مرّ 16 عاماً على اكتشاف أول كوكب سيّار خارج المجموعة الشمسية التي تتوسطها نجمة صفراء مشتعلة هي الشمس. وحينها، وُصِف بأنه كوكب غازي عملاق. وأشارت تلك التسمية الى أن معظم كتلة ذلك الكوكب تتألف من غازات. وتميّز أيضاً بحجمه العملاق، بحيث أطلق عليه لقب"مشتري حار". إذ يفوق كوكب المشتري، وهو الأضخم بين الكواكب السيّارة في مجموعتنا الشمسية، كتلة وحجماً، ولكنه يدور على مسافة قريبة من"شمسه"، ما يجعل درجة الحرارة عليه شديدة الارتفاع، بعكس الجو على كوكب المشتري. ويطلق على الكواكب السيّارة التي تُرصد خارج المجموعة الشمسية اسم"إكزوبلانت"Exoplanet. وترجمة ذلك المصطلح حرفياً"كوكب سيّار خارجي". مضى 16 عاماً. ومنذ ذلك التاريخ، تطوّرت إمكانات الرصد الفضائي. وتعدّدت وسائله وبرامجه، وتخطّى عدد الكواكب المكتشفة 350 كوكباً سيّاراً، تتشارك في أنها عملاقة وغازية التركيب. وتغيّرت تلك الحال أخيراً. إذ أعلنت"الوكالة الأوروبية للفضاء"قبل أواخر أيلول سبتمبر الفائت، أن المسبار الأوروبي"كوروت"، الذي تولّت عملية إطلاقه وتوجيهه، اكتشف كوكباً سيّاراً خارجياً"إكزوبلانت"يتميّز بأنه صخري التركيب، وليس غازياً. وسمّي"كوروت -7-ب". ولوحظ أنه يدور حول النجم"كوروت-7". وزاد في إثارة ذلك الاكتشاف أن"كوروت -7-ب"يتمتع بكثافة توازي ما يمتلكه كوكبنا السيّار الأرضي. يجاور النجم"كوروت -7"نجماً لامعاً اسمه"مونوسيروس"عرفه علماء العرب باسم"ذي ? القرن" يقع على بعد حوالى 500 سنة ضوئية من الأرض. ويقل حجم"كوروت-7"عن الشمس، كما أنه أقل سطوعاً وحرارة. ويعتقد علماء الفلك في"الوكالة الأوروبية للفضاء"أن عمره أصغر من عمر شمسنا. ويقدرونه بقرابة بليون ونصف بليون سنة، فيما يصل عمر شمسنا خمسة بلايين سنة. ورُصِد كوكبان سيّاران حول ذلك النجم، أحدهما"كوروت -7-ب"الذي يتمتع بكثافةٍ شبيهة بكثافة كوكب سيّار الأرض. خامس"صخرة"سيّارة كونياً اعتُبِر تأكيد طبيعة"كوروت- 7-ب"كأول كوكب سيّار صخري خارج المجموعة الشمسية خطوة مهمة إلى الأمام في البحث عن كواكب شبيهة بالأرض. كما عُدّ إضافة أصيلة إلى الكواكب الصخرية الأربعة المعروفة ضمن المجموعة الشمسية عطارد، الزهرة، الأرض والمريخ. وبذا، يكون"كوروت-7?ب"خامس كوكب سيّار صخري في الكون حتى الآن. يشكّل البحث عن كوكب سيّار خارجي صالح للحياة مهمة استراتيجية في علم الفلك. وقد صمّمت برامج ملائمة له استخدمت فيها تلسكوبات فضائية وأرضية. وأتاح ذلك اكتشاف مئات الكواكب السيّارة خارج مجموعتنا الشمسية، معظمها كواكب غازية عملاقة، تفوق كتلها او تقارب كتلة المشتري التي تفوق ب300 مرة كتلة الأرض. وفي السنوات الأخيرة، أمكن اكتشاف كواكب سيّارة أصغر، لا تزيد كتلها عن بضعة أضعاف كتلة الأرض. وعنى ذلك أن اكتشاف أنداد للأرض كتلةً وحجماً، أصبح مجرد مسألة وقت. وكي تكون تلك الكواكب السيّارة الخارجية شبيهة بالأرض فعلياً، يجب أن تدور حول نجمتها في مسافة تُشابه تلك التي تفصل الأرض عن الشمس. لكن مسألة اكتشاف نجم يدور حوله كوكب سيّار أو أكثر، لا تعني أبداً أنه بات بالإمكان تصوير تفاصيل تلك الكواكب أو تفاصيل النجم ذاته. إذ يبعد أقرب نجم غير الشمس من الأرض، وهو"بروكسيما سنتوري"، 4,2 سنة ضوئية أي أنه يفوق الشمس بُعداً بقرابة بليون وثلاثمئة مليون ضعف. ويبدو كنقطة مضيئة ليس أكثر، مهما ضاعفنا من قوة التلسكوب. فكيف تكون الحال مع النجوم الأبعد؟ كيف يمكن التوصل الى رؤية الكواكب السيّارة الملحقة بالنجوم البعيدة، مع ملاحظة أنها تصغر تلك النجوم بمئات المرات حجماً، وتقل عنها ببلايين الأضعاف في السطوع؟ إذاً، كيف يمكن تقصي كوكب سيّار خارجي يدور حول نجمٍ بعيد؟ هناك وسائل متعددة لإنجاز ذلك. وبات الفلكيون معتادين على استعمالها للبحث عن الكواكب الخارجية. تعتمد إحدى هذه الوسائل على ظاهره ال"ترانزيت"، أي مرور الكوكب السيّار الخارجي بيننا وبين النجم. وهذا يعني أن نقطة باهتة وضعيفة وصغيرة وغير مرئية بالتلسكوب هي الكوكب السيّار الخارجي، تمرّ أمام دائرة صغيرة لكنها ساطعة في حقل التلسكوب هي النجم فتكون النتيجة ان سطوع هذه الدائرة يتراجع في كل مرّة يمر فيها الكوكب السيّار الخارجي بين التلسكوبات الأرضية والنجم. ويتيح تكرار مرور الكوكب الخارجي بصورة دورية، إضافةً إلى السرعة التي يتيح قياسها جهاز تحليل الطيف في التلسكوب، احتساب كتلة الكوكب السيّار الخارجي وحجمه وبالتالي معدّل كثافته وتركيبه الفيزيائي العام غازي، صخري، ثلجي.... وتعتمد مهمة"كوروت"على ظاهرة ال"ترانزيت"هذه للبحث عن كواكب سيّارة خارجية. وأدّى الرصد المستمر لمنطقتين باتجاه مركز مجرة"درب التبانة"، عبر حقل رؤية يوازي 4 درجات لكل منطقة، على امتداد 150 يوماً لكل منها، إلى اكتشاف 46 نجماً أظهرت علامات مؤكّدة عن ظاهرة ال"ترانزيت"، بمعنى أن تلك النجوم تمتلك كواكب سيّارة تدور حولها. وحدث ذلك بين تشرين الأول اكتوبر 2007 وآذار مارس 2008. بين هذه النجوم المرصودة، هناك"كوروت7". ويتميّز بأنه نجم معتدل السطوع مثل الشمس. وينتمي إلى اللائحة الرئيسة للنجوم. ويقع على بُعد 150 فرسخاً فلكياً من الأرض الفرسخ الفلكي يساوي 3,26 سنة ضوئية. ويصنّف الفلكيون النجوم المرصودة في اللائحة الرئيسة إلى سبع فئات رئيسة:"أو، بي، إيه، أف، جي، كيه، أم" O,B,A,F,G,K,M. إذ تمثل فئة"أو"النجوم العظمى التي يميل لونها نحو الأزرق وتفوق حرارة سطحها ال 30 ألف درجة مئوية. ويمثل الصنف"أم"النجوم الحمراء الباردة التي لا تزيد درجة حرارة سطحها عن 3000 درجة مئوية، وتتوزع بقية الفئات تبعاً لحرارة سطحها. ووفق هذا التصنيف، تصنف شمسنا ضمن الفئة المتوسطة"جي". وتوصف بأنها"قزم أصفر". وتبلغ حرارة سطحها حوالى 6000 درجة مئوية. ومع تحليل المعطيات الطيفية، حصل العلماء على معلومات أولية عن الكوكب السيّار"كوروت -7- ب"التابع لذلك النجم. وفي أوائل 2009، أعلن أن قُطر هذا الكوكب يصغر قطر الأرض بضعفين، وبالتالي فإنه أصغر كوكب سيّار خارجي يكتشف في جوار نجمٍ معتدل من اللائحة الرئيسة للنجوم. كما كُشِف أن مدار هذا السيّار يقع على بعد 2,5 مليون كيلومتر من نجمه. وينجز دورة حوله كل 20,4 ساعة أي أن السنة على ذلك الكوكب السيّار تعادل 20,4 ساعة على كوكبنا. وجرى تحديد كتلة ذلك الكوكب السيّار عِبْرَ دراسة دقيقة لتأثير جاذبية الكوكب السيّار في حركة النجم. وذلك أمر في غاية الصعوبة. وتولى أمرها"مطياف هاربس"HARPS، الذي يختصر إسمه عبارة High Accuracy Radial Velocity Planet Searcher، التي تشير الى قدرته على البحث عن الكواكب عِبْرَ مقياس للسرعة عالي الدقة. ويتبع"هاربس""المرصد الجنوبي الأوروبي"European Southern Observatory "إيزو" ESO. ويعتمد المرصد على تلسكوب يفتح عيناً قطرها 3,6 أمتار، في موقعه في جبل"لاسيللا"في تشيلي. وبعد 70 ساعة من رصد النجم"كوروت -7"بهذا التلسكوب الأرضي وتحليل المعطيات الطيفية بواسطة"هاربس"، أُعلِن أن الإهتزاز الدوري المُلاحظ في موقع النجم آتٍ من كتلة الكوكب السيّار"كوروت -7-ب"التي قدّرت بأنها تفوق أرضنا بقرابة 5 أضعاف. ولذا، صُنّف ضمن أصغر الكواكب السيّارة الخارجية المكتشفة حتى الآن. وتضع هذه الكتلة الكوكب السيّار"كوروت-7-ب"في عداد ما يسمى"سوبر?أرض"، أي أنه يشكّل جرماً وسطاً بين كتلي الأرض والكواكب الغازية العملاقة. والمعلوم أن من بين حفنة من الكواكب الخارجية السوبر- أرضية المكتشفة حتى اليوم، يصنّف"كوروت -7-ب"كأول كوكب سيّار خارجي أمكن تقدير كتلته وقطره معاً في شكل دقيق. واحتسبت كثافة هذا الكوكب السيّار نسبة إلى الماء. فوجد أنها 5,5 غرامات للسنتيمتر المكعب. ويعني هذا أنه كوكب سيّار صخري بامتياز. يظلّ التساؤل عن إمكان وجود حياة أو ماء على"كوروت-7-ب"أمراً خارج القدرة على الرصد والقياس حاضراً. ويميل البعض الى استبعاد هذا الاحتمال بقوة المنطق العلمي والجزم بأن الأمر يتعلق بكوكب سيّار صخري جاف جداً مثل عطارد بل أكثر جفافاً، نظراً الى كونه على مسافة قريبة جداً من نجمته التي تقارب الشمس سطوعاً وحرارةً. ودفع اكتشاف كوكب سيّار صخري صغير نسبياً مالكولم فرِدلوند عضو الفريق العلمي لبرنامج"كوروت"للقول:"إننا نقترب من الوصول إلى الهدف النهائي المرجو في إيجاد كوكب سيّار شبيه بالأرض". * أستاذ الفيزياء النووية في الجامعة اللبنانية نشر في العدد: 16993 ت.م: 13-10-2009 ص: 30 ط: الرياض