على رغم ان الحكومة الباكستانية هي حكومة منتخبة، يسود الاضطراب الشارع الباكستاني. ومن يستخف بالمبادئ الديموقراطية يشمت بمآل الأمور، ويرى أن الشعب نال ما يستحق. فهو اختار قيادات لم تستطع تحقيق طموحاته. وتخلص أوساط النخبة الى أنها على حق. فالشعب أمّي، ويعجز عن اتخاذ القرارات الحكيمة والمصيبة. ولكن هل أخطأ الباكستانيون عندما انتخبوا زعماء سياسيين، وطردوا ديكتاتوراً عسكرياً؟ لا لم يفعلوا. فالناس أصابت في دعم السلطة السياسية في اسلام آباد. ولا تدحض تجربة باكستان السياسية المريرة الديموقراطية وتداول السلطة. فالديموقراطية هي نظام يتيح امام مجموعات مختلفة التنافس على قدم المساواة في خدمة مصالح الشعب. ويحسب الناس أن هدف الانتخابات هو انتخاب سياسيين يسهرون على مصالح الشعب. والحكومة الباكستانية توسلت وسائل شعبوية للبقاء في السلطة. فهي أبرمت تسوية خارج المحكمة، وأطلقت سراح عبدالقدير خان في محاولة لكسب رضا الناس. وعبدالقدير خان هو أحد الأبطال الذين نصبتهم الحكومات المتعاقبة، وصنعت هالة بطولتهم. وينسب اليه الفضل في حيازة باكستان السلاح النووي. فهو رمز شرف الأمة ونواة هويتها. والإفراج عن هذا البطل الوطني يرمي الى تنفيس غضب الشعب من عجز الحكومة وقصورها عن توفير مطالبه الاجتماعية والاقتصادية. ولم تعلن اسلام أباد أنها أبقت الدكتور خان تحت مراقبة صارمة جراء اتهامه بتسريب التكنولوجيا النووية الى دول اخرى، وتسببه بإدانة المجتمع الدولي باكستان، وتقويض الثقة بها. وهي تخفي عن الناس أن تسريب عبدالقدير خان خطط صناعة السلاح الذري أسهم في تهديد أمن باكستان. وتزعم الحكومة أن الأمن العسكري، عوض الاستقرار الاجتماعي وتوفير الغذاء والملبس، يعبد الطريق الى الاستقرار الاقتصادي والازدهار. وهذه سياسة أقرب الى الشعبوية منها الى الديموقراطية. ويرى حمزة علوي، وهو خبير باكستاني راحل في العلوم السياسية، أن نظام باكستان"دستوري قانوني"، ولكنه يفتقر الى الديموقراطية. والى اليوم، لم تختبر باكستان الديموقراطية. فالانتخابات في باكستان تشرع ابواب السلطة أمام جماعات نافذة، وتوصدها في وجه المواطنين العاديين، وتحول من دون تداول السلطة ديموقراطياً. ولذا، تحتاج باكستان حاجة ماسة الى اعادة هيكلة النظام السياسي. فالنظام الزبائني البيروقراطي يسد أفق التغيير، ولا يلبي حاجات الناس. وهو رمى بالباكستانيين في حضن"طالبان"والإسلاميين المتطرفين. ولم يبق أمام الباكستانيين سوى العنف والتطرف الأيديولوجي. * محللة استراتيجية وسياسية مستقلة، عن" دون "الباكستانية، 13 /2/ 2009، إعداد جمال إسماعيل نشر في العدد: 16763 ت.م: 25-02-2009 ص: 24 ط: الرياض