يقضي النيكاراغويون يومهم في الموسيقى والرقص بمناسبة أو بلا مناسبة. فالفرق الشعبية منتشرة في كل مكان إلى درجة أن المرء يسمع صوت الموسيقى الراقصة أينما ذهب. الصبايا والصبيان يتأرجحون وهم يسمعون صوت الموسيقى يأتي من بعيد. والعاملون في السوق الشعبية التي تبيع الحلي التقليدية، يتمايلون بدورهم بعدما بدأت إحدى الفرق العزف بالقرب منهم. إنه يوم الاحتفال بالعيد الوطني. هي مناسبة حافلة في نيكاراغوا لا تشبه احتفالاتنا في الدول العربية بمثل هذه المناسبات، حيث يطغى الزي العسكري وعروض الأسلحة والاستقبالات الرسمية. هنا ألوان فرحة وأزياء تبعث الغبطة، حيث الكرنفالات وحفلات الموسيقى وحلقات رقص السلسا والكومبيا والميرنكو تغزو الطرقات والشوارع والأزقة. أما المدعوون فهم عامة الشعب، من المتسوّل الى الوزير. يبدأ الكرنفال في اكبر شارع من مدينة غرانادا" غرناطة"التي تعد أول مستعمرة اسبانية في أميركا الوسطى، واحتلها الأسبان في منتصف القرن السادس عشر وبنوها على الطريقة الأندلسية. الحشود تتدفق إلى الشارع، بعدما بدأت طلائع الكرنفال تتقدم بملابسها الزاهية وذات الألوان الفاقعة المشرقة، تسبقها سيارات تبث موسيقى صاخبة وراقصة. وعلى جانبي الشارع المزدحم شبان وصبايا تركوا كل شيء وراحوا يرقصون. مجموعات متتالية من الراقصين من كلا الجنسين وغالبيتهم من الشباب يرتدون أزياء مختلفة تمثل في مجملها التقاليد الشعبية في هذا البلد والأساطير التي ترسخت فيه وما زالت منذ زمن الهنود الحمر الذين مازالت ملامحهم القوية باقية في الأجيال الجديدة من النيكاراغويين . المشاركون في مهرجان"نيكاراغوا العالمي للشعر"، كانوا حاضرين في الكرنفال، بل ساهموا فيه. اذ يدعو مقدم المهرجان بين فترة وأخرى شاعراً ليقرأ قصيدة قصيرة بلغته الأم وتليها ترجمة إلى الإسبانية. يعتلي الشعراء سلماً طويلاً ثبت على سيارة لهذا الغرض، ليستطيع المشاهد رؤيتهم من مكان بعيد. وما إن ينهي الشاعر قصيدته حتى تصدح الموسيقى ويعاود الكرنفال تقدمه إلى الأمام. المجموعات الراقصة التي تتميز كل مجموعة منها عن بقية المجموعات تمثل قصة أو حكاية أو تقليداً أو حتى شأناً اجتماعياً، لذلك فإن كل مجموعة تمتاز بلباس خاص يجعلها متفردة إضافة إلى الفواصل المكانية بين مجموعة وأخرى . ملابس سود طويلة وأقنعة لحيوانات وشياطين قبيحة ومرعبة تتقدم وتمثل بدورها العالم السفلي، كما كان يصوره السكان الأصليون تتبعهم مجموعة تمثل الهنود الحمر بأسلحتهم التقليدية وهم يحاولون صيد حيوانات وهمية. يمضي الكرنفال قدماً في الشارع الطويل ويطل بعد ذلك رجال بقبعات مكسيكية كبيرة يدعون النساء الى الرقص نازعين قبعاتهم وهم يجلسون على الأرض، لتتقدم النساء للرقص ببدلاتهن الزاهية العريضة وسط تصفيق المشاهدين السعداء. ثم يأتي الحاضر يمثله شبان وشابات بملابس زاهية ولكن قليلة للغاية إلى درجة يكاد يكونون فيها شبه عراة. ينعطف الكرنفال باتجاه المتحف الخالي تقريباً من الآثار المهمة حيث تتفرق الجموع وهي نقطة النهاية معلنة نهاية الكرنفال الذي استمر ثلاث ساعات من الرقص والموسيقى تحت شمس حارة تشرق كل يوم طيلة أيام السنة. ينتهي الكرنفال لكن الموسيقى لن تتوقف، خصوصاً ان الناس هناك ليس لديهم ما يفعلونه بسبب البطالة والفقر. اذ تعد نيكاراغوا ثاني أفقر دولة في أميركا اللاتينية بعد هاييتي. ينتظرون المساء بفارغ الصبر لأن المطرب المحبوب لويس كودوي سيرطّب الجو بغيتاره وصوته الجميل. التاسعة مساءً موعد حفلة لويس كودوي. لكن أكبر ساحات المدينة التي استقبلته اكتظّت بأكثر من ثلاثة آلاف شخص قبل ساعات من الموعد. وكودوي شاعر وممثل وموسيقي ومغن، يكتب ويلحن أغانيه بنفسه ويعد من اكبر الفنانين في نيكاراغوا وله جمهور عريض في كل مكان من أميركا اللاتينية . انتهت الحفلة عند منتصف الليل، لكن الموسيقى لم تتوقف. فالمدينة خصّصت حفلة راقصة لضيوف مهرجان الشعر العالمي، على إيقاع السلسا والكومبيا وهما من أشهر الرقصات في هذه القارة وتتمتعان بشعبية قل نظيرها في أي مكان من العالم.