لم تعد حركة تحرر المرأة في العراق تخضع لمعايير محددة بعدما سُخّرت مثل غيرها من القضايا الأخرى، لأغراض سياسية. ومطالب التحرر التي بدأت منذ عقود واستطاعت أن تحقق إنجازات كبيرة في ستينات القرن الماضي وسبعيناته عادت لتتلاشى، وتحولت وسيلة للضغط السياسي، تُثار أو"تُستلّ"، عند الضرورة، في البرامج السياسية للأحزاب، وبخاصة إبان الحملات الانتخابية. وتعرضت قضية"تحرر المرأة"منذ أكثر من عقدين، للتسييس، شأن القضايا الاجتماعية المطروحة في الساحة العراقية، وباتت غالبية الحركات النسوية تابعة لنظام الدولة، لا تستطيع العمل خارجه، بأي شكل. وبعد سقوط نظام صدام حسين، شهد العراق تشكيل عدد من الحركات النسوية التي تدعو إلى تحرر المرأة ومنحها حقوقاً واسعة، في مجال التعليم واختيار الزوج والعمل. وعلى رغم أن المرأة العراقية كانت حصلت في السابق على الحقوق التي يعاد منحها اليوم وارتفعت نسبة النساء المتعلمات في شكل كبير، وانخفضت نسبة الأمية بين اللواتي بلغن الثلاثين إلى الخمسين من العمر، بعد إطلاق برنامج محو الأمية لأكثر من عشرة أعوام في العراق، خلال ثمانينات القرن الماضي، بقيت الحركات الداعية إلى تحرر المرأة تشعر بأن هذه الإنجازات لا تتناسب مع الدور الذي تلعبه المرأة في المجتمع العراقي، وحاولت"انتزاع"المزيد. إلاّ أن تلك المطالب اصطدمت، آنذاك، بالواقع العراقي الذي يأبى التجديد الاجتماعي كونه يتضارب مع العقلية الذكورية. وتجد حركات تحرر المرأة في العراق حالياً، أن انتشار ظاهرة العنف ضد المرأة باتت من أهم معوقات تحررها، وتطالب بتفعيل بنود الدستور الخاصة بحماية النساء في البلاد، وتشكيل فرق خاصة لحمايتهن، ووقف ممارسة العنف ضدهن. وهو يُعتبر سبباً أساسياً في مقتل أكثر من 1500 امرأة في العراق خلال السنوات الثلاث الماضية، بدواعي غسل العار وبدوافع التشدد الديني، وهن أيضاً ضحايا الاستهداف المسلح، وفق الإحصاءات الأخيرة لوزارتي الداخلية والتخطيط . وتؤكد النائب الناشطة في مجال تحرر المرأة، ميسون الدملوجي، ان الدستور العراقي يضم فقرات تتعلّق بحماية المرأة، أهمها المادة 14 التي تمنع التمييز ضد النساء، والمادة 19 التي تكفل الحفاظ على الخصوصية الشخصية، والمادة 37 التي تلزم الدولة حماية الفرد من الإكراه على الانتماء السياسي والديني. وتعزو الدملوجي عدم تفعيل هذه البنود إلى"خلل في الدولة". وفي إقليم كردستان لم يحل عمل حركات تحرر المرأة ونشاطاتها من تعرض النساء للعنف. ويشير آخر إحصاء، أعدته وزارة حقوق الإنسان، إلى تعرض أكثر من 500 امرأة في السليمانية فقط، خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، إلى أنواع من الاضطهاد، من قتل وانتحار بإشعال أنفسهن، والخطف والضرب المتعمد. وتعرضت 1108 امرأة، في 2007، في السليمانية لأعمال قتل أو محاولات قتل، وحرق وخطف وحالات أخرى من الاضطهاد، وفقاً للإحصاء نفسه. وسجلت هذه النسبة ارتفاعاً واضحاً، في نسبة العنف ضد المرأة، قياساً بعام 2006، الذي شهد مقتل وانتحار 533 امرأة. وتقول سلمى جبو، رئيسة"مركز تدريب وتأهيل الأرامل"في العراق، إن قضية تحرر المرأة في العراق تمر بأزمة حقيقية. وتشير إلى أن القوانين التي تنصف المرأة لا تنفّذ في شكل فاعل، إذ يحصل مرتكبو جرائم الشرف على أحكام مخففة لا تتناسب مع طبيعة الجريمة، فضلاً عن عودة ظاهرة الأمية في السنوات الأخيرة، ومنح الذكور الأفضلية في إكمال دراستهم على الإناث في القرى. وهي ترى أن انتشار النزاع المسلح وتصاعد موجة العنف، انعكس بدوره على حرية المرأة وتسبب في زيادة عدد الأرامل وزوجات المفقودين، الأمر الذي اثر كثيراً في حياتهن، ودفعهن إلى تغيير أدوارهن الاجتماعية والاقتصادية، وتنفيذ أعمال شاقة، بما في ذلك تحمل آثار التهجير، بعد قتل معيل الأسرة والنيل من الأمان الشخصي والهوية. وتظهر نتائج المسح الذي نفذه الجهاز المركزي الحكومي للإحصاء، ودائرة تخطيط القوى العاملة التابعة لوزارة التخطيط، وجود مشكلات كبيرة في حياة المرأة في العراق تعيق تحررها وتخضعها للاستعباد من المجتمع. وأظهرت الدراسة أن 11 في المئة من الأسر العراقية تعيلها نساء, وأن متوسط عمر المعيل من الأسر التي تعيلها نساء اكبر بعشر سنوات، من متوسط عمر المعيل في الأسر التي يعليها رجال، فضلاً عن أن 28 في المئة من الأسر الأولى تحصل على أدنى مستوى للدخل، مقارنه بالأسر الثانية، وأن40 في المئة من الفئة الأولى لا تستطيع تأمين مبلغ 65 دولاراً في الأسبوع، مقارنة بنحو 26 في المئة من أسر الفئة الثانية... إلاّ أن هذه الأرقام لا تقيس مرارة الحقيقة، ومدى عجز المرأة العراقية وبعدها عن"التحرر"بأي معيار من المعايير العالمية.