يُعد ظهور عدد كبير من الحركات الاحتجاجية على الساحة السياسية المصرية في السنوات الماضية تطوراً له دلالات عدة. فهو من ناحية يدل على عدم قدرة المؤسسات السياسية والاجتماعية القائمة على استيعاب مطالب أجيال وقوى سياسية واجتماعية جديدة، ما دفع هذه الجماعات إلى تنظيم نفسها في شكل غير رسمي خارج الأطر المؤسسية القائمة، وهي ظاهرة تسلب المؤسسات الرسمية من الفاعلية ومن الشرعية وربما تؤسس لقيام تنظيم ومؤسسات بديلة تقود عملية الإصلاح والتغيير في فترة مقبلة، ومن ناحية أخرى يدل على عودة الحيوية إلى المجتمع المدني المصري بعد فترة من الركود وعلى ظهور قوى سياسية واجتماعية جديدة تسعى إلى إعادة صياغة العلاقة بين المجتمع والدولة واستعادة ما صودر من الحقوق والحريات السياسية، إلا أن قدرة الحركات الاحتجاجية الجديدة على إحداث تغيير محسوس على المنظومة السياسية والاجتماعية القائمة ما زال محدوداً، نظراً لتشرذم هذه الحركات وغياب الحد الأدنى من التنسيق والتشبيك في ما بينها، خصوصاً بين الحركات والقوى ذات الطابع السياسي والتي غالباً ما تطرح خطاباً عاماً يركز على قضايا الإصلاح والتحول الديموقراطي والحركات ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والتي تركز على مطالب جزئية لفئات معينة ويظل التحدي الأكبر الذي يواجه النخبة السياسية المصرية المعارضة في المرحلة المقبلة هو كيفية مد الجسور بين الحركات ذات الطابع الاجتماعي والحركات ذات الطابع السياسي. يهدف كتاب"عودة السياسة - الحركات الاحتجاجية الجديدة في مصر"، تحرير: دينا شحاتة، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية/ الأهرام - 277ص، الى التعرف الى أهم الحركات الاحتجاجية التي ظهرت في مصر في الفترة ما بين 2000 و2008، وعلى العوامل الداخلية والخارجية التي أدت إلى ظهور تلك الحركات، وعلى الأسباب التي أدت إلى عملها خارج الأطر المؤسسية والحزبية القائمة، أيضاً الى التعرف الى أنماط القيادة والتعبئة والهياكل التنظيمية التي اعتمدتها الحركات تلك، وعلى الآليات الاحتجاجية والأطر الفكرية التي قامت بتطويرها، وإلى تحليل طبيعة العلاقة بين الحركات الاحتجاجية الجديدة من ناحية وجهاز الدولة والحزب الحاكم والأحزاب الرسمية وجماعة"الإخوان المسلمين"من ناحية أخرى، كما يهدف الكتاب إلى استكشاف طبيعة العلاقة بين الحركات الاحتجاجية وبعضها بعضاً وإلى تقييم أداء تلك الحركات وقياس تأثيرها في المجال العام في فترة الدراسة. ويشير الكتاب إلى أن الفترة من 2000 إلى 2008 شهدت أيضاً دخول جيل جديد من النشطاء الشباب إلى المجال السياسي. وقد نما وعي هذا الجيل من أحداث الانتفاضة واحتلال العراق، وانخرط في العديد من الحركات الاحتجاجية التي نشأت في تلك الفترة، كما كوّن عدداً من الحركات الخاصة به مثل حركة "شباب من أجل التغيير"التي نشأت تحت مظلة حركة"كفاية"وحركة"شباب 6 أبريل". وبدأ هذا الجيل من النشطاء يعبر عن نفسه ويتفاعل مع بعضه بعضاً من خلال المدونات والمجموعات البريدية وموقع"الفيس بوك"على شبكة الانترنت، واتسم بقدر كبير من الاستقلالية عن الأجيال السابقة وبالتركيز على الحركة وببعده عن الأطر الأيديولوجية الجامدة وبقدرته على التواصل مع بعضه عبر الاختلافات الفكرية والأيديولوجية. يُقسم الكتاب هذه الحركات الاحتجاجية إلى نوعين رئيسين: حركات ذات طابع سياسي اهتمت بقضايا عامة مثل الإصلاح السياسي والقضايا الخارجية وحركات ذات طابع فئوي اهتمت بقضايا قطاعية مثل الأجور والعلاوات والكادر الخاص. وعلى رغم وجود اختلافات مهمة بينها إلا أن معظم هذه الحركات اتسم بعدد من الخصائص المشتركة يمكن توضيحها على النحو الآتي: العمل خارج الأطر الحزبية والمؤسسية المتعارف عليها مثل الأحزاب السياسية والنقابات والاتحادات العمالية والطالبية، وأيضاً خارج إطار جماعة"الإخوان المسلمين"، وذلك بسبب القيود المتعددة التي فرضتها الدولة وأيضاً بسبب حالة الجمود والانقسام الداخلي، الاعتماد على العمل الاحتجاجي المباشر مثل التظاهرات والإضرابات والاعتصامات واتخذت الحركات الاحتجاجية الجديدة من الشارع فضاء رئيسياً للتعبير عن مطالبها. الدور الريادي لنشطاء جيل الوسط أو جيل السبعينات، إذ مهدت هذه التجربة لقيام حركة"كفاية"، وحتى الحركات الفئوية التي تهتم بمصالح شرائح معينة التي قادها عمال وموظفون وجماعات مصالح مختلفة، فقد تأثرت في شكل مباشر وغير مباشر بنشطاء جيل السبعينات، اتسمت معظم الحركات الاحتجاجية الجديدة بطابع تحالفي عابر للأيديولوجيات من خلال جعل العضوية في هذه الحركات شخصية وليست مؤسسية، اجتذاب وتسييس جيل جديد من النشطاء من الشباب مثل حركة"شباب 6 أبريل"وحركة"تضامن"، تأثر هذه الحركات في شكل كبير ببعضها بعضاً، خصوصاً من حيث آليات التعبئة والتنظيم. في ورقته"الحركات المطلبية والحركات السياسية في مصر"يطرح سامح فوزي إطاراً نظرياً لفهم الحركات الاجتماعية الجديدة في مصر قائماً على التمييز بين الحركات الاجتماعية ذات الطابع السياسي والحركات الاجتماعية ذات الطابع المطلبي. ويرى فوزي أن الحركات المطلبية أكثر قدرة على تحقيق التغيير في مصر نظراً لعدم تصادمها مع الدولة وقدرتها على الدخول في عملية تفاوضية مع الطرف الآخر، وأخيراً يرى الكاتب أن التحول الديموقراطي في مصر لن يتحقق إلا من خلال ظهور بديل سياسي قائم على توافق ديموقراطي وعلى تحالفات واسعة بين القوى السياسية المختلفة وبين هذه القوى السياسية وقوى اجتماعية مختلفة. ويقدم عماد صيام مؤشرات أولية على تخلق مجتمع مدني من نوع جديد في ورقته"خريطة الاحتجاجات السلمية في مصر"من خلال تحليل كمي لعينة عشوائية من 1331 نشاطاً احتجاجياً في الفترة ما بين تشرين الأول أكتوبر 2005 ونهاية كانون الثاني يناير 2009 بحيث رصد الباحث عدداً من الظواهر المهمة ومنها امتداد الأنشطة الاحتجاجية إلى محافظات مصر كافة حيث حظيت المحافظات ب 58.6 في المئة، من الأنشطة الاحتجاجية ومشاركة فئات اجتماعية مختلفة في هذه الأنشطة، ومن أهمها العمال 18.5 في المئة، والموظفين 12.4 في المئة، والطلاب 5.9 في المئة. واستعرض محمد العجاتي بعض الحركات التي تناولت القضايا الخارجية في الفترة ما بين 2000 و 2008 وهي"اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة"، وحركة"أجيج"، وحركة"20 مارس"، لافتاً إلى أن الحركات الثلاث تقاسمت بعض الخصائص المشتركة ومن أهمها الدور الريادي الذي لعبه نشطاء اليسار في تأسيس هذه الحركات وتبني أطراً تنظيمية مبتكرة قائمة على مرونة التنظيم واللامركزية والديموقراطية الداخلية، وعلى الجانب السلبي يرى الباحث أن هذه الحركات اتسمت بطابع نخبوي وبانفتاح محدود على التيارات الأخرى. وفي تناولها لحركة"كفاية"أكدت منار الشوربجي أنه على رغم فشل تلك الحركة في تحقيق أهدافها الأساسية والتي تم اختصارها في شعار"لا للتمديد، لا للتوريث، لا لقانون الطوارئ"، إلا أنها نجحت مع ذلك في إعادة تعريف السياسة في مصر وذلك من خلال التأسيس لنمط جديد من العمل السياسي الجماعي يقوم على تجاوز الحواجز الفكرية والأيديولوجية وعلى التحالف بين القوى السياسية المختلفة والتوافق على أهداف سياسية مشتركة. وفي ما يتعلق بالحركات ذات الطابع الفئوي أو المطلبي والتي انتشرت انتشاراً واسعاً منذ نهاية 2006 تناولت رباب المهدي إضراب عمال مدينة المحلة والذي أسس لعودة العمال كفاعل مهم على الساحة السياسية المصرية بعد عقود من التراجع، إذ أكدت أن تصاعد الحركة العمالية في المحلة وفي مناطق إنتاجية أخرى مرتبط بالأساس بتراجع الدولة عن عقدها الاجتماعي مع العمال من خلال عمليات التحرير الاقتصادي والخصخصة. وتجلى هذا التوجه في احتجاج موظفي الضرائب العقارية والذي استمر لشهور عدة وتوج بتأسيس أول نقابة عمالية مستقلة وبحصول المحتجين على معظم مطالبهم. وتناول عمرو الشوبكي إضراب موظفي الضرائب العقارية والذي يمثل وفقاً لرؤيته مرحلة تحول مهمة في وعي الطبقة العاملة في مصر حيث يسعى عمال وموظفون للمرة الأولى منذ ثورة 23 تموز يوليو 1952 إلى تنظيم أنفسهم في شكل مستقل وبعيداً من أجهزة الدولة ما قد يؤسس لنمط جديد من التفاعل بين الدولة والمجتمع المدني في مرحلة لاحقة. وتناول أحمد تهامي عبد الحي في ورقته الحركة الاحتجاجية المناهضة لمشروع"أجر يوم"والتي تشكلت في محافظة دمياط وقامت على تحالف واسع بين أحزاب سياسية وجماعات مصالح ومنظمات المجتمع المدني ونجحت في حشد تأييد أبناء محافظة دمياط في شكل واسع، كما نجحت في تنظيم عدد كبير من الفعاليات وفي تطوير خطاب مؤثر ركز على الآثار الاقتصادية والبيئية السلبية للمشروع، ونجحت في إجبار الحكومة على استجابة رغبات مجتمع مدني في دمياط. ويعد إضراب"أجر يوم"علامة مميزة في دورة الاحتجاجات الأخير لأنه الإضراب الوحيد الذي قام على تحالف بين قوى سياسية مختلفة من ناحية وعلى تحالف بين هذه القوى السياسية وقوى اجتماعية نافذة من ناحية أخرى، وذلك من أجل تحقيق هدف مشترك. مُحررة الكتاب دينا شحاتة رصدت عودة الشباب كفاعل مهم على الساحة السياسية المصرية من خلال بعض الحركات الاحتجاجية الشبابية التي ظهرت في الفترة محل الدراسة وهي حركة"شباب من أجل التغيير"، وحركة"شباب 6 أبريل"وحركة"تضامن"، وذلك بعد فترة من الانسحاب، أيضاً انخراط الشباب في الحركات التي أسست لدعم الانتفاضة ومناهضة الحرب على العراق ثم الحركات التي نادت بالإصلاح السياسي، وأخيراً الحركات ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي". نشر في العدد: 17266 ت.م: 13-07-2010 ص: 18 ط: الرياض