الروح التي سادت مؤتمر فيينا، حيث اجتمعت القوى العظمى التي تحكم العالم فعلياً، لا مكان لها في مجتمعنا الدولي المعاصر. مجموعة العشرين تفتقد الشرعية إلى حد بعيد ولا بد أن تتغير. على رغم العجز المالي المتزايد وارتفاع معدلات البطالة التي لا تزال متفشية في الدول الغنية والفقيرة على السواء، فإن أسوأ مراحل أزمة الاقتصاد العالمية انتهت. السؤال الملح الآن كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يستنبط إستراتيجية مناسبة للخروج من مرحلة"الكساد العظيم"؟. إن حواراً حول الموضوع بدأ بالفعل وسيستمر على نحو كبير في إطار مجموعة الدول العشرين. وعلى رغم الدور الرائد الذي أنجزته مجموعة العشرين في ما يتعلق برد الفعل تجاه الأزمة العالمية، في قطاعاتها المالية والاقتصادية والتنموية، إلا أن مبادرتها في اختيار أعضائها من دون سواهم للاضطلاع بهذا الدور، يعد وفقاً للقانون الدولي مبادئ العلاقات المتعددة، خطوة كبيرة إلى الوراء في النهج الذي سار عليه التعاون الدولي منذ الحرب العالمية الثانية. فعلى مدار السنوات القليلة الماضية، أقرّت مجموعة العشرين سريعاً وضعيتها كمنتدى أول لاتخاذ القرارات المالية والاقتصادية الدولية، حلت محل مجموعة السبع ومجموعة الثماني، وتهمّش باطراد المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة. ففي كل اجتماع تعقده المجموعة، تقوم بتأسيس ذاتها بوصفها الكيان الرئيس للتعاون الدولي والحكم، بما يتعدى المغزى السياسي للأمر، لمجرد إنقاذ النظام المالي العالمي والحفاظ عليه. هذا التطور له بالفعل مزاياه. فالتعاون والتنسيق غير المسبوق الذي أتاحته مجموعة العشرين في ما بين القوى القائمة والقوى الناشئة، ساعد على استقرار الاقتصاد العالمي الذي كان مندفعاً إلى حافة الهاوية بفعل الأزمة الاقتصادية المستشرية، بفضل تدخلها السريع والمؤثر في الأسواق العالمية. لكن وقد بدأت أسوأ مراحل الأزمة في الانحسار، يجب أن تواجه مجموعة العشرين التساؤل المطروح حول مشروعيتها وأن تتطور حتى تعكس بصورة أفضل، مصالح الدول التي تتأثر بأفعالها. بالتأكيد تشكل مجموعة العشرين تمثيلاً أكبر مما شكلته كيانات مثل مجموعة الدول الصناعية الكبرى السبع ومجموعة الثماني التي سبقتها، لكنها تفتقد شرعية تلك الكيانات إلى حد بعيد، فهي ليست كياناً منتخباً ولكنها مجموعة أنشئت بتعيين ذاتي، تأسست من دون موافقة الدول الأخرى. توجد دولٌ عديدة لعبت دورا محوريا في مجال التعاون الدولي في الماضي، من ضمنها النرويج و مجموعة دول شمال أوروبا، تم استبعادها من العضوية المباشرة لمجموعة العشرين. بينما تفتقر الدول ذات الدخل المنخفض ودول القارة الأفريقية جميعها تقريباً إلى التمثيل اللازم في تلك المجموعة. مجموعة السبع كانت تضم أغنى الاقتصادات في العالم، لكن يفتقر تكوين مجموعة العشرين إلى هذا الوضوح. هناك دول من غير الأعضاء في المجموعة، مثل دول شمال أوروبا، هي بالفعل من كبار المساهمين الماليين في التنمية في مؤسسات "بروتون وودز"وهي ذات"أهمية شاملة"أكبر من مجموعة العشرين يتخطى ناتجها المحلي الناتج المحلي لأعضاء في المجموعة. و كما تبين من رد الفعل تجاه أزمة المال، توجد أهمية لمنتديات تضم عددا أصغر من الدول، يمكنها التحرك في سرعة لدى الضرورة. ولكن في هذا الإطار ذاته توجد سبل أبسط لجعل مجموعة العشرين أكثر تمثيلا للعالم الذي تنعكس تأثيراتها عليه. ففي خطوة أولى وفورية يجب أن تتباحث الدول الأعضاء في مجموعة العشرين والدول غير الأعضاء، حول إطار للتفاعل في ما بينها. وبصورة أساسية، يجب اعتماد نظام من الدوائر الجغرافية-، بالتوازي مع الخطوط التي نتبعها بالفعل في صندوق النقد الدولي وفي البنك الدولي-، تشكل بحرية وتضم الدول الأعضاء في مجموعة العشرين، بحيث تمضى قدماً في إصلاح الضعف الواضح في النظام الحالي. فمجموعة دول شمال أوروبا ومجموعة دول البلطيق، كانت منذ زمن بعيد، ممثلة تمثيلاً فعالاً في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، من خلال دائرة إقليمية، تعتبر نموذجاً يمكن تكراره بنجاح داخل مجموعة العشرين. وفي النهاية، الاقتصاد العالمي هو بالفعل ما تنص عليه هذه الكلمة:"عالمي". نحن نعيش في عالم متشابك، يكون للقرارات الاقتصادية التي تتخذها إحدى دوله، تأثير يتخطى حدود هذه الدولة، وآخر مثال على ذلك مشكلة المديونيات التي مرت بها اليونان. التمثيل داخل مجموعة العشرين سيصبح أكثر أهمية بينما تتحرك أجندة هذه المجموعة لتتخطى حدود الهموم الاقتصادية، فتشمل أموراً مثل الصحة العامة والتنمية والتغير المناخي وهي أمور لها تبعات اقتصادية وسياسية تتحملها جميع الدول بما فيها التي ليس لها حاليا صوت يمثلها حول مائدة مجموعة العشرين. إن احترام القانون الدولي والشرعية الدولية كأسس للتعاون متعدد الطرف ضرورة لا غنى عنها ويصب في صالح جميع الدول. وهو أيضا تقليد تعتز به النروج، بصفتها أحد أكبر المساهمين في معونات التنمية وفي المنظمات الدولية في أنحاء العالم. إن أيماننا بالعلاقات المتعددة ليس عن سذاجة بل ينبع من إيماننا القوى بالمثالية، إيمان اكتسبناه في أعقاب حرب ضروس مزقت العالم تقريبا. إن مؤسسي المؤسسات العظيمة التي نشأت بعد الحرب، أقروا بميزات العضوية المحدودة ذات الثقل في الكيانات الأكبر، ولكنهم شددوا أيضاً على أهمية الحصول على موافقة جميع الأطراف القائمة على القانون الدولي، في مثل هذا الأجراء. الآن، حان الوقت لتعود عقارب الساعة إلى الوراء. نحن لم نعد نعيش في القرن التاسع عشر. إن روح مؤتمر فيينا، حيث التقت القوى العظمى لتحكم العالم فعلياً، ليس لها مكان في المجتمع الدولي المعاصر. إذا نتجت فعلياً عن التعاون بين أعضاء مجموعة العشرين قرارات تملي على الغالبية العظمى من الدول الأخرى، فستجد هذه المجموعة ذاتها سريعاً في مأزق. إن بيت الحكم الدولي لا يمكنه البقاء متماسكا متى انقسم على ذاته. * وزير خارجية النروج