الأدميرال وليم فالون هو قائد القوات الأميركية في أفغانستانوالعراق، وقد عيّن قبل نحو عام. قيل في حينه ان اختياره يعود الى أنه ضابط بحرية في خضم التكهنات باحتمال قيام الولاياتالمتحدة بعمل عسكري ضد إيران الساعية للحصول على سلاح نووي. هذا القائد قدم استقالته في 11 آذار مارس الجاري، معلناً انه سيتخلى عن منصبه نهاية الشهر من دون ذكر الأسباب. وزير الدفاع الأميركي قبل استقالته على مضض لوجود اختلاف في وجهات النظر كما قال. كان فالون الذي زار العراق أخيراً لتوديع رفاقه أعلن قبل أسابيع عن معارضته لأي عمل عسكري ضد إيران من دون ان يشير الى الأسباب، ربما لحساسية الموضوع وارتباطه بالاستراتيجية العليا لبلاده. ان قرار التنحي الذي اتخذه الأدميرال فالون هو التصرف الصائب الذي ينبغي أن يتخذه أي قائد عسكري إزاء الأخطاء التي ترتكب من جانب السياسيين، بحسب رأيه. صحيح ان المنظومة العسكرية تتبع السلطة السياسية، إلا ان ذلك لا يعني أنها عبارة عن خنجر يغرسه الساسة في خاصرة من يشاؤون. لقد أصبح موضوع استشارة قادة الجيش من جانب الساسة أمراً حيوياً بهدف تجنب اتخاذ قرارات غير صائبة قد تتحول الى قرارات مهلكة. ان العلاقة بين الساسة والعسكر هي من أخطر الأمور التي تؤثر في الاستراتيجية السياسية لبلد ما وتتطلب حكمة وشعوراً بالمسؤولية من الطرفين, وقد يتوقف مستقبل البلد على طبيعة تلك العلاقة. لقد تصرف فا لون بحكمة عندما قرر الاعتزال، وكان قبول استقالته تصرفاً حكيماً أيضاً من وزير الدفاع. الموضوع برمته يتعلق بالعراق. فقد أصبح احتلال العراق الشبح المسيطر على الولاياتالمتحدة، حتى في المسائل البعيدة من العراق. فالأدميرال يعلم جيداً بحكم موقعه ان قواته في العراق متورطة في حرب لا هي حرب تقليدية ولا هي حرب عصابات، بل هي"حرب العراق"التي تختلف كلياً عن كل الحروب التي خاضها الجيش الأميركي في تاريخه، الى درجة ان نسبة الجرحى وليس القتلى في صفوفه فاقت نسبة الجرحى في حرب فيتنام، كما ورد في تقرير أعدّه معهد استراتيجي أميركي. كما ان الجيش الأميركي يستخدم في هذه الحرب كل أنواع الأسلحة الفتاكة المحرمة وغير المحرمة من دون نتيجة تذكر منذ حوالى خمس سنوات. وفي هذه الحرب أيضاً استخدمت اكبر قاصفة في العالم"بي 1"لضرب أهداف داخل المدن، أي في المناطق المبنية بحسب التعبير العسكري، وهو أمر يحدث للمرة الأولى, كما صُرِف 12 بليون دولار شهرياً. وفي"حرب العراق"يستخدم الجيش الأميركي مرتزقة مدنيين من كل أنحاء العالم يفوق عددهم عدد الجنود المنتمين الى الجيش. وفي هذه الحرب فاق عدد الضحايا من المدنيين العراقيين المليون شهيد. وأخيراً وليس آخراً، يبدو ان نهاية الحرب ليست وشيكة، إلا ان من المؤكد أنها لن تكون لمصلحة الولاياتالمتحدة وربما ليس لمصلحة العراق أيضاً. والأدميرال يعلم ان قصف المنشآت النووية الإيرانية مهما كان دقيقاً لن يحل المشكلة، بل سيؤدي الى مأزق جديد للقوات الأميركية في المنطقة وللولايات المتحدة كدولة... وان اجتياح الاراضي الايرانية وهو أمر مستبعد سيؤدي الى الخوض في مستنقع آخر الى جانب المستنقع العراقي. وهو يعلم أيضاً وهذا أمر في غاية الأهمية ان الرد الإيراني سينطلق من العراق وبشدة نتيجة للتغلغل الإيراني الواسع الذي ما كان له ان يتم لولا الاحتلال الأميركي. تلك هي الغلطة الاستراتيجية التي تحولت نكبة بالنسبة الى العراق ومأزقاً يصعب الخروج منه بالنسبة الى الولاياتالمتحدة. بناءً على ذلك، فان الاستعداد لمواجهة الرد الإيراني ينبغي ان يبدأ من العراق. يبدو ان فالون لم يلمس أي خطوة جدية من جانب الإدارة الأميركية لكبح جماح التغلغل الإيراني في العراق, وكي يحافظ على أرواح جنوده بادر الى الاستقالة. هذا هو فن القيادة: تقدير صحيح، تضحية شخصية، قرار صائب. صباح علي غالب - عميد ركن متقاعد في الجيش العراقي المنحل - بريد الكتروني