انتهت الدورة الرابعة والثلاثون من الأيام الأدبية لمدينة سولوتورن السويسرية بمشاركة مئة كاتب وشاعر من سويسرا وبعض دول العالم، بينهم أسماء سويسرية لامعة مثل جون فرانسوا هاس، ونيكولا فيردان، إضافة إلى أدباء من اليابان، جنوب أفريقيا، إيطاليا، إسبانيا، فرنسا، زيمبابوي، وألمانيا. ومن العالم العربي شارك في الأيام ثلاثة كتاب هم المصري عزت القمحاوي، السوري نهاد سيريس واللبنانية ألكسندرا شريتح. عاشت المدينة السويسرية الواقعة على نهر آر شمال غربي سويسرا على مدار ثلاثة أيام من الصباح حتى منتصف الليل، تتابع الندوات وأمسيات الشعر الموزعة بين قاعات المركز الثقافي والساحة الكبرى في المدينة. بدت الشوارع فضاءً خاصاً بالإبداع، حيث يتداخل المهرجان مع تفاصيل حياة المدينة، وتتوزع ملصقات صور الكتاب مع جدول الندوات بأحجام كبيرة في الساحات وأمام أبواب الكنائس وواجهات المكتبات والمحال التجارية والصيدليات، بينما ترفرف أعلام المناسبة في سماء المدينة المسترخية تحت سلسلة جبال جورا. أشرف على البرنامج العربي في أيام سولوتورن المستعرب هارتموت فيندريتش الذي قام بترجمة نصوص الكتاب العرب وتولى تقديمهم للجمهور ومحاورتهم، وتولت المترجمة المصرية-السويسرية ياسمين السنباطي الترجمة الفورية للنقاشات، وأقيمت لكل منهم ندوة خاصة بالإضافة إلى ندوة مشتركة جمعتهم حول سؤال أساسي: هل هناك أدب عربي واحد أم آداب عربية؟ قرأ عزت القمحاوي صفحات من روايته"الحارس"وتولى هارتموت فندريتش قراءة الفصل ذاته بالألمانية ثم بدأ الحوار حول أعماله، وخصوصاً عن تعدد مستويات اللغة واختلافها بين رواية وأخرى، وعما يجمع رواياته التي يتناول كل منها عالماً مختلفاً وتقنية جديدة. وأكد القمحاوي أنه يفكر في العمل ويترك لشخصياته الاختيار، ويكفي الكاتب تسلطاً أنه يحدد مصائر هذه الشخصيات من الميلاد إلى الموت. في"مدينة اللذة"البطل مكان أسطوري ساحق لفردية أبطاله، ومن الطبيعي ألا يكون هناك حوار وأن يقترب السرد من الشعر، في"الحارس"كان لا بد من أن يتحدث العسكريون باقتضاب يشبه الأوامر العسكرية. اما"بيت الديب"فتقوم على عذوبة الحكاية ويتكلم أميّوها حواراً عامياً. وقال القمحاوي إنه يتصور أن ما يشغله ويبحث عنه من خلال كل التمثيلات الروائية هي سلطة الغائب التي تزداد اضطراداً كلما كان أكثر بعداً. نهاد سيريس قرأ من روايته"حالة شغف"التي تتناول بنات الطرب أو عادة الرفقة النسائية المعروفة في حلب ب"بنات العشرة". ومن خلال الرواية قدم سيريس مدينته وعاداتها الاجتماعية وتاريخها. حكى عن تاريخ المدينة وغناها الاجتماعي الذي أصابه بشغف قاده إلى الكتابة وحاول أن يعكسه في كتاباته الروائية والتلفزيونية. وتحدث عن رؤيته لما يجب أن تكون عليه لغة الرواية متطرقاً إلى قضية الفصحى ومستوياتها والعامية، مشيراً إلى الاختلاف بين الروائيين السوريين والمصريين من حيث الجرأة على استخدام العامية في الحوار، مؤكداً تحسس الكتابة السورية في البداية من استخدام المحكية. الكاتبة اللبنانية الشابة ألكسندرا شريتح قدمت قراءة من روايتها"دايماً كوكاكولا"التي تتناول في سرد تلقائي حياة نساء عدة من طبقات مختلفة في علاقتهن بأجسادهن وبمدينتهن بيروت، من خلال التفاصيل الصغيرة والسرية التي يروينها بلغة أقرب إلى المحكية. في الندوة المشتركة قدم هارتموت فيندريتش للحاضرين واقع اللغة العربية والفروق بينها، وهي تشبه إلى حد كبير الفروق اللغوية بين سويسرا الناطقة بالألمانية وألمانيا، بحيث توجد محكية سويسرية بعيدة من الفصحى على عكس الأمر في ألمانيا. وتقاربت رؤى المشاركين العرب الثلاثة حول وجود لغة عربية واحدة مفهومة لدى الجميع، مع اختلافات بين بلد وآخر، كما أن المحكيات المشرقية مفهومة لدى جميع المشارقة وربما كانت المصرية مفهومة لدى العرب بفضل السينما. أما عوالم الروايات فتتعدد وفق البيئات المختلفة في البلد الواحد. مهرجان غير تقليدي وبدا الجمهور السويسري متعطشاً للأصوات المقبلة من ثقافات أخرى، فحظيت مشاركات الأدباء العرب بحضور كبير، ومثلهم كان لقاء النيجيري هيلون هابيلا الذي تناول في ندوته قضية تلوث دلتا نهر النيجر جراء غزو شركات النفط للمنطقة. وتميزت أمسية ضمت الجنوب أفريقية ليبوجانج ماشيلي والزيمبابوي شريكور شريكور والهندية مينا كاندسماي بحضور ضخم على رغم بدء الأمسية في الحادية عشرة ليلاً. وتعتبر أيام سولوتورن من أكبر اللقاءات الأدبية في العالم، فهي تجمع بين دقة التنظيم والبساطة التي يجب أن يقدم بها الأدب، وتتميز بأفكار غير تقليدية في تقديم الأدب. وإلى جانب الموسيقى المصاحبة للشعر، والحوارات التي تتخلل القراءات الأدبية، ولقاءات الأدباء مع تلاميذ المدارس ومعرض الكتب المصاحب، أقيمت هذا العام لقاءات بعنوان"المترجم الزجاجي"حيث يقوم المترجم بعمله فورياً أمام جمهور يتفاعل معه ويقترح تعديلات على الجملة الألمانية. تضمنت الأيام كذلك نشاطاً يقام منذ عامين بعنوان"الخيمة المظلمة"على شاطئ النهر، وهي مبادرة لجمعية رعاية المكفوفين السويسريين، حيث يلقي المشاركون نصوصهم في الظلام على المكفوفين والمبصرين الذين يريدون خوض تجربة العمى والاعتياد على تلقي الكتاب المنطوق! ولا يقتصر الحضور على سكان سولوتورن، بل اعتادت المدينة على استقبال جمهور الأدب من مدن أخرى، بعضهم يتردد يومياً وبعض يقيم في الفنادق أو يستأجر غرفاً في بيوت الأسر في المدينة، ووفق فرونيكا جايجي المديرة التنفيذية لأيام سولوتورن فقد بلغ عدد المتابعين لأنشطة الأيام الأدبية 13ألف زائر.