شهدت دولة الإمارات، ظاهرة لافتة لم تعتد عليها الشركات المساهمة العامة فيها، أو في المنطقة، تمثلت في استبدال أكثر من 20 رئيس مجلس إدارة شركة مساهمة عامة إماراتية خلال هذا العام والعامين الماضيين، إضافة إلى أكثر من عشرة أضعاف هذا العدد من أعضاء مجالس إدارة الشركات. وساهمت في هذه الإجراءات عوامل عدة، منها اتساع قاعدة المستثمرين والمساهمين والمضاربين في الأسواق المالية، إضافة إلى ارتفاع مستوى الوعي الاستثماري ومعرفة مساهمي الشركات حقوقهم وواجباتهم التي ضمنها لهم القانون. وأصبح للأسواق المالية دور مهم في هذا التغيير، من خلال حكمها على كفاءة مجالس الإدارة من حيث مكافأة الشركات القوية، والتي تحقق نمواً متواصلاً في صافي الأرباح، وعائداً متميزاً على رأس المال وحقوق المساهمين. وتترجم هذه المكافأة من خلال ارتفاع حجم الطلب، وبالتالي أسعار أسهم هذه الشركات بما يتناسب ومستوى الأداء. والعكس صحيح، اذ تعاقب الشركات الضعيفة الأداء والتي لم تلبِ طموحات مساهميها وتطلعاتهم وتوقعاتهم، والعقاب يترجم من خلال محدودية الطلب وتراجع الأسعار. الحكومات المحلية في دولة الإمارات كان لها دور مهم في عملية التغيير، وفي مقدمها حكومة أبو ظبي التي تمتلك حصة مهمة من رؤوس أموال الكثير من الشركات المساهمة العامة، ولها تمثيل واضح في مجالس إداراتها بما يتناسب وحصتها في رؤوس الأموال. وضخ دماء جديدة من الأسباب الرئيسة لاتخاذ حكومة أبو ظبي قرارات التغيير، باعتبار أن مصلحة الاقتصاد الوطني ومصلحة الشركات، تتطلبان التغيير بين فترة وأخرى لتعزيز نمو هذه الشركات وربحيتها بما يتناسب والتطورات السريعة التي يشهدها اقتصاد إمارة أبو ظبي في شكل خاص، واقتصاد دولة الإمارات والاقتصاد العالمي بعامة. كما ان حكومة دبي اتخذت قرارات بتغيير رؤساء مجالس إدارة بعض الشركات لأسباب مختلفة، منها على سبيل المثال"بنك دبي الإسلامي"وشركة"ديار"، بينما أدى دمج بنكي"دبي الوطني"وپ"الإمارات الدولي"، الى تولي احمد الطاير رئاسة مجلسي إدارة البنكين. وأدى ايضاً استحواذ بعض كبار المستثمرين الإماراتيين على حصة مهمة من رؤوس أموال بعض الشركات المساهمة العامة، الى تغيير في مجالس إدارتها، ومنها على سبيل المثال الشركة الوطنية للسياحة والفنادق ومصرف أبو ظبي الإسلامي. وأشار إحصاء أعدته إحدى شركات الاستثمار المحلية، الى ان خمس عائلات إماراتية تستحوذ على 17 في المئة من عدد مجالس إدارات الشركات المساهمة العامة. وكان للجمعيات العمومية السنوية للشركات المساهمة العامة كما هو معلوم، دور واضح في عمليات تغيير قسرية لمجالس إدارات الكثير من الشركات المساهمة العامة، باعتبارها أعلى سلطة في الهيكل التنظيمي للشركات. كما ان القانون خول الجمعيات العمومية بمحاسبة مجالس الإدارة وعدم إبراء ذمتها، إذا أخفقت في تحقيق أهداف هذه الشركات. وأعطت المادة 116 من قانون الشركات الإماراتي، الجمعيات العمومية صلاحيات بعزل كل أعضاء مجالس الإدارة أو بعضهم، حتى لو نص النظام الأساسي للشركة على غير ذلك. ومجلس الإدارة في الشركات المساهمة العامة كما هو معلوم، هو السلطة العليا المختصة برسم السياسات ووضع الأهداف وتخطيط الاستراتيجيات وتنفيذها، إضافة الى مراجعة أداء الشركات ومراقبته وتحليله، بغية تحقيق أهدافها. وهذا بالطبع له تأثير مهم في الاستقرار المالي والاقتصادي في الدولة وفي سمعتها. ضعف الإدارة التنفيذية لأي شركة وانخفاض كفاءتها وترهلها وتواضع أدائها، تعكس ضعف مجلس الإدارة. ولم يعد منصب رئيس مجلس الإدارة أو أحد أعضائها، في الشركات المساهمة وفي ظل المنافسة القوية والتحديات الكبيرة، منصباً للوجاهة الاجتماعية وتحقيق المكاسب أو المغانم والتسهيلات، او الحصول على المعلومات المهمة من داخل الشركة، بقدر ما هو تحمل مسؤولية أمام المساهمين والمسؤولين والوطن، وبالتالي يفترض بأعضاء مجالس الإدارة التمتع بالنزاهة والصدقية العالية، ومتابعة أمور الشركة وأدائها، إضافة الى عدالة التعامل مع المساهمين من حيث تزويدهم فوراً بالمعلومات الجوهرية الخاصة بالشركة، بحيث لا يستفيد عضو مجلس الإدارة أو أي طرف له علاقة به، من هذه المعلومات، وبالتالي تحقيق مكاسب على حساب بقية المساهمين. وبعض الدول وضع آليات محددة لاختيار رؤساء مجالس إدارة الشركات وأعضائها، في ظل الانفتاح والتطور الاقتصادي العالمي وتطور التكنولوجيا الحديثة. * مستشار "بنك أبو ظبي الوطني" للأوراق المالية