اختلفت جهود الباحثين وآرائهم حول التعريف الاصطلاحي للإعلام، وإن كانت سمة التقارب هي الغالبة عليه، "أصول الفكر الاتصالي الإسلامي"للمؤلف عوض إبراهيم عوض، دار الفكر، دمشق 2009. وبحسب ريموريه:"كلمة الإعلام بمعناها الذائع تستلزم حتماً توافر عنصر شعور وحس، بل إن هذا العنصر يبدو أمراً أساسياً، فنحن نسعى إلى إجادة علمنا بالحياة السياسية وبتقدم التقنية ابتغاءً للمعرفة". فالإعلام وفقاً لهذا المعنى هو تقديم الحقائق المجردة سواء كانت سارة أم محزنة. وهذا الارتباط بالحقيقة هو أهم ما يميز الإعلام من غيره من أشكال الاتصال الأخرى. ويقدم زين العابدين الركابي تعريفاً آخر للإعلام يقول فيه:"الإعلام إنما هو علم الاتصال والتحكم، وهو بالتالي، وسيلة التعبير والتوجيه والصعود بالناس إلى أعلى أو الهبوط بهم إلى القاع"، في حين يرى الدكتور زيدان عبدالباقي:"إن الإعلام هو جملة الأساليب التي يلجأ إليها الإنسان للتعامل مع غيره من الناس بغرض التأثير فيهم". ومن هذه التعريفات نلاحظ أن تعريف الإعلام لا بد من أن يتضمن المضمون والوسائل حتى يكون أقرب إلى الشمول، بمعنى أن يشمل الإعلام بالقول والإعلام بالفعل. ولما كان التواصل في شكله البسيط يتم بين فرد وآخر لنقل معلومة أو استفسار، فإن هذا الأمر يحتاج لحصيلة لغوية تسهم في إكمال هذه العملية. ولذلك عندما خلق الله الإنسان خلقه قادراً على صنع الكلام بمفرداته ومعانيه"وعلّم آدم الأسماء كلها". فاللغة بحسب المعنى القرآني، من أهم أساليب الاتصال. وبالعودة إلى الإخبار الإعلامي نجده تارةً بالقول وأخرى بالفعل، ولما كانت الأدلة العينية عموماً، ذات قوة فاعلة في كثير من الأحيان، فإن معجزات الرسل عليهم السلام تجيء في هذا الإطار الإعلامي. وبذلك يمكننا أن نعد كل العلامات التي تظهر في شكل معجزات أو خوارق للرسل إعلاماً من الحق عزّ وجلّ للناس بأن هذا الرسول مرسل من عند الله. عناصر الاتصال الدعوي يعتبر المُرسل، المنشئ الأول للرسالة الإعلامية. وفي مجال العقيدة هو الله سبحانه وتعالى. والمستقبِل يمثل كل فرد أو جماعة من البشر، أو من الجن تتلقى وحي السماء، وهي هنا، الرسالة، ولما كانت رسالة الإسلام هي القرآن، تتجلى في قوله تعالى:"الرحمن علّم القرآن خلق الإنسان علّمه البيان"، حيث جاءت الإشارة أولاً إلى تعليم القرآن ثم خلق الإنسان، أي وضع الله سبحانه وتعالى القرآن أولاً كمنهاج، ثم خلق الإنسان وعلّمه هذا المنهج. وتبدو الوسيلة لهذا المنهج في الوحي المقدس الذي يطلق لفظه ليراد به إعلام الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلّم، وللوحي أنواع ذكرها الله تعالى في سورة الشورى 42-51 وهي: وحياً: أي إلقاء المعنى الذي يريده الحق عز وجل في قلب الرسول صلى الله عليه وسلّم، والكلام من وراء الحجاب، وما يلقيه الملك المرسل بالوحي من الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلّم، وأخيراً الرؤيا. أما الهدف من الرسالة فهو دعوة الناس جميعاً إلى ما ارتضاه الله سبحانه وتعالى للإنسانية من نظم شاملة صالحة لتدبر شؤون الحياة، وضمنها خلاصة ما جاءت به الأديان السماوية السابقة. ويأتي تأثير القنوات الإعلامية من المنظور الإسلامي متشعباً كثيراً بمقدار تشعب قضايا الدعوة الإسلامية نفسها. ولذلك فإن تأثيرها قد يكون دينياً أو دنيوياً، بمعنى أنه قد ينزع إلى تجميل السلوك بغرض نيل الثواب في الآخرة، وقد يكون بغرض تحقيق مآرب آنية في المجتمع الحاضر. المضامين الاتصالية للقرآن الكريم خبر القرآن، هو الخبر الصادق الذي لا مراء فيه، ولغته ذات جرس بديع موزون بلا أوزان ومقفى بلا قواف، مصدره الله عز وجل، ليس فيه نقص أو شوائب تقدح في حقيقته، واضح، شامل، لا خلاف أو تناقض بين آياته. يصلح لكل زمان ومكان، ثابت في أحكامه، حفظه الله من التحريف أو التغيير، وهو بذلك، رسالة اتصالية إعلامية متكاملة تشتمل على كل عناصر الاتصال الكامل غير المنقوص. وتتضح عناصر الاتصال في القرآن الكريم من خلال تبيانه أخبار الأنبياء والمرسلين، ومواقف أقوامهم ومضمون دعوتهم وطرق الإقناع والتأثير التي استخدموها، والله تعالى اتصل برسله من طريق رسائل اتصالية أخبر عنها القرآن الكريم في قصص الأنبياء والمرسلين، وبعض هؤلاء الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلّم حين فاجأه الوحي وهو في غار حراء. وكانت هذه رسالة اتصالية أصدرها الله سبحانه وتعالى في أول نزول آيات القرآن الكريم من طريق جبريل عليه السلام. كما نجد الإعلان واضحاً في القرآن الكريم عن أحداث ستتم في ما بعد، فأعلن عن الهزيمة التي منيت بها قريش ببدر في العام الثاني من الهجرة، وذلك قبل الهجرة بسنوات، وأخبر أنها ستقع في الوقت نفسه الذي ينهزم فيه الفرس من الرومان، فضلاً عن ذكره خلود دعوته على مر الزمان، وقيام دولة الإسلام الفتية على الأرض، وعجز كل القوى عن القضاء عليها. الأخبار في القرآن الكريم اهتم القرآن الكريم بقضية الأخبار أيما اهتمام، حتى إنها أصبحت سمة واضحة ومميزة له من دون بقية الكتب السماوية. فقد وردت الأخبار في القرآن الكريم بشتى الأساليب، فضلاً عن إيراده مصطلح الخبر نفسه بمدلولاته العديدة. كما وردت كلمة النبأ وجمعها أنباء مع مشتقاتها في القرآن الكريم 80 مرة، والنبأ اليقين هو الخبر الصادق الموضوعي الذي يستهدف المصلحة العامة، وتتصل عملية جمع الأخبار ونشرها بأهم الغرائز البشرية. وأظهر صفة من صفات الإنسان الاجتماعية هي حب الاستطلاع ومعرفة الأخبار والاطمئنان على البيئة. وهي عملية تساعد الفرد على التكيف مع الطبيعة والانسجام مع غيره من الناس الذين يعيشون حوله. وأشهر القصص في مجال النبأ اليقين قصة النمل مع موكب سيدنا سليمان عليه السلام حين مر على وادي النمل، حيث قامت النملة بوظيفة إخبارية في موقف إعلامي يجب أن يسترشد به كل إعلامي في الحرص على المصلحة العامة وتنبيه الناس إلى الأخطار. كما تضمنت سور القرآن الكريم الكثير من الأسس الفكرية والأصول الاعتقادية التي يقوم عليها النظام الخبري، وجاء فيها بيان للحقائق الكبرى التي يتعامل معها الإنسان كحقيقة الألوهية، وحقيقة العبودية. ومضمون الأخبار بصورة عامة لا يخرج في معظمه عن حقائق أو آراء أو سلوك أو مواقف يراد نقلها أو معلومات ذات قيمة للمتلقي. وكل هذه تتضمن أحداثاً وقعت في الماضي أو الحاضر أو يتوقع وقوعها في المستقبل. من هنا، يرى بعض العلماء أن الإسلام دين إعلامي، وذلك ما أشار إليه القرآن الكريم في كثير من آياته إذ أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم المشركين والمنافقين بما كانوا يديرونه من مؤامرات. كما كانت آياته الكريمة تنتقد حال المسلمين في كثير من المواقف وترشدهم إلى الصواب. وبذلك احتوى القرآن الكريم على كثير من النواحي الإخبارية التي نتعامل بها في هذا العصر من نقد وتحليل وتعليق. أما وظيفة الأخبار في القرآن الكريم من ناحية الغيبيات فيمكن تقسيمها إلى ثلاثة مستويات هي: 1- الإخبار عن ذات الله سبحانه وتعالى. 2- الإخبار عن عالم الغيب. 3- الإخبار عن عالم الشهادة وواقع الحياة المعاشة. وسط هذا الكم الهائل من هيمنة الإعلام على الثقافة استخدمت الثقافة الغربية أساليب كثيرة للنفاذ إلى المجتمع المسلم، فسيطرت عليه وسعت حثيثاً لتجزئته حتى أضعفته، ولم يجد غير التبعية والانقياد لما سمي بالثقافة الغالبة، التي استخدمت كل أساليب التكنولوجيا الحديثة، لفرض الثقافة من جانب أحادي فعمد الغرب إلى تجميع الشركات العملاقة العاملة في مجال الاتصالات، وتوسيع عمل ومهمات الشركات المتعددة الجنسيات وما تقدمه من تيسير لنقل الثقافات المغايرة، واتجاه وسائل الإعلام الحديثة نحو ما يسمى الفردية الاتصالية ومخاطبة شرائح خاصة، هي فئات القادرين على الدفع. الأمر الذي عمق الفجوة بين فئات المجتمعات، وهنا برزت عدم قدرة الدول النامية على التحكم في مسار المعلومات والبيانات، فانعكس ذلك سلباً على سلوك المجتمع في شكل عام، وأدى إلى ظهور تيار مخالف للقيم والتقاليد التي تحدد معالم الهوية والشخصية الوطنية، وإضعاف الانتماء إلى الوطن والأمة والتراث الحضاري، فضلاً عن الانبهار بالثقافة الغربية التي أدت إلى توقف الإبداعات والابتكارات والتجديد في إطار الثقافة الإسلامية. فحجم المعلومات التي تخرج من البلاد الإسلامية تعد أكثر بساطة، وأكثر محدودية إذا ما قورنت بالدول الكبرى. ويعود ذلك لأسباب كثيرة، منها الظروف المحيطة بالدول الإسلامية من تخلف، وحروب أهلية زرعت بعضها الدول الاستعمارية. الإسلام وحرية التعبير الإعلامي إن المناظرة بين المدافعين عن حرية التعبير والمعارضين لها لا تزال مستمرة. والحرية في مفهومها العام تعني إزالة القيود وممارسة الحقوق الأساسية للإنسان في أي زمان ومكان، وهي بذلك التعبير الحقيقي عن جوهر الإنسان. وإذا ما وقفنا على النصوص في الدين الإسلامي، فإننا نجد أن القرآن الكريم قد أشار إلى مفهوم الحرية في كثير من الآيات التي حضت على حرية التعبير والرأي،"لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"،"لا يكلف الله نفساً إلا وسعها"،"وجادلهم بالتي هي أحسن". ويعتبر الإمام الغزالي أن حرية الرأي والتعبير هي جوهر الإسلام، وضرورة من ضرورات الإيمان به. والحرية الإعلامية في الإسلام تأتي تتويجاً لمبدأين أساسيين هما: المسؤولية، والواجب. والمسؤولية ليست مسؤولية الضمير أو مسؤولية القانون، وإنما هي مسؤولية الإنسان أمام الله. ولا تقف عند الحدود الظاهرة من الأقوال والأفعال، بل تتناول النوايا وما خفي في الصدور. ومن هذه المسؤولية يبرز الواجب، فما يعد حقاً للفرد أو المجتمع، هو فرض واجب على الفرد للفرد، وعلى المجتمع للفرد، وعلى الدولة للفرد والجماعة معاً. وهنا يأتي دور الإعلام الإسلامي في حماية الثقافة وتنميتها واستثمارها وجعلها أساساً للتطبيق العلمي والتفاعل مع المجتمعات البشرية في مواجهة الغزو الفكري. * كاتبة سورية نشر في العدد: 17018 ت.م: 07-11-2009 ص: 28 ط: الرياض