يدقق عشرات من العراقيين اسبوعيا، في غرفة شبه مظلمة في مبنى الطب العدلي في بغداد، في صور ضحايا لم يبق من بعضهم سوى الرؤوس أو الاشلاء، في محاولة للعثور على شقيق أو قريب خرج ولم يعد بسبب اعمال العنف. ومن خلال نظرات يملؤها الخوف الى صور يبثها جهاز كومبيوتر، يبحث الذين جاؤوا من مختلف مناطق العراق، بقومياته وطوائفه، عن علامة فارقة في الوجوه والاجساد لعلها تساعد في العثور على جثة مفقود من الأهل أو الأقارب. وتقول فضيلة 48 عاما التي تبحث عن ولدها بعد خروجها من الغرفة"لم أجد صورته بين الضحايا". وفقد نجلها مصطفى بستان 27 عاما، وهو أب لطفلين، بينما كان في طريقه الى عمله في كانون الاول ديسمبر الماضي. وتؤكد الأم التي ترتدي حجابا أسود"لم يعد إبني مصطفى بعد أن غادر المنزل في سيارته البيضاء". وتواظب فضيلة التي تتحمل نفقات زوجة ابنها مصطفى وطفليه على المجيء إلى الطب العدلي كل أسبوع آملة بالعثور على جثة ابنها او ما تبقى منها. وتتابع"من المؤلم حقا اختفاء ابني خلال مرحلة شهدت انخفاضا في اعمال العنف في بغداد"، في اشارة الى تحسن الأوضاع الأمنية اثر انتشار قوات أميركية وعراقية ضمن خطة"فرض القانون". وتضيف:"خلال تصاعد اعمال العنف، انتقلنا الى مكان آخر في بغداد أكثر أمناً لكننا عدنا مع انخفاض وتيرة العنف ... وبعد يوم من عودتنا اختفى ابني وأنا متأكدة من خطفه وقتله وما اريده الآن هو الجثة". وتشير احصاءات الى مقتل اكثر من خمسمئة عراقي خلال كانون الاول 2007 فيما قتل خلال كانون الثاني يناير من العام ذاته حوالي ألفي شخص قضى معظمهم في اعمال عنف طائفية. وأعلنت مجموعة"ايراك بودي كاونت"المستقلة في تقرير نشرته في كانون الثاني الماضي، ان 24 ألف عراقي قضوا خلال العام 2007 بسبب أعمال العنف. وتوضح المجموعة ان اعداد القتلى المدنيين في العراق بين آذار مارس 2003 والاول من كانون الثاني 2008 يتراوح بين 81 الفاً و88 الفاً. وعلى رغم انخفاض اعداد القتلى العام الماضي، تشير احصاءات وزارات الدفاع والداخلية والصحة الى ارتفاعها مجددا، اذ قتل 1073 شخصا خلال نيسان ابريل الماضي، قضى معظمهم في اشتباكات بين قوات أميركية وعراقية وميليشيات شيعية. وعلى رغم كل التقديرات المتفاوتة لأعداد القتلى، لا تزال الاعداد الدقيقة للمفقودين موضع تساؤلات، ويقول بعض الباحثين إن عشرات الآلاف فقدوا منذ عام 2003. من جهته، يقول الطبيب منجد رضا علي، مدير الطب العدلي في بغداد إن"اكثر من ألفي جثة مجهولة الهوية تم دفنها في مقبرتي النجف وكربلاء جنوببغداد". ويوضح أنه"خلال تصاعد أعمال العنف كنا نحتفظ بالجثث لخمسة أيام فقط، بسبب وصول جثث أخرى وبشكل يومي". ويشير الى ان"بعض الجثث كانت عبارة عن اشلاء مقطعة". وتستقبل مشرحة الطب العدلي مواطنين من مختلف مناطق البلاد للبحث عن جثث اقربائهم. وتقول رونق علي وهي في الثلاثينات من محافظة ديالى المضطربة شمال شرقي بغداد"قطعت اكثر من سبعين كيلومتراً للوصول الى المشرحة للبحث عن شقيقي رانزي". وخطف الكردي الشيعي رانزي 36 عاماً في تشرين الثاني نوفمبر 2007 على يد مسلحين نصبوا مكمناً لحافلة على طريق بلدة الخالص 80 كلم شمال شرقي بغداد. وتؤكد رونق ان المسلحين"خطفوا جميع الركاب وبينهم شقيقي". وتضيف"ذهبت الى المنطقة الخضراء حيث التقيت مسؤولين لكن من دون جدوى. لم استطيع العثور عليه حتى الان". ويؤكد مدير الطب العدلي"تلقي جثث ضحايا يسقطون جراء اعمال عنف او يعثر عليهم في مقابر جماعية". ويوضح ان دائرته"توثّق صور الجثث او الاشلاء للاحتفاظ بالصور بغية عرضها على الذين يبحثون عن ذويهم". ويتوافد عدد كبير من السنّة هذه الايام الى الطب العدلي للبحث عن اقرباء بعد ان كان الوصول الى المكان صعباً خلال تصاعد أعمال العنف الطائفي. وبات مستشفى الطب العدلي في منطقة باب المعظم شمال بغداد مكاناً يوحد السنّة والشّيعة الذين يعانون من العنف والنزاع.