على رغم أن المهتمين بحقوق المرأة والأقليات في المنطقة العربية يرون أن الحديث عن هذا الأمر يصبح نوعاً من الكليشيه أحياناً، فإن ذلك لا يعني برأيهم أن الأمر بحد ذاته ليس مهماً، بل العكس هو الصحيح. وفي سياق المبادرات القوية في الدفاع عن حقوق المرأة والأقليات عربياً، شهدت بيروت أخيراً إطلاق موقع إلكتروني متخصص في هذا الشأن، حمل اسم"جسمي. نت"jismi.net . يتضمّن الموقع نصوصاً كثيرة تتحدث عن أهمية الجسد في حياة الإنسان، أيِّ إنسان، مهما اختلف جنسه أو عمره أو بيئته أو مستواه الفكري. ويتميّز الموقع بالبساطة في التركيب، وبمجرد الضغط على أزرار الفأرة الإلكترونية يمكن التنقّل في دواخل الموقع، للذهاب في ما يشبه الرحلة لتقصي مفاهيم الحرية الجسدية والجنسية عبر"الأنا"المتحررة لمجموعة من الأشخاص، الذين تحدثوا عن كل ما يريدونه في هذا الإطار. ويحتوي الموقع مقاطع فيديو لأشخاص عاديين من المجتمع اللبناني، يأتون من شرائح اجتماعية وفئات أعمار متنوعة. ويعلو الموقع، الذي يميل الى اللون القاتم، شعار"يوم واحد نضال واحد"، وهو اسم حملة انطلقت في الشهر الجاري، ضمن حملة دولية نظمتها مؤسسة"سي أس بي آر"CSBR المتخصِّصة في الدفاع عن هذا النوع من الحريات. ويقدّم الموقع تعريفاً بشبكة"سي أس بي آر"، التي تضم تحالفاً من المنظمات التقدمية غير الحكومية والمؤسسات الأكاديمية العاملة في منطقة الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، وشرق آسيا، وجنوب شرق آسيا. وتعمل الشبكة على الترويج لحقوق الجسد بوصفها حقوقاً إنسانية في المجتمعات المسلمة. ويشارك في الحملة السنوية ما يزيد على 20 جمعية ومنظمة في 11 بلداً. وهي تركّز على الجوانب المختلفة للحق الانساني في حرية الجسد واستقلاله، والحق في انتقاء الخيارات الشخصية. ليس قمعاً بالضرورة في أحد الأشرطة المُصوّرة، تظهر صبية لتسأل:"لم لا يمكن للفتاة أن تمشي على الكورنيش من دون أن تتعرض لعبارات التحرّش الوقحة"؟ وتستطرد مستنتجة أن"من حق الفتاة أن تتحرك في مساحة حرّة كي تعبر عن ذاتها جسدياً، من دون تدخل الآخرين". وتتحدث هذه الصبية أيضاً عن النقص العام في ثقافة الفرد العربي عن حرية المرأة. وفي شريط آخر، تطل صبية محجّبة لتؤكد وجود نظرة خاطئة تساوي بين الحجاب والقمع، مشددة على أن الصورة التي يرسمها الناس لها تظهرها كامرأة مسجونة في صندوق لا تفكر أبعد من حدوده. وتؤكّد أن لا شيء أبعد عن الحقيقة من هذه الصورة المُشوّهة. وفي شريط ثالث، تبوح صبية بما يزعجها من تعليقات عن شكلها الشبيه بالرجال. وفي شريط آخر، يعبر شاب يهوى الرقص الشرقي عن سخطه من رأي الناس فيه، قائلاً:"مش لأني برقص شرقي ما فيي أعمل مَشكل حب الرقص لا يعني أنني لا أستطيع خوض العراك". وتحمل بعض نصوص الموقع أسئلة عن معاني العيب والحلال والحرام، كما تُظهر استغراباً لشيوع عبارات مُهينة، خصوصاً على ألسنة الرجال، مثل"مرمطتِ شرف العيلة بالوحل"، بطريقة عبثية وعشوائية. ويصعب التغاضي عن الجرأة التي تتمتع بها سيدة خمسينية، إذ تتحدث عن التمييز ضدها، مُبيّنة أنها عاطلة عن العمل لمجرد أنها أصبحت كبيرة في السن. وعلى غرارها، يؤكد شاب ضرورة عدم الخلط بين"ذاك الذي يحب البنت والذي يحترمها... بين من يحب فتاة بسبب جسمها أو من يحترم البنت ويحترم جسمها". تفاعُل الزوار يوضح الذين شاركوا في هذه الأفلام القصيرة، أنهم انطلقوا من تجربتهم الشخصية. ويفسّر ذلك صدق كلماتهم وتعبيرها عن واقع مُعاش يومياً، كما يفسّر الحاجة لتغيير هذا الواقع. والحق أن بعض ما يحتويه موقع"جسمي. نت"فيه جرأة ربما تصدم البعض، لكنها تأتي كرد فعل على الضغط الذي يواجه الشباب في الشرق الأوسط. وفي السياق نفسه، يمكن فهم بروز عبارات معيّنة في خلفية صفحة الاستقبال في الموقع، مثل"حرية التعبير الجسدي والعاطفي"،"الاستقلالية والثقافة الجنسية"،"اتخاذ الخيارات الإنجابية الحرة والمسؤولة"،"حياة خالية من الإكراه الجنسي والاستغلال والإساءة"،"حرية اختيار الشريك والشريكة". ويوجّه الموقع دعوة للزوار للمشاركة في الحملة عبر الحديث عن تجاربهم في ما يتعلق بحرية حياتهم الشخصية والحميمة، وعن الأفكار التي تخطر لهم في هذا الشأن أيضاً. ويتيح المشاركة عبر كتابة النصوص أو تحميل أشرطة فيديو أو مقاطع صوتية أو غيرها. وفي إطار التوعية بالحملة التي يخوضها، يبيّن الموقع أن الحقوق الجسدية هي جزء من حقوق إنسانية تقرّها المنظمات العالمية، وضمنها"منظمة الصحة العالمية"، إضافة إلى أنها مُقَرّة في الدساتير الوطنية ووثائق حقوق الانسان الدولية وغيرها. وتنص هذه الحقوق على حق كل إنسان، بعيداً عن الاكراه والتمييز والعنف، ببلوغ المستوى الأعلى من الصحة الجسدية، بما فيه إمكانية الحصول على الخدمات الصحية جنسياً وإنجابياً. ويشدّد موقع"جسمي. نت"على أن هذه الحريات تفرض ممارسة مسؤولة لحقوق الإنسان والاحترام التام لحقوق الآخرين.