لم تتمكن أشهر جريدة إعلانات ورقية في فرنسا من الصمود طويلاً أمام زحف المواقع الإعلانية المجانية، إذ أعلنت جريدة"باري فوندي"Paris Vendu إفلاسها أخيراً، متسببة في إحالة نفسها، مع 1650 عاملاً، على التقاعد المبكر أو بالأحرى غير المتوقع. أنشئت هذه الجريدة المختصّة في الإعلانات المجانية قبل 12 عاماً، وشهدت ازدهاراً كبيراً. وكانت تطبع قرابة 19 مليون نسخة أسبوعياً، موزّعة على 280 طبعة. وبلغ عدد العاملين فيها 3100، إلا أنها لم تستطع التأقلم مع التطور السريع للإعلانات المجانية على شبكة الإنترنت. وبدأ رقم أعمالها في الانحسار، بداية من عام 2008. وتراجع رقم أعمال هذا المجمّع الصحافي من 348 مليون يورو عام 2008 إلى 227 مليون يورو عام 2010. كما سجّل خسارة صافية قاربت 31 مليون يورو عام 2009. ووفق لورانس لوسورتوا التي أشرفت إدارياً على عملية تصفية"باري فوندي"، تعود أسباب إفلاس المجمّع المالك لهذه الصحيفة، بصفة أساسية، إلى عدم تماشي الجريدة مع المدّ التكنولوجي، وتنوّع وسائل الدعاية والإعلان، إلى جانب تأثّر الصحيفة بالأزمة الاقتصادية التي تجتاح أوروبا والتباطؤ الاقتصادي الذي يهيمن على معظم دولها. وفتحت"باري فوندي"موقعاً لها على شبكة الإنترنت، إلا أن طريقة تصميمه وغلاء أسعار الإعلانات جعلاه لا يتماشى مع الكمّ الهائل من الإعلانات، خصوصاً مع صعود نجم مواقع إعلانات مجانية منافسة وتربعها على عرش المواقع الأكثر تصفحاً من قِبل الفرنسيين. وأصبح موقع"لوبون كوان"الموقع الإعلاني الأكثر تصفحاً من قبل الفرنسيين، إلى جانب عدد من المواقع الإعلانية المختصة مثل موقع"سولوجي"المختص في إعلانات بيع المنازل والشقق وتأجيرها. واعتُبِرت عملية تسريح عمال"باري فوندي"الأكبر من نوعها في فرنسا منذ ربيع العام الماضي، إذ جرى تسريح 1650 عاملاً في المؤسسة. وسعت الإدارة إلى تشجيع العمال على شراء بعض الطبعات التي لا تزال تكافح من أجل البقاء على غرار طبعة الجريدة في مدينتي"ديجون"و"ليون". لكن خوف العمال من المجهول ويأسهم من الاستمرار في ظل المنافسة الشرسة من قبل مواقع الإنترنت، جعلهم يحجمون عن الفكرة. إغلاق صحيفة"باري فوندي"بسبب مدّ الإنترنت ليس مثالاً وحيداً في فرنسا، عن الآثار العميقة للتحوّل الرقمي. إذ أُعلِن أن الصحيفة الإخبارية اليومية"فرانس سوار"France Soir مقبلة أيضاً على تسريح عدد كبير من صحافييها، بعد أن قررت الإدارة الاكتفاء بإصدار الصحيفة على الإنترنت بداية من العام المقبل. في السياق عينه، سجّلت مبيعات غالبية الصحف الفرنسية تراجعاً رهيباً في طبعاتها الورقية، بسبب تزايد اعتماد الفرنسيين على شبكة الإنترنت كمصدر لاستقاء المعلومات والأخبار. * صحافي تونسي