجديد لإيران هذا العمل من دون توجيه أصابع الاتهام إلى أي طرف، أو حتّى توقّع هويّة الجهة المسؤولة. وخلال زيارة قام بها برفقة أعضاء الحكومة يوم السبت إلى ضريح الخميني، أعرب عن قلقه وحزنه الكبير أمام الصحافيين، وقال إنّه يتعيّن على المجتمع الدولي استخدام كلّ نفوذه لمنع اللجوء إلى هذا النوع من الأسلحة في أي بلد حول العالم. وقد أوضح روحاني بطريقة ديبلوماسيّة جدّاً أنّ إيران لن تدفع ثمن دعمها لبشّار الأسد في حال تمّ إثبات إجرامه. واللافت أنّ إيران تبدي نوعاً من الاستعداد والقبول بالضربة التي قد توجّهها الولاياتالمتحدة الأميركية وحلفاؤها ضدّ الأسد في سورية. وتعرض القنوات الحكومية الإيرانية الكثير من البرامج التي تتحدّث فيها التحليلات الجديدة عن الهجمات المحتملة ضدّ سورية، وعن الأهداف المرتقبة. ولا بدّ من القول إنّ هذه التفاصيل كلّها تُظهر تحوّلاً عميقاً وسريعاً في سياسة إيران الخارجية، ورغبتها في اعتماد لغات ديبلوماسية جديدة. إشارةً إلى أنّ هذه اللغات المختلفة التي تحبّ أن تلجأ إليها إيران جديدة نسبةً إلى تلك التي شهدناها خلال عهد أحمدي نجاد، حتّى ولو لم تشهد السياسة أيّ تغيّر جذري. وتشير بعض التحاليل على قنوات إيران الحكومية إلى السيناريوات المحتملة في حال عدم موافقة مجلس الأمن الدولي على هجمات الولاياتالمتحدة الأميركية ضدّ سورية. وثمّة نوع من الاستعداد القويّ في إيران للفترة التي ستلي تنحّي الأسد، وقبول مواجهة تقودها الولايات المتّحدة الأميركيّة في المنطقة. ولا شكّ في أنّ نهاية الأسد، ستؤدّي إلى نهاية حزب الله أيضاً، وإلى نهاية هيمنة إيران على البلدان المجاورة لإسرائيل. ولا يمكننا أن نتأكّد من أنّ إسرائيل ستكون في مكان آمن أكثر بغياب الأسد وحزب اللّه، ولكنّه من المهمّ جدّاً في الوقت الحاضر أن تعمل الولايات المتّحدة الأميركيّة وحلفاؤها في الغرب على حلّ الأزمة في سورية. فمن الأهمية بمكان أن تمنع الولايات المتّحدة الأميركيّة تحوّل سورية إلى ملاذ آمن للإرهاب كما في العراق، أكثر من معرفة الجهة التي تقف وراء استخدام غاز السارين. ويتخطّى الصراع حدود سورية، لينتقل إلى لبنان ويخلّف بعض الآثار في العراق، متّخذاً طابع حرب عرقيّة ودينية، وليس معركة من أجل الديموقراطيّة. وإذا كانت إيران تدرك أنّ هذا التطرّف يشكّل تهديداً كبيراً لمصالح أمنها القومي، بالتالي، تعتبر الطريقة المثلى للمحافظة على مصالحها الشخصية اتّخاذ موقف محايداً في هذه المعركة. أمّا الدولتان اللتان تتمتّعان بنفوذ واسع في سورية وبحقّ النقض في مجلس الأمن الدولي، فهما روسيا والصين. ويفوق الدور الذي تضطلع به إيران أهميّة دور روسيا على رغم التأثيرات التي تمارسها على حزب اللّه. بيد أنّ موقف إيران الإقليميّ الراهن من الصراع، والذي لطالما أُدينت بسببه، إضافة إلى اعترافها العلني بدعم الأسد، يضفيان جوّاً مشحوناً في البلدان الإسلامية، بخاصّة في أوساط الطائفة السنّية. ولا بدّ لنا أن نعرب عن تفاؤلنا إزاء كلّ التحوّلات التي شهدتها إيران في شكل متزايد، منذ استلام روحاني منصب الرئاسة. يمرّ هذا البلد بفترة انتقاليّة جديدة، يبتعد فيها عن التطرّف لفرض إدارة أكثر منطقيّة. وقد عمد كلّ رئيس في إيران على وصف حالة الغالبية بين دائرة النخبة الحاكمة، إذاً إنّ فرض جوّ جديد في البلاد، أفضل من اتّخاذ موقف ديبلوماسيّ صامت. ويترجم انتخاب روحاني التغييرات التي تشهدها إيران، وضرورة الإسراع في تطبيقها قبل فوات الأوان. وغيّر المرشد أسلوبه في الكلام، ودعا الحرس الثوري إلى الهدوء وعدم التدخّل في معظم الأحداث الدولية. وقد طُبّق ذلك فعليّاً، إذ نأى هذا الحرس بنفسه خلال الشهر الأخير عن كلّ الأحداث التي جرت مؤخّراً. ومن المفاجئ أن نشهد عدم تدخّل الحرس الثوري في الشؤون السورية وفي الشؤون الإقليميّة الأخرى، وقد يقتنع هذا الأخير بوجوب عدم تدخّله في هذه الأمور من جديد. أمّا في الوقت الراهن، فيجب تطبيق أوامر الرئيس الجديد روحاني. واللافت أنّه قد طُلب في الوقت نفسه من معظم المؤسسات في هذه الجمهورية الإسلامية، بما فيها الحرس الثوري عدم التدخّل. إشارةً إلى أنّ إيران تخوض فترةً حرجة، ويتحتّم على روحاني بذل كلّ جهوده لإنقاذ البلاد من الأزمة التي تعيشها. ولا بدّ من الإشارة أخيراً إلى أنّ النظام في طهران يقبل الفكرة القائلة إنّه يجب أن يحلّ مبدأ الديبلوماسية محلّ المغامرة السياسية، ويتفهّمها، وهذا ما سيبرهنه لنا روحاني في القريب العاجل.