تعاني روسيا مشكلة عقارية مزمنة، فحتى سنوات قليلة ماضية كانت البلاد تعيش على التركة السوفياتية إذ لم تشهد مساحات واسعة منها تحديثاً في قطاع البناء، وخصوصاً ما يتعلق منها بالمساكن. ولكن المشكلة الأكبر تتمثل في الغياب الكامل تقريباً لتجربة"المساكن الشعبية"الزهيدة الثمن نسبياً التي كان الاتحاد السوفياتي يوفرها للمواطنين. وأظهرت دراسات حديثة أن 60 في المئة من الروس ليسوا راضين عن مستوى معيشتهم في ما يخص السكن، ويحاول 30 في المئة فقط تحسين مستواهم بوسائل أبرزها الاعتماد المتزايد على القروض العقارية، بينما يميل نحو 67 في المئة منهم إلى محاولة التعايش مع واقعهم. واللافت أن الدراسات أظهرت أن هذه النسبة ليست"غير مبالية"، ولكنها لا تجد حلولاً لمشكلاتها وتبدو عاجزة عن تحمل صعوبات القروض الطويلة الأمد. وعلى رغم ذلك، شهدت السنوات الماضية طفرة تعتبر سابقة، إذ انطلقت مشاريع إسكانية كبرى في موسكو وعدد من المدن الكبرى، ووصلت إلى الأقاليم حيث مستوى المعيشة والموازنات المقررة أقل. وتبني روسيا سنوياً ملايين الأمتار المربعة السكنية، ولكن غالباً، وبصعوبة، يتم تغطية الطلبات على الشقق في المناطق المركزية، ولذلك تزيد نسبة البناء سنوياً. ومن المقرر بحلول عام 2018 استثمار ما لا يقل عن 83 مليون متر مربع. ومن أنشط المحافظات في هذا القطاع محافظة موسكو، حيث 10 في المئة من إجمالي الاستثمارات الروسية الخاصة في قطاع العقارات، أما المنطقة الوسطى الأورال فتشهد بناء أكثر من نصف المساحة الإجمالية للسكن في البلاد. ومع نهاية عام 2012، بلغت نسبة المساحة السكنية للفرد 23 متراً مربعاً، كما بلغت وسطياً كلفة المتر المربع 1650 دولاراً، في حين يبلغ المتوسط المعيشي الشهري للفرد نحو 850 دولاراً، أي أن تحسين المستوى السكني وظروف المعيشة بالنسبة للكثيرين مستحيل. ودفع ذلك إلى زيادة نشاط القروض العقارية، وغالباً يبيع الروس ممتلكات ويحصلون على أضعاف قيمتها من المصارف لشراء مسكن جديد. وأشارت دراسة مشتركة أجرتها وكالة للإسكان والقرض العقاري مع"المعهد الدولي للتسويق والبحوث الاجتماعية"جي إف كي روس، إلى أن 1.4 مليون أسرة روسية تعيش تحت سيف القرض العقاري. وأبرز أنواع العقارات المرهونة بهذه القروض هي شقق في مبان سكنية، بما نسبته 93 في المئة من إجمالي القروض، أما المنازل فبلغت نسبتها من القروض ثلاثة في المئة، ما يدل على أن الروس مازالوا يفضلون النمط السوفياتي في العيش داخل مبان كبرى، بينما تختار فئة محدودة جداً شراء فيلات أو منازل مستقلة. ولفتت"الوكالة الوطنية للدراسات المالية"نافي إلى أن نسبة الروس الذين يخططون لتحسين ظروفهم المعيشية عبر القروض العقارية زادت إلى 36 في المئة هذه السنة، من 24 في المئة عام 2012. وأوضح خبراء أن أقل من 36 في المئة يعتمدون فقط على مواردهم المالية، مقارنة ب 43 في المئة العام الماضي كانت ظروفهم المالية تؤهلهم لحل هذه المشكلة من دون اللجوء إلى القروض، ما يُظهر تراجع القدرة الشرائية. صعوبة القروض العقارية ولكن الحصول على قرض عقاري ليس متاحاً دائماً للروس لأن مستوى الأجور في المناطق تختلف عن المركز، ومعظم سكان الأقاليم لا تتجاوز دخولهم الشهرية الحد الأدنى للمعيشة البالغ 4611 روبل 146 دولاراً. وتعهد الرئيس فلاديمير بوتين أخيراً تسهيل الحصول على القروض العقارية للفئات الفقيرة، معتبراً أن القرض يجب أن يكون لمدة أطول وبفائدة أقل. وكان رئيس الوزراء ديميتري مدفيديف اعتبر أن الرد المناسب على ارتفاع كلفة المتر المربع في روسيا، يكمن في وضع برامج تمويل عقاري خاصة لشرائح معينة من السكان. وانطلقت بالفعل بعض البرامج لفئات عديدة، من بينها"الرهن العقاري العسكري"و"القرض العقاري للمعلمين الشباب"و"القرض العقاري للمتخصصين في الأرياف". ولكن لا يمكن تحديد مدى نجاح البرامج في تحسين أوضاع السكن لفئات متدنية الدخل قبل مرور سنوات على انطلاق المشاريع لمعرفة مدى جديتها وقدرتها على الاستمرار.