دعوت في 2007 الى قطع اتصال المدارس بالشبكة الإلكترونية. ويفترض بالمدرسة أن ترقى حيزاً"غير متصل"بالشبكة" بامتياز. ففي معزل عن الانترنت وفي منأى منه يسعنا إعداد الطلاب ونقل أصول التدقيق في دفق المعلومات الذي يحتاجون إليه في عالم الانترنت. وإدخال الكومبيوتر الى الصفوف المدرسية لا يذلل المشكلات التي تواجهها المدارس، بل هو يسهم في خلق مشكلات جديدة، أبرزها مشكلة"قطع ? ولصق"، أي اقتطاع العبارات المناسبة من مقالة على الانترنت ولصقها أو استعمالها على ما هي في الواجب المدرسي. والتلاميذ يبحثون عن المعلومات على الشبكة، حين يطلب منهم عرض مسألة. ويستعينون ب"ويكيبيديا"، الموسوعة الإلكترونية التعاونية، ويجدون ضالتهم سريعاً، ويقدمونها الى الأستاذ وكأنها ثمرة بحث متأن وشخصي دقيق. والى وقت قريب، درج الطلاب والتلامذة على زيارة المكتبة، والبحث عن مصادر ومراجع لا تبلغنا في المنازل جاهزةً للاستخدام و"ممضوغة". فيقصر عالم الكتابة على عالم التوثيق والمعلومات الآنية والسريعة. وتواجه المدارس"المتصلة"بالشبكة مشكلة انتحال النصوص وسرقتها. وعلى المنوال هذا، تعد ورقة البحث الصغيرة، ثم رسائل الماجستير والاطروحات. ولا فائدة ترتجى من الانترنت في تدريس معظم الفروع التعليمية التدريسية. فأنجع طريقة لدراسة شعر بودلير هي الانكباب على النص نفسه، وليس الاستغناء عن الجهد الشخصي من طريق الاستعانة بمعلومات الانترنت الوفيرة. وحريّ بالطلاب والتلاميذ البدء بالاطلاع على الشعر في الكتب، ثم الانتقال الى توسل أدوات الكومبيوتر العظيمة والمذهلة. ولا أغفل أن حسنات الانترنت كثيرة. فهو مصدر معلومات توثيقية كثيرة، وهو حيز تفاعلي يتواصل فيه الناس، ويدردشون ويثرثرون. ويجد كثر من الأهالي أنفسهم من غير حيلة أمام توسع ظاهرة لجوء أبنائهم الى الانترنت. فالأولاد يعيشون في وسط اجتماعي يصعب فيه على جيل الأهل نقل ملكة المطالعة الى الأولاد. فالأولاد والمراهقون يمضون ساعات طويلة أمام الشاشات مع الأصدقاء. ولكن الميل الى المطالعة لا يتفتح من غير قبول العزلة والوحدة. والانترنت يبدد العزلة هذه، ويطيح شرط المطالعة الأول. وفصل التلامذة بين العالم المتصل وعالم التفكير وعزلته عسير. وهو يفترض أن ينسحب الطالب من وسطه المباشر ومن اضطرابه ومن ضجيجه وإثارته لمواجهة موضوعات الثقافة الصامتة والتجاوزية التي تقترح المدرسة عليه فهمها. وأرى أن وضع أولاد الجيل الرقمي سيء. فهم يقرأون ويطالعون، ولكن نمط القراءة الرقمية مختلف. فهم يتصفحون النصوص، و"يركبون أمواجها". وينزلقون جراء قلة صبرهم الى استبدال تحصيل المعرفة واكتسابها بالوصول إليها. وتبرز شخصية لا تحتمل البطء وتتمرد عليه، ولا تطيق مطالعة الكتب. وهذه هي مكان استراحة الكلمات المكتوبة، على قول ديريك غيرشكوف. وطابع الكتاب الثابت حيوي. فهو يسهم في نقل المعرفة وإعداد التلميذ. وحريّ بالمدرسة إصلاح حال الانترنت وتقويم اعوجاج اللغة السائدة على مواقعه وصفحاته من طريق محاربة اللامبالاة اللغوية التي يروجها. وكفة الكتابة تغلب على الشبكة، ولكنها كتابة متفلتة من عقال قواعد اللغة ونحوها ومتحررة من بنية اللغة وأصول اشتقاق كلماتها. ويعود الى المدرسة بعث عمق اللغة من طريق الإملاء. وهذا اقتراح يراه كثر رجعياً. والمدرسة تعد التلامذة إعداداً يخولهم اكتشاف الأخطاء ومكامن ضعف المعلومات التي يجدونها على الانترنت، وتمييز المعلومات الصحيحة من تلك الكاذبة. وتبدو المدارس، والكتاب هو ركن نظامها الصارم والبطيء، وكأنها من زمن مضى وأفل. وحريّ بالسياسيين، سواء كانوا يساريين أو يمينيين، الحفاظ على طابع المدرسة هذا. ولكنهم يجمعون على ضرورة تكييف المدرسة مع المستجدات الرقمية، وإغراقها في عالم الآنية التكنولوجية الديموقراطية ومساواته. وأنا أخالفهم في الرأي. وفي تشرين الثاني نوفمبر 2010، خلص تقرير أعدته وزارة الثقافة وسم ب"الثقافة للجميع"الى أن العقبة الرئيسية أمام إرساء الديموقراطية الثقافية هي الثقافة نفسها. وتوسل بذريعة ظاهرها نبيل، وهي مكافحة الإحراج الاجتماعي من طريق تبديد الحدود بين الثقافة واللاثقافة. وتبنى السياسة هذه اليسار الفرنسي واليمين، على حد سواء. وفي الماضي، رفع اليسار الفرنسي لواء"النخبوية للجميع"أو تعميم النخبوية. ولكن اليسار يدير ظهره لإرثه. والبعض ينتقد المدرسة رافعين لواء المساواة، ويطعن آخرون فيها بذريعة المبادئ الاقتصادية. ولكن الذرائع كلها تجمع على طلب تكييف المدرسة مع روح العصر الرقمي. وتطالب النقابات والجمعيات بالثقافة للجميع. وعوض رفع مستوى الطلاب والتلامذة التعليمي ليرقى الى مستوى البكالوريا، وهذا أمر لا يستهان بصعوبته، خفض مستوى البكالوريا ليلائم شريحة عمرية ثقافتها تقتصر على دردشة الانترنت. ولو التزمنا معايير أقل صرامة في تقويم أداء التلاميذ في البكالوريا، انخفضت نسبة النجاح الى 65 في المئة أو 70 في المئة، بينما هي اليوم نحو 85 في المئة. ودعوة عالم الرياضيات لوران شوارتز الراحل الى بعث معيار الاختيار أو التصفية في محلها. فإذا كان المطلوب حسن استخدام اللغة، يجب محاسبة من يسيء استخدامها. ولكن الدعوة هذه تواجه تهم التمييز بين مستخدمي اللغة. وتربعت المدرسة الإنسانية محل المدرسة الإنسانوية. وفي المدرسة هذه ينظر الى العلامة السيئة على أنها تحقير والى الرسوب على أنه عقاب من العصور الوسطى. ولا يسع المدرس نقل المعرفة من غير أدوات تقويم أداء التلاميذ. ويميل الشباب الى معاداة ثقافة المدرسة. وينعت الطلاب المجتهدون بأسوأ النعوت مثل المتعامل مع العدو أو المخبول. ومن أسباب عدم احترام التلاميذ أساتذتهم هو راتب المدرسين المتواضع الذي لا يتيح لهم أداء دور النخبة. والحق أن عصر العجلة وانعدام الصبر ليس تربة المدرسة الغنية. ففي عالم الحاضر الدائم تبدو وسائط التعليم من غير فائدة، ويبدو احترام الكفاءات الثقافية العظيمة كأنه موروث من عهد بائت. ويقبل الشباب على مشاهدة فيلم المغني فيفتي سنت، وعنوانه"غت ريتش أور داي تراين"اصبح غنياً أو مت محاولاً. * أستاذ وكاتب وفيلسوف، صاحب"الفوضى الغرامية الجديدة"و"اليهودي المتخيل"، عن"لو موند دي ليدوكاسيون"الفرنسية، 13/4/2011، إعداد منال نحاس