الهربس مرض فيروسي واسع الانتشار. ففي الولاياتالمتحدة عشرات الملايين من الإصابات، وفي فرنسا هناك 12 مليوناً، بينها 7 ملايين حالة بالهربس الشفوي تقبيلة السخونة بالعامية. وأكثر الفئات تعرضاً للإصابة به طلاب المدارس والجامعات. والإنسان هو المستودع الطبيعي لمرض الهربس، وينتشر المرض خصوصاً في المناطق التي تفتقر الى الرعاية الصحية. والهربس ليس مرضاً حديث العهد، فقد عُرف منذ عهد أبقراط، ولكن أول من وصفه هو ريتشارد مورتون عام 1694، غير ان التفاصيل الدقيقة المتعلقة به لم توضّح إلا عام 1940، والاسم الحالي، أي الهربس، أخذ به عام 1953. هناك نوعان من الهربس: الهربس الرقم 1 الذي يصيب القسم العلوي من الجسم، خصوصاً الشفتين وقاعدة الأنف والعينين والوجنتين، إلا أن دراسات حديثة كشفت أن هذا النوع يمكنه أن يصيب المنطقة التناسلية، خصوصاً لدى الشاذين. وهناك الهربس الرقم 2 الذي يضرب الأعضاء التناسلية، ولهذا يطلق عليه اسم الهربس التناسلي. الهربس الشفوي ان معظم حالات الهربس الشفوي سليمة لا تصدر عنها أي علامة تشير من قريب أو من بعيد الى وجود المرض، أما في النسبة الباقية فيفصح المرض عن نفسه بحزمة من الحويصلات الصغيرة على قاعدة جلدية حمراء تحوي في داخلها سائلاً أبيض رائقاً. وفي العادة يعاني المصاب قبيل ظهور الحويصلات بأربع وعشرين ساعة من حس الحرقة والتورم في الموضع الذي تظهر فيه هذه الاندفاعات الجلدية، وبعد ظهور هذه الأخيرة يكون مصيرها الجفاف فتترك خلفها آثاراً ندبية تتلاشى بعد أيام. والهربس الشفوي مرض معد بشدة، من هنا يتوجب على المصاب أن يتحاشى تقبيل الآخرين، خصوصاً الأطفال والعجز الذين يملكون مناعة ضعيفة، فإصابة هؤلاء تعرضهم لانتشار المرض في شتى أنحاء الجسم. ان التعرض للشمس، أو المعاناة من التعب، أو حدوث نوبة عاطفية، أو الإصابة ببعض الأمراض مثل الملاريا والأنفلونزا والالتهابات الرئوية والتهاب اللوزتين، أو حتى تناول أنواع معينة من الأطعمة، يمكنها ان توقظ الفيروس الهاجع في العقد العصبية عند الأشخاص الذين تعرضوا له سابقاً مسبباً في ذلك هجمة جديدة من الهربس، وتختلف طبيعة هذه الهجمة من شخص الى آخر، لكن المعروف عنها أنها أكثر حدوثاً عند الذكور وأن تواتر وقوعها يقل مع مرور الزمن، وعوارضها العامة تكون غائبة، عدا الإحساس بالحكة والحرقة، أما الحويصلات فتظهر دوماً في المكان نفسه الذي ظهرت فيه سابقاً. قد تمتد الإصابة بالهربس لتطاول العين، وبالتحديد القرنية والأجفان، وكذلك الحنجرة. الهربس التناسلي الإصابة بالهربس التناسلي تحدث عادة بعد علاقة جنسية عابرة، وقد تمر هذه الإصابة لدى البعض مرور الكرام من دون الشعور بها، أما عند الآخرين وبعد حصول العدوى بالفيروس بأربعة الى خمسة أيام تبدأ مظاهر المرض بالبروز وتختلف بين الذكور والإناث، فالهربس التناسلي عند الرجال يتظاهر بالعوارض والعلامات الآتية: - ارتفاع الحرارة. - ظهور الحويصلات والتقرحات في المنطقة المصابة. - تضخم العقد اللمفوية المحيطة بالمنطقة. - الحرقة في البول مع صعوبة التبول. - قد يحدث التهاب المثانة مع انحباس في البول. قد تترتب عن مرض الهربس التناسلي لدى الذكور مضاعفات منها: التهاب السحايا والندبات والتشوهات في مكان الإصابة وتورم الأعضاء التناسلية وسرطان العضو الذكر. أما مظاهر الهربس التناسلي عند النساء فهي: - ارتفاع في الحرارة. - الألم والحرقة عند التبول. - التقرحات المؤلمة في منطقة الإصابة بحيث تؤدي الى أوجاع لا تطاق أثناء الوصال الجنسي. - انحباس البول. - تضخم العقد اللمفوية في المنطقة المصابة. وطبعاً كما الحال عند الرجال، قد تنجم عن الهربس التناسلي عند المرأة مضاعفات يمكن إجمالها على الشكل الآتي: 1- الندبات والتشوهات في المنطقة المصابة. 2- التهاب الكبد والسحايا. 3- التهاب حاد في الأعضاء التناسلية. 4- الإجهاض عند الحامل. 5- سرطان عنق الرحم. وفي النهاية لا بد من الإشارة الى ملاحظات تتعلق بالهربس: يجب استشارة الطبيب عند الشك بالإصابة بالهربس، خصوصاً عند حصول النوبة لتسهيل التشخيص. يجب غسل اليدين جيداً بعد لمس آفات الهربس لتفادي نقل العدوى الى أمكنة أخرى. كما يجب تفادي استعمال الأدوات المشتركة. ومن الضروري العناية جيداً بمنطقة الإصابة وغسلها بالماء والصابون، إضافة الى تجفيفها بعناية، كما يجب ترك المنطقة من دون وضع ضماد عليها لأن تركها للهواء الطلق يسرّع في اندمالها. وفي حال الهربس التناسلي لا بد من اتخاذ الاحتياطات الضرورية لمنع انتقال الفيروس من المصاب الى الشريك الآخر. ان الحامل المصابة يمكنها أن تنقل عدوى الهربس الى وليدها أثناء الوضع. وإصابة المولود تعرضه لأخطار شتى، لذا فإن اللجوء الى العملية القيصرية غير مستبعد في هذه الحالة لحماية الطفل من انتقال العدوى بفيروس الهربس اليه. ان فيروس الهربس لا يختفي من جسم الإنسان بل يبقى نائماً في ملاذ آمن هو العقد العصبية ولمدى الحياة الى أن تحين الفرصة المناسبة فيهب من مكانه كالبركان الثائر، وهذا الأمر قد يحدث مرات ومرات في المنطقة نفسها أو على مقربة منها. ان تكرار نوبات الإصابة بالهربس تنجم عنه مضاعفات عضوية ونفسية وجنسية. الكثير من النساء قد يعانين الهربس التناسلي وقت حدوث العادة الشهرية، وعلى ما يبدو ان للتغيرات الهورمونية دوراً في إيقاظ الفيروس النائم. العدوى بفيروس الهربس تحدث بالتماس المباشر مع المنطقة المصابة، ومن طريق اللعاب، وبواسطة الوصال الجنسي. يتم تشخيص الهربس سريرياً ومخبرياً، وبعد التأكد من التشخيص يباشر العلاج. وتتوافر حالياً في الصيدليات دهونات موضعية تساعد في التخفيف من وقع الهربس، خصوصاً الشفوي منه، إذ تمنع هذه الدهونات امتداد العدوى وتساعد في تجفيف اندفاعات الهربس. أيضاً تتوافر أدوية تؤخذ بالفم لها بعض الجدوى في تقليص مدة نوبة الهربس وفي منع انتقال العدوى بعد مرور 48 ساعة على تناولها. حتى الآن لا يوجد علاج شاف يسمح باقتلاع مرض الهربس من جذوره في الجسم، ومن هنا تبقى الوقاية حجر الأساس، بل الحل الوحيد المثالي لتفادي زيارة ثقيلة لفيروس قد تستغرق مدى الحياة.