طُرحت الوحدة النقدية بين دول مجلس التعاون الخليجي في قمة الكويت الأخيرة، وبدت الفكرة أقرب إلى التبلور من أي وقت مضى، خصوصاً بعد توافق السعودية والكويت والبحرين وقطر على تأسيس مصرف مركزي موحد يصدر عملة موحدة بداية 2015. وكان هذا المشروع الطموح واجه عراقيل كثيرة، وقررت عُمان والإمارات عدم المشاركة فيه، وقدمت أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو وتأثيراتها في سعر صرف العملة الأوروبية الموحدة مادة للانتقادات. هناك كثير من المفاهيم المغلوطة في شأن توحيد العملة الخليجية. مثلاً يعتقد كويتيون بأن عملتهم هي الأقوى على المستوى العالمي نظراً لكونها تساوي 3.5 دولار أو 2.6 يورو أو 2.2 جنيه إسترليني، وهذا فهم غير صائب، فالأمر يتعلق بكمية النقود التي يمكن شرائها بعملات أخرى بموجب سعر الصرف السائد، وترتبط العملة الكويتية بسعر صرف الدولار وعملات رئيسة أخرى، وهي عملة تستخدم محلياً وليس في التجارة الدولية. ويظن خليجيون بأن توحيد العملة قد يؤدي إلى ارتفاع مؤشر التضخم ويزيد من أعباء المعيشة عليهم. وواجه اليورو تحفظات مماثلة ورفضته بلدان بعد عمليات تصويت شعبي، لكن سعر أي عملة يتحدد على أساس المتغيرات والتطورات الاقتصادية التي تجري في بلادها، مثل التحسن أو التدهور في الإيرادات السيادية أو الأرصدة النقدية المقومة بالعملات الأجنبية الأساسية، ناهيك عن العوامل السياسية والأمنية. ولتوحيد العملة بين دول شروط، أهمها اعتماد سياسات مالية متوافقة وتحديد معايير أساسية للإنفاق الجاري والرأسمالي ووضع سقف لمستوى العجز وربما الفائض في الموازنات الحكومية. والمطلوب أيضاً توافق على الفلسفة الاقتصادية بما في ذلك دور القطاع الخاص ومسائل الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وما عزز الوحدة النقدية في عدد من بلدان الاتحاد الأوروبي تناغم السياسات الاقتصادية في تلك البلدان واعتمادها كلها مبادئ اقتصاد السوق والمنافسة الحرة. وربما كان التحدي خلال السنوات القليلة الماضية في بلدان منطقة اليورو، هو عدم الالتزام بسقف عجز الموازنة المحدد في اتفاق "ماسترخت" بثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في أيّ من الدول الأعضاء. وكانت الأعباء الاجتماعية الباهظة من أسباب ارتفاع العجز في بلدان مثل اليونان والبرتغال وإرلندا وإيطاليا وإسبانيا. أما في بلدان الخليج فالأوضاع مختلفة حيث تعتمد الخزينة العامة في كل بلد على إيرادات النفط في شكل رئيس، وتتفاوت نسبة الإيرادات غير النفطية من إجمالي إيرادات الخزينة لكنها لا تشكل إلا نسبة متواضعة في أي من البلدان الخليجية. ولا شك في أن هذا الاعتماد على الإيرادات النفطية واستمرار تأدية الدولة في بلدان المنطقة دوراً مهيمناً في الاقتصاد يشكلان أهم التحديات أمام النظام النقدي المقترح. يضاف إلى ذلك أن ربط سعر صرف العملة العتيدة بالدولار، وهو عملة التسوية لمبيعات النفط وعملة الاستثمارات الخليجية في دول منظمة التعاون والتنمية، لن يشكل وضعاً مختلفاً إذ إن العملات المحلية الحالية مرتبطة بالدولار. لكن العملة الموحدة ستكون أساساً جيداً لتعزيز التجارة البينية والاستثمارات البينية في بلدان المنطقة، وستتحدد قيمتها وفق مجريات سوق النفط والتطورات المالية والنقدية في البلدان الرئيسة التي تتعامل معها دول الخليج. وسيمكّن توحيد العملة بلدان المنطقة من خلق كتلة نقدية جديدة يمكن أن توظف في عمليات التجارة بين بلدان المنطقة والشركاء التجاريين التقليديين، وقد تصبح يوماً من العملات المهمة في التعاملات بين الدول، كما هي حال الدولار واليورو والين وعملات رئيسة أخرى. ويمكن لنجاح الوحدة النقدية إذا اقترن بإنجازات في مجال السوق الخليجية المشتركة أو الاتحاد الجمركي وتعزيز درجة التنسيق ثم التكامل الاقتصاديين، أن يرفع مكانة دول مجلس التعاون الخليجي خلال السنوات والعقود المقبلة، فهذه الدول تحقق ناتجاً قومياً يزيد عن 1.2 تريليون دولار، وهو مستوى مهم يمكّن من تعزيز قوة العملة العتيدة. يجب النظر إلى العملة الخليجية الموحدة على أنها أداة مهمة في عملية الوحدة الاقتصادية التي أكدها ميثاق مجلس التعاون قبل أكثر من ثلاثة عقود. فهذه البلدان لا بد أن توظف آليات التوحيد في مختلف المجالات المالية والنقدية من أجل تنويع القاعدة الاقتصادية والارتقاء في نشاطاتها. والخطوات التي أقدمت عليها بلدان الخليج مثل إقرار البنك المركزي الخليجي ومقره الرياض والبدء بالدراسات المتعلقة بالسياسة النقدية وآليات إصدار العملة تؤكد أن هناك توجهات واضحة غير قابلة للتراجع في شأن إقامة منطقة نقدية واحدة خلال السنوات المقبلة. كاتب متخصص بالشؤون الاقتصادية - الكويت