فاجأ المدونون السعوديون كثيرين حول العالم ممن كانوا ينظرون إليهم نظرة نمطية لا تتغير، على رغم أن أصحاب تلك المدونات لم يفصحوا عن أسمائهم الحقيقية، وبقي الاسم المستعار درعاً واقياً من أي طلقة اجتماعية أو سياسية، ويبدو أن السياسة لم تغر كثيرين منهم إذ انصب تفكيرهم على الهم الاجتماعي. ووصف المراقبون الحركة التدوينية السعودية، بأنها تكسر الصورة النمطية المعتادة. فخصوصية المواضيع التي يتناولها المدونون المحليون تجعلهم إما"أبطالاً مشغولين بالهم الاجتماعي والوطني"، وإما"منشقين ومتمردين على العادات والتقاليد". وينادي المدونون المحليون كغيرهم في العالم العربي بهدم الجدران، والانطلاق نحو الحرية، وهي أمور مقلقة لدى كثيرين، لأن معظم تلك الأطروحات تأتي من شحن عاطفي وغضب على المجتمع، الأمر الذي جعل الفوضى سيدة الشبكة العنكبوتية. ولإبراز أن التدوين السعودي لم يكن وليد الصدفة ولا الفوضى الالكترونية، ظهر تنظيم أطلق على نفسه اسم"أوكساب"، ويهدف بحسب المشرف العام عليه محمد فهد المساعد إلى"نشر الثقافة في المجتمع، من طريق الرقابة الذاتية التي يفرضها الشخص على نفسه، وتعتمد على تعريف المجتمع بالتدوين". وتأتي هذه التسمية اختصاراً لتسمية أنفسهم بپ"المجتمع الرسمي للمدونين السعوديين"، ويقوم عملهم وفق تنظيم إداري خاص، ويعقدون الندوات والملتقيات التشاورية، وأنشأوا أخيراً موقعاً إلكترونياً يكون مرجعاً لمدوناتهم. ولا يزال أعضاء هذا التجمع يسعون إلى أن تكون مظلته رسمية ليكون أكثر فاعلية"في تثقيف المجتمع إلكترونياً". وتعد"أوكساب"الجهة العربية الأولى في هذا المجال. وانبهر المجتمع السعودي كثيراً بالمواقع والمنتديات التي تشهد تزاحماً كبيراً، وزيادة متسارعة في عدد المشتركين، أصبح لكل قرية مشاركة إلكترونية ومساحة في عالم الانترنت. لكن المدونات لم تغر عموم السعوديين وبقيت نخبوية إلى حد بعيد على رغم لغتها البسيطة. وما لفت الأنظار إليها أخيراً تناولها مواضيع عامة وحياتية تهم السعوديين كتراجع الوضع الاقتصادي والبطالة المتزايدة وغلاء الأسعار ونفوق الإبل. ولا يخفي بعض المدونين السعوديين أنهم تحولوا إلى التدوين بعدما أهملتهم الصحف المحلية ولم تحتضن ميولهم وآراءهم. ويقول المدون عبدالمنعم الحسين:"على رغم أنني لا أكتب ما يتعدى الخطوط الحمر، إلا أن صحافتنا لم تستوعبنا، وما زالت تعمل بمحسوبية، وتقدم القلم النسائي، وثقافة الأسماء الكبيرة، فأقلام معينة هي وحدها من تكتب". وعلى رغم أن مدونة الحسين لا تتعرض لمواضيع جريئة، ولا تتناول الفضائح، نجحت في جذب أكثر من 50 زائراً لها في اليوم الواحد، يقول:"أتعمد أن تكون كتاباتي بالمستوى الحرفي، فأنا لا أتبنى أي فكر منحرف، ولا أي دعوة الى الإرهاب، أو الفساد الأخلاقي وهو ما جعل مدونتي ناجحة على الأقل في نظري أنا". وعلى رغم حداثة الدخول في عالم المدونات الذي أخذ في الانتشار بصورة لم تواز سرعة المنتديات الحوارية والمواقع الإلكترونية، إلا أن المدونة في بدايتها حسبت ضمن حاجات حقيبة النخبة، وهي الآن في طور التحول أداة تجذب الجمهور لحساسية ما يطرح فيها، وتناولها للكثير من المسكوت عنه سياسياً واجتماعياً وثقافياً. ولم تصل المدونة السعودية بصورة عامة بعد إلى أرقام تسلط الضوء عليها وتفرضها كنوع من"الصحافة البديلة"، فلا يزال حراكها بطيئاً جداً. وعلى رغم قلة العدد، وضعف التعامل الشعبي معها محلياً، وفي دول الخليج بصورة عامة، إلا أنها حققت نجاحات عدة في تحريك الشارع الشعبي نحو قرارات واتجاهات حكومية عدة، وتعرض بعض أصحابها في الوطن العربي للاعتقال، والمساءلة القانونية، وكان من أبرزهم مدونون في مصر، كان لهم نشاط بارز في هذا المجال، وأسسوا طريقاً جديداً سلكه مدونون عرب من بعدهم. وما رسخ قواعد المدونة المحلية في نظر الكثيرين هو تخطي كتابات أصحابها ممنوعات كثيرة، وطرحهم أفكاراً تعد من"التابو"الاجتماعي، الأمر الذي لفت انتباه الكثيرين لتأثيرها في الصورة النمطية للمجتمع، إلا أن إجماع المراقبين يشير إلى أن"اللغة البسيطة في تلك المدونات، والتي لا تنتمي إلى اللغة العربية الفصحى، ولا إلى لغة الصحافة التي يطلق عليها البيضاء، تأتي لتحاكي اللسان الشعبي البسيط". ويرى المدون محمد اسم مستعار، أن"ما ساهم في الانتشار محلياً أيضاً إمكانية إنشاء المدونة في مدة لا تزيد على خمس دقائق وهو من المحفزات، والمغريات التي دفعت الكثيرين الى إنشاء مدوناتهم إلا أن معظمها لا يخضع للحرفية، فالمواضيع المطروحة غالباً ما تنقل من مواقع أخرى ما يفقد المدونة فاعليتها". ويقول"عاطل عن العمل"صاحب مدونة:"لعل الجاذب الرئيس لمستخدمي الانترنت محلياً، ان هذه المدونات تتناول كل ما هو ممنوع في مجتمعاتنا العربية، من سياسة وجنس وطوائف وأديان. فتواجه المدونات العربية بصورة عامة حملة شرسة لحجبها ما جعل أصحابها ينشئون مدونات بديلة وبأسماء مختلفة، بحثاً عما يسمونه التدوين الحر".